أضع بين يديك أيها القارئ الكريم في هذا العدد من جريدة ميثاق الرابطة صورة نموذجية مثالية أخرى لسيدة رائدة في مجالات عديدة من مجالات الحياة العلمية والاجتماعية عالية الهمة ذاع صيتها في قضايا الطب والتفقه في أسرار الأدوية والعقاقير إنها السيدة عائشة الطبيبة البارعة والصيدلانية الحكيمة ابنة الشيخ الكاتب الوجيه أبي عبد الله بن الجبار المحتسب بسبتة.. التي كانت وفاتها بسبتة أواخر القرن 14م. ظهرت هذه السيدة الحكيمة في عصر المرينين وهو العصر الذي يعد من أنصع العصور التي ترعرعت فيه مختلف العلوم الشرعية والعلمية والطبية والفلكية وعلم الكلام.. "فالحركة العلمية -في هذا العصر- قد بقيت في نشاطها وتقدمها كما كانت على عهد الموحدين، وإن كان قد اعتراها في فترة الانقلاب بطبيعة الحال شيء من شبه انقطاع أو فتور فإنها بعد أن انتصبت الدولة المرينية وتشيدت أركانها قد عادت فاسترجعت ما كان لها قبل من القوة والظهور.."[1] فانفجرت بذلك صنوف متعددة من العلوم، واهتم الأمراء والخلفاء بعلم الطب كثيرا وأولوه عناية خاصة وخاصة الخليفة يوسف بن عبد المومن.. ومن تم أصبح لعلم الطب في هذا العصر المزدهر صولة ومكانة عالية مرموقة. وفي ظل هذه الأجواء العلمية المتاحة والمتميزة نبغت العالمة الجليلة السيدة عائشة بنت الجيار السبتية الأصل فأدلت بدلوها في بحور العلوم وتشربت من فيضها، واتسعت دائرة معارفها فاشتغلت بعلم الطب الذي أخذته عن ذوي الاختصاص وأولته عناية خاصة، ونالت منه الحظ الوافر وأصبحت متخصصة وبارعة فيه وأصبحت حجة ومرجعا طبيا يرجع إليها كل حائر وكل باحث عن حقيقة هذا العلم المهم في الحياة.. وقد ذكرها صاحب كتاب النبوغ المغربي العلامة عبد الله كنون وعدها من بين جهابدة العلم في العصر المريني وخصها بالذكر.. بقوله: "أما في الميدان العلمي فسنترجم للطبيبة عائشة بنت الجيار مكتفين بها ونحن على يقين من أن هناك كثيرات من السيدات اللائي كن يشاركن في غير ما ذكر من ضروب المعارف.."[2]. فقد قرأت الطب على صهرها الشيخ الشهير أبي عبد الله الشريسي ونبغت فيه[3] وفي هذا المضمار يقول عنها مؤلف كتاب بلغة الأمنية ومقصد اللبيب فيمن كان بسبتة في الدولة المرينية في مدرس وأستاذ وطبيب " أدركتها رحمة الله عليها وقد بلغت من السن سبعين سنة وكانت امرأة عاقلة عالية الهمة نزيهة النفس معروفة القدر لمكان بيتها لها تقدم بالطبع وجزالة في الكلام عارفة بالطب والعقاقير وما يرجع إلى ذلك بصيرة بالماء وعلامته وتأثل لها بطريقتها صيت شيده الأمراء فطالما كانوا يجيزونها بالهدايا والتحف وغيرها لأجل ما خبروه من حرفتها وكانت لها رباع تستغلها ولم تزل سيدة محفوظة المنصب إلى أن توفيت بعد أن عهدت بتوقيف رباعها في سبيل البر ووجوه الخير..[4] رحمها الله تعالى ونفعها بما نفعت به العباد. ——————————————————— 1. " النبوغ المغربي في الأدب العربي"، عبد الله كنون، ج: 1-3، الطبعة الثانية دار الثقافة ص: 188. 2. النبوغ المغربي في الأدب العربي"، عبد الله كنون، ج: 1-3، الطبعة الثانية دار الثقافة ص: 203. 3. نفس المصدر، الصفحة: 215. 4. " بلغة الأمنية ومقصد اللبيب فيمن كان بسبتة في الدولة المرينية من مدرس وأستاذ وأديب" مؤلف مجهول، (إلا انه من رجال القرن التاسع الهجري، وتوفي بعد سنة 820ه تحقيق: عبد الوهاب ابن منصور، المطبعة الملكية – الرباط،1984م.