تعترف معظم الكتابات التاريخية بالدور البارز الذي تلعبه المرأة عبر التاريخ من خلال صنوف متنوعة من العطاءات الغزيرة في مجالات حياتية متنوعة امتدت إلى حقول الفكر والثقافة والأدب والتاريخ. معلنة أن هذه الأخيرة ساهمت مساهمة جادة وفعالة في بناء صرح الحضارة الإسلامية؛ ومد جسور التواصل بين مختلف الشرائح الاجتماعية في سبيل ترسيخ مبدأ المحبة والتآخي والتعاون في سبيل تحقيق مقاصد الشريعة الإسلامية، والاندماج الفعلي في جوهرها المكنون؛ ومن هذه النماذج المثالية التي كان لها القدم الراسخ في العلم والصلاح السيدة الولية الصالحة أم العز بنت محمد بن علي بن أبي غالب العبدري من أهل دانية[1]؛ اشتهرت عالمتنا الجليلة بحفظ القرآن الكريم، وحفظ الأحاديث النبوية الشريفة.. وكان لها نصيب في القراءات السبع، معظم وقتها تصرفه في طلب العلم وتلاوة القرآن الكريم وتجويده "وكانت حافظة لكتاب الله قائمة عليه مجودة له بالسبع"[2]. "سمعت صحيح البخاري من أبيها بقراءتها مرتين"[3] كما عرفت هذه السيدة كذلك بالزهد والتقوى والصلاح ومحبة الخير للناس أجمعين، تحب مجالس العلم تجالس العلماء قصد تحصيل جملة من العلوم الشرعية الإسلامية النافعة التي أخذت منها الحظ الوافر خاصة وأنها نشأة في بيت عرف بالعلم والصلاح والتقوى والعفاف "فمن شيوخها الذين أخذت عنهم: والدها محمد بن علي بن أبي غالب العبدري وهو من أهل تونس شاطبي الأصل يكنى أبا عبد الله كان فاضلا من أبناء العلم"[4]. "فهي تروي عن أبيها وعن أبي الطيب بن برنجال وعن زوجها أبي الحسن ابن الزبير وأبي عبد الله ابن أيوب بن نوح"[5]. اشتهر هؤلاء العلماء الذين أخذت عنهم عالمتنا الجليلة بالعلم والصلاح؛ فأبو الطيب بن برنجال الذي كانت توري عنه الأحاديث "من العلماء الكبار وهو سعد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن خلف بن يحي الأموي داني، روى ببلده عن أبيه وأبي بكر أسامة بن سليمان، وببلنسية عن أبي الخطاب بن واجب وغيره، وكان من أهل العناية بالتقييد والرواية حسن الخط، كتب علما كثيرا وتوفي ببلنسية ست وعشرين وستمائة، ودفن بالمصلى من ظاهرها"[6]. أما أبو عمر بن عات احمد بن هارون بن أحمد بن جعفر بن عات النقري الذي أخذت عنه عالمتنا الجليلة قال عنه ابن ناصر الدين "كان زاهدا ورعا حافظا ثقة مأمونا"[7]. وختاما نشير إلى أن معظم المصادر التاريخية لم تذكر تاريخ ولادة السيدة الصالحة أم العز بنت محمد بن علي بن أبي غالب العبدري، وإنما ذكرت تاريخ وفاتها المحدد في سنة ست عشر وستمائة[8]. رحم الله عالمتنا الجليلة وأسكنها الله فسيح جنانه أمين والحمد لله رب العالمين.. ———————- 1. التكملة لكتاب الصلة للحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله أبي بكر القضاعي البلنسي ابن الأبار، (4/263)، تحقيق الدكتور عبد السلام الهراس دار المعرفة. 2. الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الملك الأنصاري الأوسي المراكشي (8-2/ 482)، تحقيق الدكتور إحسان عباس دار الثقافة بيروت. 3. التكملة لكتاب الصلة للحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله أبي بكر القضاعي البلنسي ابن الأيار، (4/263) تحقيق الدكتور عبد السلام الهراس دار المعرفة. 4. الإحاطة في أخبار غرناطة (2/577-578) تحقيق محمد عبد الله عنان الطبعة (2/ 1393ه/1973م) مكتبة الخانجي القاهرة. 5. التاريخ الدبلوماسي للمغرب، الدكتور عبد الهادي التازي، ج: 1 ص: 198/206. 6. الذيل والتكملة لكتابي الموصول والصلة لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الملك الأنصاري الأوسي المراكشي(14/ 10) تحقيق الدكتور إحسان عباس دار الثقافة بيروت. 7. الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لأبي فرحون(1/232-233) تحقيق الدكتور محمد الأحمدي أبو النور مكتبة دار التراث العربي. 8. التكملة لكتاب الصلة(4/263) للحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله أبي بكر القضاعي البلنسي ابن الأيار تحقيق الدكتور عبد السلام الهراس دار المعرفة.