هذا هو الجزء التاسع والعشرون من هذه المقالات عن ابن القطان، وهو تتميم لما سبق من الكلام عن مشيخته. وتلك سلسلة أعرض فيها من وقفت له منهم على رواية جملة من دواوين العلم، أو ذُكر له شيء من التآليف فيه؛ ومن جملة أغراضي من ذلك: استعمالُه بعد الفراغ من جمعه في مناقشة كلام قيل عن ابن القطان، من كونه أخذ الحديث مطالعة. ولست ألتزم هنا بنسق معين في عرض هذه المشيخة، وإنما أجلب منهم من آنَسُ من نفسي أني استفرغت وسعا في جمع مادة ترجمته. أحمد بن محمد بن إبراهيم القرطبي، أبو جعفر الحميري الكتامي المعروف بالوزغي(ت610ه) [القسم الثالث] أما مصنفاته فلم أقف من ذلك على شيء؛ وأما مروياته فقد كان الرجل إمامَ الأندلس وحافظَها؛ وتَقَدم في ثاني أَقْسام هذا المقال قولُ عبد الواحد المراكشي فيه أنه: "أدرك جلة من مشايخ الأندلس، فأخذ عنهم علم الحديث، والقرآن، والآداب، وأعانه على ذلك طول عمره، وصدق محبته، وإفراط شغفه بالعلم". كما تقدم فيه أيضا قول ابن مسدي من كونه "تفرد بالسنن والإسناد، وكل فضيلة تُسْتَفاد". كما تقدم أيضا قول الذهبي: "شيخ الأندلس.. لقي الكبار" وقد تقدم سياق أسماء أعيانهم في أول أقسام هذا المقال؛ ومثل هذا يقتضي كثرة المروي وسعة المسموع. ومما وقفت عليه من الكتب التي يرويها: الموطأ لمالك؛ وكتب ابن القاسم؛ وكتب المازري التي منها: المعلم؛ وكتب أبي الحسن اللخمي والتي منها: التبصرة. وكتب القابسي التي منها: الملخص. قال الحافظ ابن حجر في المعجم المفهرس: "كتاب المُلَخص لأبي الحسن علي بن محمد بن خلف القابسي. وبه إلى ابن مسدي قال: "كتب إلينا الخطيب أبو جعفر أحمد بن محمد بن يحيى الحميري، عن الإمام أبي عبد الله محمد بن علي المازري، أنبأنا أبو الحسن علي ابن محمد اللخمي بالقيروان إجازة، أنبأنا أبو الحسن علي ابن محمد القابسي إجازة. وهو من طريق عبد الرحمن بن القاسم عن مالك. قال ابن مسدي: هذا الإسناد كل ما للمذكورين من التواليف والمرويات"[1]. وأما دواوين الأدب فقد كان مُتَرْجَمُنَا يُقرئها، وكان بديع الضبط لها، ومنها: ديوان المتنبي، فإن حكاية عبد الواحد المراكشي التي سبق نقلها يُسْتَشَفّ مما فيها مِن الخَبر عَنِ إتقانِ الحفظ، وضبط الشعر: سَمَاعٌ من جِلَّةٍ؛ وإن لم يكن في تلك الحكاية تَعْيِينٌ لسند. وهذا مسرد ما وقفت عليه من هذه الدواوين: الحماسة: قال عبد الواحد المراكشي: "ومما يتعلق بأخبار أبي يوسف رحمه الله ما أخبرني شيخي وأستاذي أبو جعفر أحمد بن محمد بن يحيى الحميري رحمه الله أيام قراءتي عليه بقرطبة سنة (606/ه) وذلك أنا بلغنا عليه في الحماسة إلى مقطوعة ابن زَيَّابَة التيمي..[2]. ديوان المتنبي: قد مضى ما نُقل عن الاستيجي من قراءته عليه قراءة ضبط وتحقيق[3]؛ شعر أبي تمام: قد مضى ما نقل عن الاستيجي من قراءته عليه[4]؛ الكامل للمبرد: قد مضى ما نقل عن الاستيجي من سماعه عليه[5]؛ مقامات التميمي: يرويها عن مؤلفها نفسه وهذا سند عال[6]. والتميمي هو: "الشيخ الكاتب الأديب"[7]. أبو الطاهر محمد بن يوسف بن عبد الله التميمي السرقسطي. وأما مقاماته فهي: المسماة: "المقامات اللزومية" المشهورة، عارض بها مقامات الحريري، وهي أيضا خمسون مقامة؛ وقد جاء في أولها ما نصه: "أما بعد حمد الله العلي، والصلاة على المصطفى النبي، فهذه خمسون مقامة أنشأها أبو الطاهر محمد بن يوسف التميمي السرقسطي بقرطبة من مدن الأندلس عند وقوفه على ما أنشأه الرئيس أبو محمد الحريري بالبصرة، أتعب فيها خاطره وأسهر ناظره، ولزِم في نثرها ونظمها ما لا يلزم، فجاءت على غاية من الجودة. والله أعلم"[8]. وقد اعتنى كبار الرواة الأندلسيين برواية هذه المقامات الخمسين اللزومية منهم: ابن خير الاشبيلي فإنه رواها عن منشئها نفسه[9]. نُشِرَتْ هذه المقامات اللزومية بتحقيق الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي. تبصرة الصيمري قد مضى ما نقل عن الاستيجي من تفقهه عليه[10]. وهذا الكتاب هو: "تبصرة المبتدي وتذكرة المنتهي"، والمعروف اختصارا ب: "التبصرة والتذكرة"، أو "التبصرة" فقط. والصيمري: هو أبو محمد عبد الله بن علي بن إسحاق، وكتابه التبصرة في علم "النحو"، وقد صدر محققا في مجلدين[11]. قال الإمام عبد الباقي عبد المجيد اليماني في إشارة التعيين في ترجمة الصَّيْمري:"عبد الله بن علي بن إسحاق الصيمري النحوي: قدم مصر وسكنها مدة، وأُخِذَ عنه بِهَا شيء من النحو واللغة، وصنف في النحو كتاب سماه:"التبصرة"، أحسن فيه التعليل على قول البصريين، ولأهل المغرب بالكتاب عناية تامة، ولا يوجد منه نسخة إلا من جهتهم"[12]. هذا ما تيسر جمعه. والله أعلم. -------------------------------------------- 1. المعجم المفهرس، 1/39. 2. المعجب في تلخيص أخبار المغرب، ص: 219. 3. الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب، 2/326. 4. الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب، 2/326. 5. الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب، 2/326. 6. الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب، 2/326. 7. كما حلاه بذلك ابن خير في فهرسته، ص: 450. 8. المقامات اللزومية للسرقسطي، ص: 17. 9. فهرسة ابن خير، ص: 387-450. 10. الإحاطة في أخبار غرناطة لابن الخطيب، 2/326. 11. تحقيق د. فتحي أحمد مصطفى علي الدين، نشرته جامعة أم القرى بمركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، وطبع بدار الفكر- دمشق- الطبعة الأولى 1402ه/1982م. 12. إشارة التعيين في تراجم النحاة واللغويين لعبد الباقي بن عبد المجيد اليماني، ص: 168-169. والكتاب صدر عن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية بتحقيق د. عبد المجيد دياب، وطبع بشركة الطباعةالعربية السعودية، الطبعة الأولى 1406ه/1986م.