المولى الحسن الداخل بسجلماسة استطاع أبو إبراهبم العمري، أمير ركب الحجيج المغربي على ما له من مكانة اجتماعية ودينية[1]في سجلماسة أن يقنع وفد الركب وأسرة الشرفاء الحسنيين الينبعيين بمن فيهم والده وأقاربه باستصحاب الحسن بن القاسم إلى سجلماسة. وفعلاً عمل أمير ركب الحجيج أبو إبراهيم العمري على ترتيب الإقامة والحياة الجديدة لهذا الشريف الحسني الذي جاء معه من المشرق إلى المغرب ومهد له المقام. وقد اختلفت المصادر في عمر الشريف الذي كان عليه أثناء وفوده إلى سجلماسة، والأغلب على الظن أن سنه كانت لا تتجاوز مرحلة الكهولة، أي حوالي ستين سنة حسب رواية كتب الأنساب المعروفة في المغرب. ويشير النسابون إلى أن مكان إقامة الحسنيين في الينبع هو مدشر "بني إبراهيم" الذي كانت تقيم فيه أسرة القاسم والد الحسن. وبمجرد ما وصل المولى الحسن إلى سجلماسة تعهد أبو إبراهيم برعاية الشريف الحسني، فعين مكان إقامته ودار نُزُلِه وزوجه من بنات وكريمات الأسر السجلماسية، حيث رشح له مصاهرة الأسر الآتية: أولاد المزاري، وأولاد المغراوي، وأولاد البشير، وأولاد ابن عاقلة، وأولاد المعتصم، فاختار لمصاهرته أولاد المزاري (المنزاري) لمروءتهم وديانتهم وَوُسْطَتِهِم في عشائرهم، امتثالاً لقول جده طيب الأغراس خَوِّلُوا أولادكم إن العرق دساس[2]. فأنجبت منه زوجته السيدة المنزارية السجلماسية ولده "محمد" الذي انحدَرت منه سلالته الشريفة التي تعرف بأسرة الشرفاء السجلماسيين نسبة إلى مدينة سجلماسة[3]. وتذكر المصادر التاريخية أن سبب إتيان أهل سجلماسة بالمولى الحسن بن القاسم إلى هذه البلاد أن ركائب الحج المغربية كانت تتوارد على الأشراف في الحجاز، وكان أمير الركب المغربي إذ ذاك من أهل سجلماسة يدعى أبو إبراهيم العمري[4]، فلما حج في بعض السنين اجتمع هناك بشريف ينبع النخيل المولى القاسم بن محمد، وكان من أكبر شرفاء الحجاز في وقته ديانة ووجاهة، فطلب منه أمير الركب المذكور أن يبعث معه أحد أولاده الثمانية إلى المغرب تكريما وتشريفا لهم[5]. "فلا زال يحسن له بلاد المغرب، ويستميله بما يسر ويطرب"[6] إلى أن استجاب الشريف لطلب الوفد المغربي. وقبل اتخاذ القرار الحاسم اختبر أولاده واحدا واحدا ليرى من يليق بهذه المهمة النبيلة، وفي هذا الصدد يذكر الإفراني أن المولى القاسم "كان يسأل منهم الواحد بعد الواحد ويقول له، من فعل معك الخير، ما تفعل معه؟ فيقول: أفعل معه الخير فيقول: ومن فعل معك الشر؟ فيقول له: أفعل معه الشر فيقول له: اجلس، إلى أن بلغ مولانا الحسن الداخل، فقال له: ومن فعل معك الشر؟ فقال له: أفعل معه الخير، قال: فيرد ذلك بالشر، فيقول له: أعود له بالخير إلى أن يغلب خيري على شره. فاستنار وجه مولانا القاسم وتهلل فرحا به، ودخلته أريحية هامشية ودعا له بالبركة فيه وفي عقبه. فأجاب الله دعوته"[7]. وهكذا استجاب شريف ينبع النخيل لطلب وفد الحاج السجلماسي، واختار ابنه المولى الحسن لمرافقة الحجاج المغاربة الذين عرفوا بحبهم وتعظيمهم وتمجيدهم لآل البيت النبوي الشريف.. يتبع في العدد المقبل… —————————————– 1. الفضيلي، مولاي إدريس، الدرر البهية والجواهر النبوية، مراجعة ومقابلة، أحمد بن المهدي العلوي، ومصطفى بن أحمد العلوي، الرباط، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية1420 ه 1999م، الجزء 1، ص: 83. 2. العلوي، أحمد بن عبد العزيز، الأنوار الحسنية، الرباط، مطبعة وزارة الأنباء 1966، ص: 26. 3. الإفراني، محمد الصغير، نزهة الحادي بأخبار ملوك القرن الحادي تقديم وتحقيق عبد اللطيف الشاذلي، الدارالبيضاء، مطبعة النجاح الجديدة 1998، ص: 409– 413. 4. الريفي، عبد الكريم بن موسى، زهر الأكم، دراسة وتحقيق آسية بنعدادة، الجديدة، مطبعة المعاريف 1992، ص: 101. 5. الزياني، أبو القاسم، البستان الظريف في دولة أولاد مولاي الشريف، دراسة وتحقق رشيد الزاوية، الريصاني، مركز الدراسات والبحوث العلوية، ط1 1992، ص: 29 – 30. 6. الفضيلي، مولاي إدريس، المصدر السابق، ص: 82. 7. الإفراني، المصدر السابق، ص: 413.