4. إعمال أصل اعتبار المآل اعتبار مآل الأفعال من المقاصد المهمة من الشريعة. قال الشاطبي: "النظر في مآلات الأفعال معتبر مقصود شرعاً كانت الأفعال موافقة أو مخالفة، وذلك أن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام والإحجام إلا بعد نظره إلى ما يؤول إليه ذلك الفعل، مشروعا إلى مصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه؛ وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه، أو مصلحة تندفع به، ولكن له مآل خلاف ذلك، فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية، فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة تساوي المصلحة، أو تزيد عليها، فيكون هذا مانعاً من إطلاق القول بالمشروعية. وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية، ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد؛ فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية. وهو مجال للمجتهد صعب المورد، إلا أنه عذب المذاق، محمود الغب جارٍ على مقصد الشريعة"[1]. والنظر إلى مآل المجتمع الضامن لحقوق إنسانه، كما النظر إلى مآل المجتمع المهدر لها، يفرض تقديم القياسات الضامنة لحقوق الإنسان، وإن خفيت، على القياسات كلها وإن كانت جلية، وهذا يقودنا إلى آلية الاستحسان. بيَّن الإمام الشاطبي بعض معاني الاستحسان الذي هو أخذٌ بالمصلحة عند المالكية قائلاً: "الاستحسان في مذهب مالك: الأخذ بمصلحة جزئية في مقابل دليل كلِّي؛ لأنه يقوم على التيسير ودفع المشقة ورفع الحرج عن الناس". ومقتضاه: الرجوع إلى تقديم الاستدلال المرسَل على القياس؛ فإن من استحسن لم يرجع إلى مجرد ذوقه وتشهّيه، وإنما رجع إلى ما علم من قصد الشارع في الجملة، في أمثال تلك الأشياء المفروضة[2]، كالمسائل التي يقتضي القياس فيها أمراً إلا أن ذلك الأمر يؤدي إلى فوت مصلحة من جهة أخرى، أو جلب مفسدة كذلك[3]. فآلية إعمال أصل الاستحسان، اعتبارا لمآل إهدار حقوق الإنسان وضمانها، يمكّن من القيام بترجيحات معتبرة بهذا الخصوص، مما يفتح ذريعة العدالة، ويسدّ ذريعة الظلم. الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء --------------------------------- 1. الموفقات، 3/194. 2. يقصد الإمام الشاطبي"العلم بقصد الشارع بالاستقراء الكلي للأدلة في إجمالها وتفصيلها، كما هو مبين في كتابه الموافقات. 3. الموافقات، 4/207.