يميز المناطقة في التفكير بين ثلاثة أنواع وهي 1. الاستنباط: وبه يرى الإنسان أن ما يصدق على الكل يصدق أيضا على الجزء، ولذا فهو يحاول أن يبرهن على أن ذلك الجزء يقع منطقيا في إطار الكل، ويستخدم لهذا الغرض وسيلة تعرف بالقياس؛ 2. الاستقراء: وفيه ينتقل العقل من ملاحظات معينة محدودة، إلى حكم عام أو قانون، ويستعمل أكثر ما يستعمل في العلوم التجريبية؛ ومثاله: ملاحظة حجم الغاز بالنسبة للضغط الواقع عليه، مع تغيير كمية الضغط من تجربة إلى تجربة، وتسجيل الحجم في كل حالة. وفي النهاية تستخرج العلاقة الرياضية بين الحجم والضغط فتكون هي القانون، ومنطوقه: هو أن الحجم والضغط يتناسبان تناسبا عكسيا؛ 3. التمثيل: وفيه يثبت العقل صفة في شيء لشيء آخَرَ لاشتراكهما في صفة أخرى. ومثاله: (س) و (ص) يشتركان في الصفة (أ)، ولكن (س) يتصف بالصفة (ب) أيضا، وإثبات (ب) صفة ل (ص) هو التمثيل. ومن الأمثلة المشهورة: الحُكْمُ على المريخ بأن به أحياءً، لتشابُهِ جَوِّهِ بِجَوِّ الأرض. وهذا النوع من التفكير يؤدي إلى نتيجة محتملة الصدق في بعض الأحيان، فاسدة في أحيان أخرى. • آلياتُ التفكير الإيجابية في التفكير تُكْسِبُ الإنسانَ شعوراً بالسعادة، والسعداء دائماً ينظرون إلى الجانب المشرق. فالرياضي الناجح -على سبيل المثال- يَعْلَمُ كيفية التركيز في الفوز والنصر وتحقيق الهدف، ويبعد عن مخيلته التفكير في الخسارة. ونحن البَشَرُ عندما وُلِدْنَا كانت خلايا المخ تُقَدَّرُ بمائة مليار خلية عصبية، وتتركز هذه الخلايا في طبقة يبلغ سمكها 2 مللميتر على السطح الخارجي لِلِحَاءِ المُخِّ، والمعروف بمادة الدماغ السنجابية. وعلى مدار حياتنا يتعين على عقولِنَا أن تعالج 3 مليارات محفِّز كُلَّ ثانية لنبقى مستيقظين، وأن تعوض ملايين الخلايا التي نفقدها يومياً، ويبلغ وزن المخ في المتوسط 3 .1 كجم ويشكل نحو 2% من وزن الجسم، ومع هذا يستهلك أكثر من 20% من الطاقة، فهو يعمل بلا توقف طوال حياة الشخص. ويتحكَّمُ المخُّ في كل أجهزة الجسم وتفاعلاته، وفي سبيل ذلك يحتاج إلى غذاء صحي متكامل، وهناك ملايين من خلايا المخ تموت يومياً بسبب سوء التغذية ونقص الأُوكسجين والضغوط النفسية، والأدوية والسموم والتلوث البيئي. ويُعَدُّ الإفطار أهم وجبة للمخ لبدء عمله بنشاط في يوم جديد بطاقة مصدرها الكربوهيدرات، وهناك أبحاث أَثْبَتَتْ أن نوعية الأطعمة قد تؤثر في التفكير، فالبروتينات مثلاً تؤدي إلى تحَسُّنِ التفكير، والسُّكَّرِيَّات تُؤَثِّرُ في السلوك العاطفي. ومن العوامل التي تُنَمِّي التفكير من الصِّغَر • الطالبُ والدَّوْرُ الذي يراه لنفسه، وفكرتُه عن تنمية قدراته وتطوير إمكاناته ومهاراته؛ • والمعَلِّمُ وطريقة تدريسِه؛ • والبيئة التي يجري فيها التعلم والتعليم. فإذا كان الطالب يقوم بدور المفَكِّرِ المتَعَلِّم، وكان المعلم يقوم بدور المسَهِّلِ والميَسِّرِ للتعلم والتفكير، وكانت البيئة مناسبة لعمليات التعلم ومثيرة للتفكير؛ فإن تنمية التفكير تصبح أمرا واقعا. ومن العوامل التي تُعِيقُ التفكير وتُؤَدِّي إلى جموده • التمَسُّك بالأفكار القديمة؛ • نُدْرَةُ ونقص البيانات والمعلومات؛ • التَّحَيُّزُ الانفعالي والعاطفي واتِّباعُ الهوى. والحاصل: أن القرآن الكريم عندما يُخَاطِبُ الإنسان المسلم؛ فإنه يُرَكِّزُ على عقلِه ووعيِه وتفكيرِه، فليس هناك دين أعطى العقل والتفكير مساحة كبيرة من الاهتمام مثل الدين الإسلامي، الذي أعلا من شأن العقل والتفكير. ودليل هذا كُلِّه، أَنَّ اللهَ تعالى حَطَّ من منزلة مَنْ لَا يستخدم عقله وتفكيره، وجعله في أدنى درجة من الحيوان. قال تعالى: "إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ" [الاَنفال، 22] وقال تعالى: "اَمْ تَحْسبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُم إِلَّا كَالانْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً" [الفرقان: 44]. وزُبْدَةُ القول؛ إن التفكير هو المقدمة المنطقِيَّة لِأَيِّ تَصَرُّفٍ نقوم به، أو قرارٍ نَتَّخِذُه، أو حتى فكرةٍ نَتَبَنَّاها. وهو عبارة عن عمليَّة مُكَوَّنَة من العديد من الخُطُوَات، لكُلٍّ منها مهارتُهَا الخاصَّة، تُوصِلُنا للغايَةِ في أَقَلِّ وقتٍ وجُهْدٍ مُمْكِن. فَنَحْنُ اليوم حيث أَتَتْ أَفكارُنَا، وسنكُونُ غداً حيث تأخذُنَا أَفكارُنَا.. يتبع في العدد المقبل بحول الله تعالى..