من المنافسة إلى الانقسام بقي قاسم الخصاصي بعد وفاة شيخه ابن معن في ثالث جمادى الثانية (سنة 1062 ه/1652م)، يتردد إلى زاويته مع من بقي بها، غير متميز عنهم بشيء نحو العامين، حتى إذا لاحت عليه مخايل الخصوصية، والخلافة تصدر للتربية والتلقين[1]. وقد تبعه جماعة من فضلاء أصحاب شيخه وغيرهم ممن أراد أن يسلك بهم في التصوف طريقه، وانحاشوا إليه، بينما انفض عنه أكثر الناس، تجسيدا لإشارة ابن معن عندما ميز في أتباعه بين "أهل الظواهر الخالية من الأحوال الربانية.. "، أو أهل الهيئات، من جهة، وبين أهل "البواطن والجذب والأحوال.. " من جهة أخرى وبينما وجد منه "ذوو الأحوال" فتحا على يده ومزيد مدد[2]، اعترض الآخرون بقيادة صاحب لهم[3]، وأنكروا عليه "أشياء بلغتهم عنه"، بعضها جعله أنصاره "أكاذيب ملفقة"[4]. ترتبط ولاشك بمعارضتهم استئثاره بالخلافة دونهم وبعضها اعتراض وإنكار على حاله[5]، وأسلوبه التربوي في الزاوية. هذا وقد أفصح صاحب المقصد عن بعض تلك المآخذ، قائلا: "لما وضح أمره وتبينت خلافته، وظهرت رتبته ومكانته تبعه جماعة من أصحاب سيدي محمد [بن معن].. وحمى بالزاوية ذكر الجلالة بعد أحزاب الغداة، وتتابعت حمايته، فكان يطول بهم المقام في ذلك غلبة، فلا يستطيع ذوو الغلبة منهم أن يمسك نفسه عن الذكر إلا أن يقطع عليه، وربما يتمادى بهم الحال إلى الزوال أو قربه وتصدر منهم صيحات. فنقم عليهم بعض من لا معرفة له بحالهم ممن شارك سيدي قاسما في معرفة سيدي امحمد بن عبد الله [ بن معن]، قائلا: لم يكن هذا الصياح زمن سيدي أمحمد [بن معن].. وبقوا يتكلمون في شأنه وشأن أصحابه.."[6]. وإذا كانت المصادر لا تشير إلى تورط عبد القادر الفاسي، شيخ زاوية عبد الرحمن الفاسي بالقلقليين، في حملة النكير، فقد أفادتنا بعض النصوص ضلوع مشاهير طلبته فيها[7]. "منهم العربي بردلة قاضي الوقت ومفتيه، والنحوي عبد السلام جسوس.. " [8]، حتى إنهم "كتبوا مكتوبا وأرسلوه إلى أهل زاوية سيدي امحمد بن عبد الله [بن معن]، وفيه خطاب لسيدي أمحمد بن عبد الله وهو ميت، ولو كان باقيا حيا حشاه من أن يوصف أويخاطب بذلك"[9]، باعتباره المسئول عن استخلاف قاسم الخصاصي في زاويته. في المقابل ".. أدركت سيدي المهدي الفاسي [صاحب ممتع الأسماع.. ] نورانية الانتصار للحق فألف كتابا [سماه]: الرصاصة المطفية في الذب عن أهل الخفية، يرد فيه على خصوم شيخه الأول أمحمد بن عبد الله بن معن وشيخه الثاني قاسم الخصاصي"[10]. و"لما كتب سيدي المهدي هذا التأليف المذكور، وقع كلام أدى إلى انفصال بين أولاد [أبي المحاسن] يوسف الفاسي، فصاروا فرقتين: أولاد سيدي عبد القادر بن علي بن يوسف فرقة، وما بقي من أولاد [أبي المحاسن] سيدي يوسف فرقة، متفرقين بين أهل المخفية وأهل القلقليين"[11]، أو قل بين أهل "الظاهر" و "أهل الأحوال والغيبة". وبينما تشبث الشيخ عبد القادر الفاسي وأولاده بفلسفة أهل الظواهر في التصوف، تشبت الفريق الثاني بالطريقة الفاسية- المجذوبية، وكان من أبرز رجالات الفريق الثاني، بعد الشيخ الخصاصي، العلامة الصوفي الكبير محمد المهدي الفاسي، صاحب ممتع الأسماع، وقد استمر هذا الانقسام في الرأي بين أفراد العائلة الفاسية، وأتباع طريقتهم، كما ظلت زواياهم مستقلة عن بعضها، إلى ما بعد وفاة زعيم تيار أهل الغيبة، الشيخ قاسم الخصاصي في شهر رمضان من (عام 1083ه/29 دجنبر 1672م)، ووفاة زعيم أهل الظواهر، الشيخ عبد القادر الفاسي يوم ثامن رمضان (عام 1091ه/1680م). بل بلغ التنافر حدة، عندما تبنى أتباع أهل الغيبة التجريد المطلق، مع ظهور الطريقة الدرقاوية. وتلك مرحلة أخرى، لها قصتها الخاصة في النزاع حول الزعامة، في العائلة الفاسية، وفي طائفتها الصوفية. ——————————- 1. م. بن عيشون الشراط، الروض.. مصدر سابق، ص: 200، عبد السلام القادري، المقصد.. مصدر سابق، ص: 271-272. 2. عبد السلام القادري، المقصد.. مصدر سابق، ص: 42. 3. المصدر نفسه، ص: 43. 4. المصدر نفسه، ص: 42-43. 5. م. بن الطيب القادري، نشر المثاني.. مصدر سابق، ج: 3، ص: 82. 6. م. بن عيشون الشراط، الروض.. مصدر سابق، ص: 201. عبد السلام القادري، المقصد.. مصدر سابق، ص: 272. 7. م. بن الطيب القادري، نشر المثاني.. مصدر سابق، ج: 3، ص: 82. 8. المصدر نفسه، ج: 3، ص: 82، طرة بهامش 6. 9. المصدر نفسه، ج: 3، ص: 82. راجع أيضا: طرة بهامش 6 من الصفحة نفسه. 10. المصدر نفسه، ج: 3، ص: 81-82. 11. المصدر نفسه، ج: 3، ص: 82، طرة بهامش 6.