إبراهيم أزوغ : باحث في الأدب والثقافة بالمغرب في طبعة أنيقة، وترجمة علمية دقيقة؛ نقل المترجم العربي السوري محمود منقذ الهاشمي إلى العربية كتاب الأحلام، للمعلم الثاني في التحليل النفسي كارل كوستاف يونغ، وقدم له بمقدمة نقدية أكاديمية تعرض تصورات كارل يونغ في التحليل النفسي، وتحديدا في دراسة وتفسير الأحلام، التي صاغها في عدد من كتاباته ومحاضراته بعد انفصاله عن وأستاذه سيجدموند فرويد. تتأتى أهمية هذا الكتاب من كون المكتبة العربية لا زالت إلى اليوم تفتقر إلى الكتب النظرية والعملية في التحليل النفسي، رغم ما عرفه هذا العلم من ذيوع وشهرة في كل أقطار العالم، وامتداد معرفي بحثي بآلياته لمختلف مجالات الحياة والثقافة والأفعال الإنسانية، وتتمثل أهميته كذلك من كون كاتبه -كارل يونغ- أحد أبرز العلماء الذين وضعوا أسس ممارسة التحليل النفسي وساهموا في تطويرها وجعلوا لها مدارس واتجاهات. يقدم الكتاب لقارئه أهم ما كتبه عالم النفس السويسري كارل كوستاف يونغ حول الأحلام ودراستها تنظيرا وتحليلا قبل وبعد انفصاله عن فرويد، وقد قسم يونغ كتابه الأحلام إلى أقسام أربعة، يشمل كل قسم من الكتاب فصولا تزاوج بين الدراسة النظرية للحلم، وتفسيره. يهتم القسم الأول منها بتمهيد القارئ وعبر تقنية الفقرات المرقمة المعتمدة في مجموع أقسام الكتاب وفصوله، ووفق منهج التدرج في عرض الأفكار وبناء التصور، يقدم تعريفا وتحديدا للأحلام باعتبارها موضوعا للتحليل النفسي؛ وينفرد الفصل الأول منه بتحليل الأحلام بالطريقة التي وضعها فرويد مضيفا عليها بعض التعديل كاستبداله تقنية التداعي الحر الفرويدية، بالتداعي المقيد، غير أنه وبالرغم من إضافاته فالواضح من قراءة الفصل أن يونغ وفي هذا الفصل تحديدا لا زال بلغة المترجم "فرويديا خالصا"(المقدمة ص8)، فيما خصص القسم الثاني لتبيان علاقة الأحلام بالطاقة النفسية أما الثالث فيبحث الفائدة العملية من تحليل الأحلام ويجعل من القسم الرابع من الكتاب بحثا في الرمزية الحلمية الفردية في علاقتها بالخمياء، ويعتبر هذا القسم أوضح وأهم أبحاث الكتاب وأكثرها تفصيلا ونسقية، ويمتد ليشمل أكثر من نصف صفحات الكتاب وقد مهد له بتحديد مادته وخطوات فصوله ومنهجه المعتمد في دراسة الأحلام، وبحث تجليات الرمزية فيها. إن كتاب الأحلام ليونغ يؤسس لمفاهيم وتصورات وآليات أخرى تحاول أن تتجاوز ما قدمه فرويد، معلنة اختلافها معها في المنطلقات والنتائج، في محاولة لأن تنحت لنفسها نسقا ومنظورا مغايرا لما كان سائدا في دراسات صدرت قبلها ونمثل لأهم الأفكار التي يقدمها هذا الكتاب لدراسة الأحلام في الفقرة التالية. يعتبر يونغ، خلافا لفرويد، ولتصوراته الأولى حول الأحلام أن هذه الأخيرة ليست جميعها تعبيرا أو تحقيقا لرغبات الفرد، ولا هي نتيجة كبته لها، وإنما الأحلام قد تعبر كذلك عن الرؤى والأحكام والتوجيهات (ص72)، ويقول يونغ في هذا المعنى "إن تفسير الأحلام على أنها تحقيق للرغبات (...) أضيق من أن تنصف الطبيعة الأساسية للأحلام"(ص103) يستتبع هذا القول –بحسب يونغ- عدم قدرة الفرد على تحديد بنية الحلم وكشف معناه وفق قوانين محددة ومتبعة باستثناء الأحلام النموذجية كأحلام الكوابيس والقلق والموضوعات الحلمية النموذجية كالطيران وتسلق السلالم والجبال وفقدان الأسنان...(ص112)، أما أهم المفاهيم التي أضافها يونغ في هذا الكتاب فحديثه عن الوظيفة الاستقبالية للأحلام، دون إنكار للوظيفة التعويضية لها والتي تحدث عنها فرويد قبله (ص80)، وفي وصف شكل الأحلام اقترح يونغ مراحل أربع لوصفه؛ مرحلة العرض ثم مرحلة تطور الحبكة الحلمية؛ فمرحلة التناهي أو المنعطف المفاجئ للأحداث في الحلم وانتهاء إلى المرحلة الرابعة والأخيرة التي سماها بمرحلة الانحلال التي قد تنعدم في بعض الأحلام (ص124). إن هذه الورقة التي نريدها أن تجتذب وتأسر المهتم والباحث المتخصص في التحليل النفسي وتدفعه إلى قراءة الكتاب، لا تغني غير المتخصص من قراءة الكتاب ولا تقدم له ما يمكن أن يظفر به من قراءته للكتاب؛ من أفكار وتقنيات ومفاهيم مُوجِهة في فهم الأحلام وتحليلها في ضوء علم النفس التحليلي ليونغ، فالكتاب يمثل وثيقة علمية نظرية وعملية حول الأحلام، تعرف الباحث على مسار يونغ العلمي /المعرفي وما بذله من جهد في تطوير نظرية تفسير الأحلام والانتقال بها من علم التحليل النفسي لدى فرويد إلى ما أطلق عليه هو بعلم النفس التحليلي، مرفقة بشروح وتحليلات نصية وتوصيفات ورسومات ولوحات تشكيلية تقرب الباحث من فهم نظريته في الأحلام وتأويلها.