يزخر تاريخ الأندلس بمجموعة من النساء العالمات اللائي تركن تاريخا حافلا بسلسلة من العطاءات العلمية والفكرية الغزيرة، وسطرن واقعا فكريا متميزا نظرا لقوة إدراكهن وإقبالهن الكبير على تعلم العلم وتعليمه فأم الحسن بنت أبي لواء سليمان بن أصبغ بن عبد الله بن وانسوس بن يربوع المكناسي مولاي سليمان بن عبد الملك[1] أنموذج مثالي لنساء أندلسيات رائدات نشأن في بيت اشتهر بالعلم وحسن الأدب والأخلاق قال الإمام الرازي "كان لبني وانسوس نساء متقدمات في الخير والفضل والورع والنسك حج منهن ست نسوة وذكر منهن أم الحسن بنت لواء..[2]. عرفت هذه السيدة الجليلة بغزارة علمها ورأيها الصائب وعقلها النير، وقوة صبرها وإيمانها الصادق وعظمة الدور الكبير الذي لعبته في مجال خدمة العلم وخدمة أهله بالإضافة إلى ذلك كانت شجاعة صالحة ومربية عالمة بالتربية الأخلاقية المثالية يرجع أصلها إلى "قرطبة"[3] قال ابن الآبار "أم الحسن هذه لم أقف على اسمها كانت مقيمة بفحص "البلوط"[4] بلدهم من خيرات النساء فاضلة متعبدة في مسجد لها لصق بيتها يقصدها عجائز ناحيتها وصوالح نسائها للذكر والتفقه في الدين ودراسة سير العابدين فكان لها ببلدها شأن كبير[5] " ولا غرابة في ذلك ففضائل قرطبة ومناقب خلفائها أشهر من أن تذكر وهم أعلام البلاد وأعيان الناس اشتهروا بصحة المذهب وطيب المكسب وحسن الزي وعلو الهمة وجميل الأخلاق وكان فيها أعلام من العلماء وسادات الفضلاء وتجارها مياسر وأحوالها واسعة"[6]. فهذه البيئة العالمية والتربوية التي نشأت فيها ساعدتها في بلوغ أهدافها ومراميها بحيث أصبحت عالمة وفقيهة مثالية متألقة حافظة للقرآن الكريم متمكنة من الحديث النبوي الشريف، والتفسير، والسيرة النبوية الشريفة متبحرة في صنوف العلوم الشرعية المتنوعة، أخذت العلم وفنون الأدب على كبار علماء عصرها. ومنهم "الإمام بقي بن مخلد وهو أبو عبد الرحمان من حفاظ المحدثين وأئمة الدين والزهاد الصالحين، رحل إلى المشرق فروى عن الأئمة وأعلام السنة منهم الإمام أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل وأبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة وجماعات أعلام يزيدون على المأتين وكتب المصنفات الكبار والمنثور الكثير"[7]. وروت كذلك "عن بقي بن مخلد[8] وسمعت منه وقرأت عليه كتاب الدهور وحضر ذلك ابنه أبو القاسم أحمد بن بقي"[9]. شهد لها مجموعة من العلماء بالصلاح ومنهم ابن الآبار الذي قال في حقها: "كانت امرأة صالحة زاهدة فاضلة عاقلة[10]. توفيت رحمها الله تعالى بمكة ودفنت هناك[11]. رحم الله عالمتنا الجليلة وأسكنها الله فسيح جنانه آمين والحمد لله رب العالمين. ———————————— 1. التكملة لكتاب الصلة للحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله أبي بكر القضاعي البلنسي ابن الأبار، 4/244، تحقيق الدكتور عبد السلام الهراس دار المعرفة. 2. نفس المصدر ونفس الصفحة. 3. قرطبة مدينة وعاصمة مقاطعة قرطبة التابعة لمنطقة أندلوسيا في جنوب إسبانيا وتقع على ضفة نهر الوادي الكبير، على دائرة عرض (38ْ) شمال خط الاستواء اشتهرت أيام الحكم الإسلامي لإسبانيا حيث كانت عاصمة الدولة الأموية هناك. من أهم معالمها مسجد قرطبة. 4. فحص البلوط بالأندلس بينه وبين قرطبة مرحلتان أو ثلاثة ومن هذا الفحص جبل البرانس وإلى فحص البلوط ينسب القاضي أبو الحكم منذر بن سعيد البلوطي أنظر "الروض المعطار في خبر الأقطار" لمحمد بن عبد المنعم الحميري، ص: 435-436- تحقيق الدكتور إحسان عباس ط، 1 1975 مكتبة لبنان. 5. التكملة لكتاب الصلة للحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله أبي بكر القضاعي البلنسي ابن الأبار، 4/244، تحقيق الدكتور عبد السلام الهراس دار المعرفة. 6. الروض المعطار في خبر الأقطار لمحمد بن عبد المنعم الحميري (1/546-547). تحقيق الدكتور إحسان عباس ط، 1 1975 مكتبة لبنان. 7. بغية الملتمس في تاريخ رجال أهل الأندلس لأحمد بن يحيى بن أحمد بن عميرة الضبي، ص: 245- دار الكتاب العربي، أنظر ترجمته في كتاب الصلة (2/116-117) ونفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدين بن الخطيب، (2/253) حققه ووضع فهارسه الأستاذ يوسف الشيخ محمد البقاعي ط1 1406 ه/1986. 8. أحمد بن يزيد بن محمد بن مخلد بن بقي قاضي الجماعة بقرطبة الإمام الفقيه المحدث العالم القاضي العدل ولد في ذي القعدة سنة 537ه، وتوفي سنة 695ه" أنظر ترجمته في كتاب التكملة لكتاب الصلة، (4/244). 9. شجرة النور الزكية في طبقات المالكية للشيخ محمد بن محمد مخلوف، 179-دار الفكر للطباعة والنشر. 10. التكملة لكتاب الصلة للحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله أبي بكر القضاعي البلنسي ابن الأبار، 4/244، تحقيق الدكتور عبد السلام الهراس دار المعرفة. 11. التكملة لكتاب الصلة للحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الله أبي بكر القضاعي البلنسي ابن الأبار، 4/244، تحقيق الدكتور عبد السلام الهراس دار المعرفة.