في تاريخ نساء الأندلس نساء رائدات تألقن في مجال الشعر والفن والأدب نساء تركن حمولة علمية ومعرفية غزيرة في سجل المرأة الأندلسية خاصة "غرناطة"[1] بلاد الأندلس التي تخرج منها نخبة من العلماء والعالمات الرائدات في شتى المعارف وقد خصها بالذكر غير واحد من علماء التاريخ، ومنهم العلامة أحمد بن محمد المقري التلمساني في كتابه نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب في وصف عرناطة العالمة بقوله "أما غرناطة فإنها دمشق بلاد الأندلس ومسرح الأبصار ومطمح الأنفس ولم تخل من أشراف أماثل وعلماء أكابر وشعراء أفاضل ولم يكن لها إلا ما خصها الله تعالى من المرح الطويل ونهر شنيل لكفاها"[2]؛ ومن النساء اللواتي نبغن في هذه المدينة العامرة السيدة حفصة بنت الحاج "الركونية"[3] الشاعرة الأديبة، وهي من شواعر وأديبات غرناطة كانت ذات جمال وحسب وثراء وبديهة وسرعة خاطر قال ابن دحية: "من أشراف غرناطة رخيمة الشعر رقيقة النظم والنتر"[4]. "وهي من ساكن غرناطة"[5]. تربت هذه السيدة في بيئة أدبية شعرية، تحب الشعر كثيرا، وتنشد أشعارا تنبض بحرارة العاطفة وصدق الشوق، "وتعد إحدى شواعر النساء الأندلسيات الشهيرات في القرن السادس عشر الهجري، بل هي شاعرة غرناطة في وقتها على الإطلاق حباها الله مالا وجمالا، وشرفا ومكانة"[6]، ومن بدائع نظمها ما ذكره لسان الدين بن الخطيب عن الوزير محمد بن عمر الهمداني قال: "رغبت أختي إلى حفصة أن تكتب شيئا بخطها فكتبت: يا ربة الحسن بل يا ربة الكرم غض جفونك عما خطه القلم تصفحيه بلحظ الود منعمة لا تحفلي بقبيح الخط والكلم[7]. ونقل عن إبن سعيد المغربي في كتابه المغرب في حلى المغرب أنها دخلت على عبد المؤمن وأنشدته، وقد استنشدها من شعر: أمنن علي بطرس يكون في الدهر عدة تحظ يمناك فيه الحمد لله وحده[8]. ومن بدائع صنعها في نظم الشعر قولها في السيد أبي سعيد ملك غرناطة تهنئة بيوم العيد: يا ذا العلا وابن الخليفة والإمام المرتضى يهنيك عيد قد جرى فيه بما تهوى القضا وأتاك من تهواه في قيد الإنابة والرضا ليعيد من لذاته ما قد تصرم وانقضى[9]. ومن شعرها كذلك قولها: سلام يفتح في زهره الكمام وينطق ورق الغصون على نار قد ثوى في الحشا وإن كان تحرم منه الجفون فلا تحسبوا العبد ينساكم فذلك والله ما لا يكون[10]. ويظهر جليا من خلال هذه الأبيات الشعرية أن عالمتنا الجليلة كان لها حظ وافر في نظم الشعر، ولها يد طولى في سبك أبيات شعرية تحمل في طياتها مجموعة من المعاني الجياشة واللطائف الوجدانية الفياضة تضم أنواعا جمة من الأساليب الأدبية التي تخاطب الروح والوجدان، وتوقظ فيه حرارة أدبية عاطفية، وتستحق بذلك أن تكون شاعرة فريدة من نوعها جمعت ألوان مختلفة من الفنون والمعارف الأدبية الفريدة لتنسج لنا لوحات شعرية صادقة تعبر عن خلجات النفس وأعماقها. وقد وصفها لسان الدين بن الخطيب بالظرف والأدب فريدة الزمان في الحسن واللوذعية قال أبو القاسم: "كانت أديبة نبيلة، جيدة الشعر سريعة البديهة"[11]. كما وصفها الزركلي في الإعلام "بأنها شاعرة انفردت في عصرها بالتفوق في الأدب والظرف والحسن، وسرعة الخاطر بالشعر"[12].. وفي تاريخ وفاتها فقد ذكر صاحب كتاب صلة الصلة أنها توفيت بحضرة مراكش في آخر سنة ثمانين أول سنة إحدى وثمانين وخمسمائة[13]. رحمها الله وأسكنها فسيح جنانه أمين والله المستعان ———————————————— 1. غرناطة مدينة من أقدم مدن كورة البيرة من أعمال الأندلس، وعاصمة مقاطعة غرناطة في منطقة أندلوسيا جنوب إسبانيا. تقع بمحاذاة جبال سييرا نيفادا، عند نقطة التقاء نهري هَدَّرُه وسَنْجَل، وعلى ارتفاع 738 متراً فوق سطح البحر. 2. نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب تحقيق الأستاذ يوسف الشيخ محمد الباقعي،(1/144)، ط: 1 1406ه 1986م. 3. الركونية نسبة إلى ركانة وهي بلدة أندلسية قديمة تقع غربي ثغر بلنسية. 4. أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، عمر رضا كحالة، ج: 1، ص: 267 مؤسسة الرساله للطباعة والنشر. 5. نفح الطيب، (1/144). 6. نفح الطيب، (5/310). 7. الإحاطة في أخبار غرناطة، لسان الدين بن الخطيب تحقيق، محمد عبد الله عنان، (1/491). الطبعة: 2، 1393ه-1973ممكتبة الخانجي القاهرة. 8. المغرب في حلى المغرب، لإبن سعيد المغربي (2/139-138). تحقيق الدكتور شوقي ضيف دار المعرفة، أنظر كذلك كتاب الذر المنثور، في طبقات ربات الخدور، المؤلف: زينب بنت علي بن حسين بن عبيد الله بن حسن بن إبراهيم بن محمد بن يوسف فواز العاملي، ص 166-165. 9. أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، عمر رضا كحالة، ج: 1، ص: 270 مؤسسة الرساله للطباعة والنشر. 10. أعلام النساء في عالمي العرب والإسلام، عمر رضا كحالة، ص: 269. 11. صلة الصلة لأبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي، (5/313). 628ه-708 تحقيق الدكتور عبد السلام الهراس- سعيد أعراب 1416. 12. الإعلام للزركلي الدهان عبد السلام، (1/265)، الطبعة: 14، 199 دار العلم للملايين. 13. صلة الصلة لأبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي الغرناطي، (5/313). 628ه-708 تحقيق الدكتور عبد السلام الهراس- سعيد أعراب 1416.