لا يغيب عن الأذهان أن لسان الدين بن الخطيب "ذو الوزارتين" كان أعظم صلة وصل بين علماء الأندلس وعلماء المغرب. قام بعدة رحلات بين العدوتين سعيا وراء طلب العلم بجامعة القرويين، أو بحثا عن مجالسة العلماء أو سفير لسلطان غرناطةبفاس، أو منفيا إلى المغرب في عهد المرينيين أو مؤلفا في فترة منفاه بمدينة مراكش، مدونا رحلاته في كتاب "نفاضة الجراب في علالة الإغتراب" ضمنه مذكراته ومشاهداته في المدن المغربية. وقد أطلق عليه "كتاب الرحلة"، كما قام بتأليف كتابه: "معيار الاختيار في ذكر المعاهد والديار"، عندما نُفي إلى المغرب مع سلطانه الغني بالله ابن الأحمر "المعروف بمحمد الخامس" ونزل ضيفا عند أبي سالم المريني، ملك المغرب سنة 761ه/ 1359م. وقد أعددت فصلا في أطروحتي للدكتوراه "شعر الجهاد في الأدب المغربي" عن شعر فتوح الأندلس من طرف الدولة المغربية وملوكها، وتطرقت في فصل "التحريض على الجهاد والاستنجاد بالمجاهدين" إلى الأشعار التي استنجد بها الأندلسيون بملوك المغرب، لإنقاذهم من حصارات الإسبان واعتداءاتهم عليهم، معززين نجدتهم بفتاوى الفقهاء والعلماء من الأندلس والمشرق. وقد تعرضت، فيما تعرضت إليه في هذا المجال، أنه لما كانت الأندلس الآفلة تلفظ نفسها الأخير، جاء آخر ملوكها من بني الأحمر، أبو عبد الله محمد الغرنطي إلى المغرب من قصر الحمراء "وجنة العريف" في يناير 1492م ربيع 1 -898ه، مع جمهرة من أقطاب العلم والأدب والفكر، بعدما أخذت منه مدينة غرناطة، قهرا فنزل بمدينة مليلية ثم بمدينة فاس، وبعث برسالة استعطاف مؤثرة إلى سلطان فاس محمد الشيخ الوطاسي سماها: "الروض العاطر الأنفاس في التوسل إلى المولى الإمام سلطان فاس"، معتذراً فيها عما أصاب الإسلام في الأندلس، ومتبرءا مما نسب إليه من التفريط والإهمال. وقد افتتح رسالته بقصيدة من نظم وإنشاء وزيره وكاتبه محمد بن عبد اله العربي العقيلي، متوسلا فيها أن يجبره ويعينه على رفع الضيم الذي أصابه، بعدما شعر بثقل مسؤولية سقوط الأندلس على عاتقه وبفداحة التبعة التي يتحملها أمام التاريخ. يقول في مطلعها: مولى الملوك ملوك العرب والعجم رعيا لما مثله يرعى من الذمم بك استجرنا ونعم الجار أنت لمن جار الزمان عليه جور منتقم حكم من الله حتم لا مرد له وهل مرد الحكم منه منتحم إلى أن يقول ولا تعاتب على اشياء قد قدرت وخط مسطورها في اللوح بالقلم يتبع في العدد المقبل…