لقد اعتنى الإسلام –في محيط الإنسانية- بوحدتها، وهي الفرد باعتبار أن صلاح الفرد أساس ضروري لتكوين المجتمع الصالح، فعمل من خلال منهجه التربوي الفريد على بناء شخصيته وتقويمها، ورسم لها طريق التصرف في حرية وعزة وكرامة، وبقدر عنايته بالفرد اعتنى بالجماعة الإسلامية. ومن هذه النظرة الدقيقة، عملت التربية في الإسلام على تربية الذات الإنسانية –باعتبارها محور نشاط هذه التربية، وبها تشكل ذات الإنسان المسلم، كما أرادها الإسلام- وتزويد الإنسان بالدوافع التي تمكنه من التحكم في نفسه، وفي الكون كعبد حقيقي لله وحده، لا بالتصارع مع الطبيعة، ولكن عن طريق فهم السنن الربانية التي أودعها الله فيها، وبالتالي تسخيرها من اجل تنمية شخصية إنسانية متناسقة مع الطبيعة والمحيط الذي يحتضنها. إن موضوع التربية هو الإنسان بعقله ووجدانه ومشاعره وجسمه وقيمه الاجتماعية المختلفة، والتربية ذات صبغة اجتماعية، فهي الوسيلة التي يستخدمها المجتمع لكي يشكل أفراده، ولنا في التاريخ عبرة، فلقد أحدثت التربية الإسلامية تغييرا جذريا ملحوظا في المجتمعات، شملت كل الجوانب الاجتماعية والفكرية في حياة الأفراد. ولاشك هناك أسبابا كثيرة لنجاح التربية الإسلامية في تغيير تلك المجتمعات، ذلك أنها تربية شاملة ومتكاملة تقوم على المرونة وعلى حرية الاختيار، وتتمشى مع الفطرة الإنسانية السليمة، وتهتم بالعبادة والسلوك، وتهتم بالفرد والجماعة، وتجعل الكل فيها مسؤول عن الكل، وتركز على العقيدة والعمل، فهي –التربية الإسلامية- "تعمل على المحافظة على فطرة الناشئ ورعايتها وتنمية مواهبه وتغذيتها بصورة متزنة، وهي لهذا تتعد بناء الإيمان والعلم والخلق والعمل الصالح بصورة متلاحمة منسجمة"[1]. وعلى هذا نستطيع القول بأن التربية الإسلامية هي: "تلك المفاهيم التي يرتبط بعضها ببعض في إطار فكري واحد يستند إلى المبادئ والأصول والقيم التي أتى بها الإسلام، والتي ترسم عددا من الإجراءات والطرائق العلمية، يؤدي تنفيذها إلى أن يسلك سالكها سلوكا يتفق وعقيدة الإسلام"[2]. ويرى يوسف العظم أن التربية الإسلامية بمفهومها الواسع هي: "إن كل ما يعطى لجيلنا المؤمن لابد أن يكون في إطار إيماني قرآني، يكون الإسلام محوره، ولا يتنافى مع الإسلام بحال من الأحوال"[3]. ومن المفاهيم الجديدة للتربية الإسلامية: "إنها عملية تربوية تهدف إلى بناء الفرد وتكوينه إسلاميا، بناء متكاملا شاملا عقليا ووجدانيا وجسميا"[4]. إن هذا المفهوم للتربية الإسلامية يضع أسسا لما يقدم للمتعلم من معرفة ونشاطات وغير ذلك، بل إنه يجعل كل ما له علاقة بتربية عقل المسلم أو وجدانه أو بدنه من صميم التربية الإسلامية. ولقد تناول محمد قطب التربية الإسلامية بقوله: "عالجت التربية الإسلامية الفرد معالجة كاملة شاملة لجسده وروحه وعقله ووجدانه وعلاقاته الاجتماعية مع الآخرين، هي معالجة الكائن البشري كله، معالجة كاملة لا تترك شيئا، ولا تغفل عن شيء، جسمه، عقله، روحه، ورغباته المادية والمعنوية وكل نشاطه على الأرض…"[5]. وهي عند النحلاوي تعني: "تربية الفرد على الإيمان بالله والاستسلام لشريعته والإيمان بالغيب، تربية النفس على الأعمال الصالحة وعلى منهج الحياة الإسلامية في الحياة اليومية والمواسم السنوية والتصرفات المالية، وجميع شؤون الدنيا، تربية المجتمع على التواصي بالحق للعمل به، والتواصي بالصبر على الشدائد، وعلى عبادة الله وعلى التزام الحق"[6]. من هذا المنطلق كانت التربية الإسلامية قضية إنسانية وضرورة مصيرية؛ لأن المصائب التي تنزل بالمجتمع الإنساني عامة، والكوارث التي تصيب المجتمعات الإسلامية، واحتكار الدول القوية لخيرات الأمم الضعيفة، كل ذلك نتيجة لسوء تربية الإنسان، والانحراف به ابتغاء كماله، وعن فطرته وطبيعته الإنسانية. والخلاصة أن التربية الإسلامية هي تنمية فكر الإنسان وتنظيم سلوكه وعواطفه ومشاعره، على أساس الدين الإسلامي بقصد تحقيق أهداف الإسلام في حياة الفرد والجماعة، أي في كل مجالات الحياة. وقد قدم الإسلام هذه الأفكار كلها في منظومة من التصورات مترابطة متينة البنيان، تتمثل في الجانب الإيماني ألاعتقادي، والجانب التشريعي، والجانب التعبدي المتمثل في سلوك المسلم الذي يحقق به كل التصورات والأهداف والضوابط والأوامر التشريعية.. يتبع في العدد المقبل… ——————————- 1. د. محمد فاضل الجمالي، نحو تربية مؤمنة، ص: 85. 2. د. سعد إسماعيل علي، أصول التربية الإسلامية، ص: 6. 3. يوسف العظم، نحو منهاج إسلامي أمثل، ص: .13 4. مجلة الوعي الإسلامي، عدد 331- ص: 39 – 1414ه/1993م. 5. محمد قطب: منهج التربية الإسلامية، ج: 1 -ص: 18. 6. عبد الرحمن النحلاوي، أصول التربية الإسلامية وأساليبها، ص: 18.