سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لا يكن تأخر أمد الإعطاء مع الإلحاح في الدعاء موجبا ليأسك، فهو ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك، لا في ما تختاره لنفسك، وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد..
غير أن الإمام بن عطاء الله أخذاً من مشكاة القرآن المجيد والحديث النبوي الشريف، يزيد هذه المعاني إسفاراً وإشراقاً حين يُجلّي أمرين بالغي الأهمية: - أولهما: أن ضمان الاستجابة ذو اندراج في إرادة الله اليسر بعباده "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر" [سورة البقرة، 185]، وهو سبحانه أعلم بما يصلح العبد من العبد نفسه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أحرص على أحدكم من أم على ولدها" [أخرجه الشيخان]، ولا يختار سبحانه للعباد إلا ما يصلحهم، والخير دائما فيما يختاره عز وجل، فالعباد لنسبيتهم ومحدوديتهم، قد يختارون ما يضرهم ولا ينفعهم ويَدْعون بذلك، تاركين ما ينفعهم، قال تعالى: "وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون" [سورة البقرة، 216]. كما أن الله جلّ وعلا، هو من أحاط بكل شيء علما، فاختياره لعبده يكون نفعا محققا محضا محمود العواقب بإطلاق، وقد ضمن تعالى الاستجابة حين يدعى بذلك، وهو قول ابن عطاء الله رحمه الله: "فهو ضمن لك الإجابة فيما يختاره لك" بيد أن اختيار العبد قد يكون فيه له دون إدراك منه، ضرر كبير، مما يجعل عدم استجابته سبحانه له في دعائه به رحمة جلّى. - الأمر الثاني: أن ضمان الاستجابة في الأمور التي يختارها الله لعبده بحسب ما مر بيانه، يكون في الإبّان الذي هو الأوفق والأصلح للعبد في ذاته وفي محيطه. فلا قبل الإبان تكون الاستجابة، ولا بعده، ولأن الإنسان خلق من عجل "خلق الإنسان من عجل، سأوريكم آياتي فلا تستعجلون" [سورة الأنبياء، 37]. فقد يدعو بالشر دعاءه بالخير، وقد يستعجل الخيرَ إن وفّق للدعاء به قبل إبانه، مما ينقلب إلى شر. قال تعالى: "ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير، وكان الإنسان عجولا" [سورة الإسراء، 11]، ومن ثم فإن الرحمن الرحيم اللطيف الودود سبحانه، قد ضمن الاستجابة للعبد الملحاح في الزمن الذي تكون له فيه هذه الاستجابة أنفع، وله تعالى الحمد على ذلك والثناء الحسن. وهو قول ابن عطاء الله رحمه الله "وفي الوقت الذي يريد، لا في الوقت الذي تريد" والله تعالى لا يريد إلا خيرا. ولكل ما سلف، فإن من تمام الأدب في الدعاء بأمر مخصوص، شفعه بصلاة الاستخارة والتي في دعائها المأثور هذه المعاني كلها: "اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كان هذا الأمر (كذا وكذا) خيراً لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فاقدره لي، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌّ لي في ديني ومعاشي، وعاقبة أمري، فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضّني به" [أخرجه البخاري الحديث رقم 6019]. كما أن من تمام الأدب التسليم لاختيار الله تعالى سبحانه استجابة وإبّانا. قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال العبد يستجاب له ما لم يقل دعوت فلم يستجب لي" [أخرجه البخاري في صحيحه]. والله الهادي إلى سواء السبيل. الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء