القلوب محط أنظار الباري العليم الحكيم جل وعلا، وهي مسكن النيات التي بها تقوم الأعمال، قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ، وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ، وَأَعْمَالِكُم" [صحيح مسلم، 4658]، وقال صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات" [صحيح البخاري، حديث رقم: 1]، وبصلاح القلب يصلح الإنسان وبفساده يفسد، قال عليه الصلاة والسلام: "ألا إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلُحَتْ صَلُحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإنْ فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ" [السنن الكبرى للبيهقي، رقم الحديث 9639]. والزهد من سمات القلب السليم الذي أنيط به الفلاح لأهل الفلاح في قوله تعالى: "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من اَتى الله بقلب سليم" [سورة الشعراء، الآية:8889]. والزهد في الشيء الرغبة عنه والرضى منه بالقليل الزهيد، ويكون القلب زاهدا إذا كان راغبا عن الدنيا إلا ما ازدلف به إلى الله والدار الآخرة. وفي هذه الحكمة المباركة يبين الشيخ بن عطاء الله السكندري رضي الله عنه معنى جليلا مفاده، أن العمل إنما يكون بمحتده، أي القلب الذي تبرعمت فيه نيته، فإذا كان هذا القلب زاهدا نفع العمل وإن قلّ، وإن كان القلب راغبا مستشرفا إلى ظهور أو رياسة، أو رضى الخلق وإن عارض رضى الخالق؛ فإن هذا العمل وإن كثر فإنه يكون غير نافع، وهو قوله رضي الله عنه: "ما قل عمل برز من قلب زاهد"، حيث إن القلب الزاهد، تتوحد قبلته ويصبح متحققا بمعنى الإخلاص، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "أخلص دينك ينفعك من العمل القليل" [المستدرك على الصحيحين، رقم الحديث، 7929]. وأما القلب الراغب الذي تتعدد قبلاته؛ فإن العمل وإن كثر مظهرا فإنه دون القليل مخبرا، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْه" [صحيح البخاري، حديث رقم 1]، وهو ما رام الشيخ بن عطاء الله رحمه الله إبرازه بقوله: "ولا كثر عمل برز من قلب راغب" أي مستشرف لظهور أو رياسة أو غيرهما. والله المستعان. الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء