أولها: أن الإنسان ليس في معزل عن الغواية "إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم" فلا مأمن؛ وثانيها: أن كل إنسان يكن في طوايا نفسه استعدادا للعجب؛ وثالثها: النسيان للذكرى وللنذر ولعداوة الشيطان، ولجدّية الأمر. فإنه يتضح أن الرضى عن النفس أمارة على جهل الإنسان بطبيعته، وكذا بوظيفته المركزية التي بيَّنها ربُّ العزة في قوله تعالى: "ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دسّاها" [سورة الشمس، الآية: 7-12]. وإذ قد تبيّن أن الرضى عن النفس كف عن تزكيتها، فإنه إذن تخلّ عن الوظيفة المركزية سالفة الذكر بما أنه اقتحام لعقبة درب العجب المردي. وما أجمع وأوضح قول الشيخ رضي الله عنه بهذا الصدد: "فأي علم لعالم يرضى عن نفسه؟ وأي جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه؟. في هذه الحكمة أيضا إشارة مشرقة إلى كون الصحبة إكليلا وجب ألاّ يوضع إلاّ على الهام التي تستحقّه، مع بيان المعيار الأساس الذي هو عدم الرضى على النفس باعتباره صمام الأمان دون العُجب، وبقول الشيخ ابن عطاء الله رحمه الله "لأن تصحب عالما يرضى عن نفسه" فقد بيّن أمرين جليلين: أولهما: أن الجهل لا شكّ دون العلم، فإذا كانت فضيلة العلم محلاّة بعدم الرضى عن النفس فذلك غاية المنى؛ وثانيهما: أن فضيلة العلم على جلالة قدرها تضمحل تحت مفعول حامض رذيلة الرضى عن النفس. والله المستعان.