الإيمان باليوم الآخر، هو الصفة الثانية من صفات المتقين، كما سبق ذكره في الآية الكريمة، ويسمى يوم الحساب، ويوم الدين، ويوم القيامة، ويوم الفصل، ويوم الخروج، ويوم النشور، وغير ذلك، وكل اسم يبين حالة ما يحدث في ذلك اليوم الذي مقداره خمسون ألف سنة، ورد في سورة المعارج "تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" [الآية: 3] وفي هذا اليوم يحشر الناس حفاة عراة، قال تعالى: "ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة" [سورة الاَنعام، الآية: 94] ويقفون للحساب الدقيق الذي لا تضيع فيها حبة خردل ولا الذرة قال تعالى: "يابني إنها ان تك مثقال حبة من خردل فتكون في صخرة او في السموات او في الاَرض يات بها الله" [سورة لقمان، الآية: 15] وقال سبحانه: "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره" [سورة الزلزلة، الآية من 6 إلى 8] ويشهد على الإنسان يوم القيامة عشرة شهود، كما ورد في القرآن: "والله خير الشاهدين" "وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين" "يومئذ تحدت أخبارها" "فكيف إذا جئنا من كل امة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا" "يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون" إذا، فالعشرة الشهود هم: (الله سبحانه، والملائكة، والرسل، والأرض، والسماء، والبصر، واللسان، والجلد، واليدان، والرجلان) أين المفر يا أصحاب العقول النيرة؟ ولا تنفع القوة يومئذ كما قال تعالى: "مالكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون" [سورة الصافات، الآية: 25-26] ولا ينفع لا المال ولا السلطان قال تعالى: "واَما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه" [سورة الحاقة، الآيات: 25-29] .قال تعالى: "فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم" [سورة المومنون، الآية:101]، ولا تنفع الشفاعة، قال تعالى: "ولا يشفعون إلا لمن ارتضى" [سورة الاَنبياء، الآية: 28] ولا تنفع الفدية، قال تعالى: "اِن الذين كفروا وماتوا وهم كفار فلن يقبل من اَحدهم ملء الاَرض ذهبا ولو افتدى به أولئك لهم عذاب اَليم وما لهم من ناصرين" [سورة اَل عمران، الآية: 91]، بل لو قدم المجرم أهل الأرض كلهم قربانا ما نفعه ذلك؟ قال تعالى: "يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤويه ومن في الاَرض جميعا ثم يُنجيه كلا، إنها لظى" [سورة المعارج، الآيات: 11-15] وفي هذا اليوم الشديد يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه كما ورد في سورة عبس: "يوم يفر المرء من اَخيه واُمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه" [الآيات: 34-37] إنه يوم يشيب فيه الوليد، وتنقطع فيه القلوب، إلا المؤمنون فإنهم لا يخافون حين يخاف الناس، ولا يحزنون بل تتلقاهم الملائكة ويظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله، قال تعالى: "فأما من اوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب إلى أهله مسرورا" [سورة الانشقاق، الآيات من 7 إلى 9]، وقال تعالى: "إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون" [سورة فصلت، الآية: 30] وقال سبحانه: "كل نفس بما كسبت رهينة اِلا أصحاب اليمين" [سورة المدثر، الآية: 38-39]، وقد جاء في الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في الله واجتمعا عليه وافترقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال أني أخاف الله، ورجل تصدق فأخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر الله في خلاء ففاضت عيناه" متفق عليه. فعليك أخي المسلم أن تحاسب نفسك كل ليلة، قبل أن تنام عن حقوق الناس، فترفع حق كل مسلم، وتطلب العفو من كل من أسأت إليه، وأن تحاسب نفسك عن حقوق من هم تحت مسؤوليتك، في الوظيفة، أو البيت، وعن حقوق الوالدين والجار، واليتيم والمسكين، وعن حق الله فتتوب توبة نصوحا، عن كل ذنب اقترفته، حتى تلقى الله سليما معافى، واعلم أن الفرصة لا تتكرر؟ فحاسب نفسك قبل أن تحاسب، وتأمل فيمن مات، ماذا أخذ معه من الدنيا، ولا يغرنك طول العمر وصحة البدن ووفرة المال، فالموت لا يبقي على شيء، وأسأل الله التوفيق.