قصيدة النثر الشبابية بالمغرب ورهانها الشعري: حالة ( بوهيميا ) المسائية الثقافية إن العنوان الذي اختير لهذه المجموعة الشعرية الأولى للشاعر (مصطفى الرادقي) لا يبئر دلالة. ولا ينطرح كانخطاف تعبيري يسجل لحظة الدفقة الانزياحية في مجال التصوير الشعري، وإنما هو عنوان يحيل على مفهوم مخصوص ، على فلسفة في الحياة أو هي رؤية إلى العالم. أو لعله يحيل على حركة في التاريخ تسمي نفسها بتيار البوهيمية. وهو يعتبر كذلك لأنه لا يحيل على انتساب إلى صيغة التأنيث، كما أنه ليس نعتا لمنعوت مؤنث. وإنما هو مفهوم هكذا ( بوهيميا : Bohémie). وتبقى البوهيميا في أحد إرهاصاتها الدلالية مرتبطة بالفوضى والعبث واللامعقول من أجل تأسيس خطاب يؤمن أيضا بالمنطق والنظام وبجدوى الحياة داخل نسق خاص، من ثم فإن هذه التأثيثات الوجودية المترجمة غالبا بالجسد المختلف من حيث علاماته عن باقي الأجساد المتشحة بما هو غفل وعادي، تصبح القصيدة استبدالا في فوضاها – باعتبارها ترجمة لفوضى الفكر والرؤية - للجسد في فوضاه. ومن هنا تنوجد هذه المجموعة مشروطة بهذه الفلسفة المتاخمة للعنف والشطح والإرباك والاستفزاز في مجال عناصرها الشعرية التي تحتمي بها، كي تقتطع حيزا لها في خارطة مسار القصيدة العربية من جهة، وكي تربك وتطوح بالتلقيات الكسولة لدى ذائقة أدمنت قراءة نصوص جاهزة في شعرنتها - Sa Poétisation – للعالم. من ثم فإن العنوان يشد المجموعة إلى شجرة الأنساب المخصوصة على الاتجاهات السوريالية والدادائية وغيرها من الكتابات المجنونة سواء في تصورها للعالم، أو في تصوراتها للعناصر المسهمة في إنتاج شعرية الشعر. يعتبر الإهداء جامعا، فهو لا يستثني بوهيميا، وإنما هو مهدى إلى كل بوهيمي بالإطلاق. بالنظر إلى المسألة من زاويتها الزمنية في الماضي والحاضر. حيث يكون الأول محكوما بلفظ ( التاريخ )، والثاني بلفظ (الأرض). وهو ما يعني بصيغة أخرى تخصيص / إطلاق المشروع على البوهيميا باعتبارها خطابا مكتوبا، ذلك أن الذاكرة تنسى، وقد تخضع للتطريس عبر عملية التسجيل والمحو وتتابع الإضافات. إنه كل ما تم إنتاجه في مجال البوهيميا وما يحفظه التاريخ بهذا الخصوص. كما أنه يستهدف من وراء مشروعه البوهيميا كممارسة، لكي يبقى الاحتمال واردا في كون البوهيميا من بين الظواهر الاجتماعية التي يتداخل فيها السلوك والممارسة بالتصور أو بالبعد الفلسفي، أو ما يمكن تسميته بوجهة النظر. الشيء الذي يعني أن البوهيميا كخطاب هي تتويج أو نتيجة لمسار حياتي. تحتل القصيدة التي توازي عنوان الديوان المرتبة السادسة، أو بالأحرى فالعنوان على وجه الغلاف هو الذي يوازيها. لأن الأمر يتعلق بأولوية الأصل على الفرع. في الصفحة التي تحمل الإهداء – دائما – هناك إشارة يمكن أن نستفيد منها اعتبار الشاعر القصيدة جسدا، وذلك عبر قياس حالة الجسد البوهيمي من خلال مسلكياته وتأثيثه للوجود بما هو مختلف ومستفز وغير عادي، على القصيدة التي تبوهمت؛ أي مارست حالة بوهيمية في فضاءات توصف بالتعدد، والتي تجمع بين شمال إفريقيا وآسيا وأوروبا... ولعل اختيار هذه الفضاءات مقصود من حيث إحالتها على حالات تنتج نفس الحالة التي ينشد إليها الشاعر كمرجعية لأجل إقرار منتوج شعري موسوم ب(بوهيميا)، أو لعلها في أحد دلالاتها القريبة تود التوكيد على أن ذات الشاعر شأن القصيدة يوجدان في حالة تسكع كترجمة حقيقية للانتماء إلى البوهيميا. مادام التسكع من بين الدلالات التي تؤثث السماء الفكرية والسيكولوجية لهذا الاتجاه.. إنها فضاءات متعددة تستحضر عوالم المغرب.. فرنسا، البرتغال، تونس، سويسرا، تركيا، ألمانيا، هولندا، بلجيكا ثم مالطا. وإذا كان قد افتتح إهداءه بالإطلاق، فإنه سيخصصه على رأس صفحة كل قصيدة؛ بحيث تنوعت الأسماء وتعددت واختلفت مراكزها الثقافية بالنظر إلى منبرها الإبداعي عامة، والذي يجمع بين الشعري والسردي والتشكيلي والنقدي.. بالإضافة إلى المرجعيات الثقافية الباذخة في أبعادها الأنتربولوجية كمنجز في السلوكات اليومية عبر أجساد تبوهمت فتعالقت فواعلها عند حدود هذه النقطة. وسنحاول استحضار هذه الأسماء/ الأعلام بالنظر إلى ترتيبها في الديوان: أدونيس. Marcouls . بليزساندرايس . إيتيل عدنان . جاك بريل. علي الدوعاجي . حسونة المصباحي. محمد شكري. مبارك وساط. العربي اصليط. بوجمعة لخضر. مبارك الراجي. ناظم حكمت. محمد خير الدين. منعم الفقير. فان غوغ ثم بنعيسى بوحمالة. وكيفما كانت الحال فإن هذه الأسماء تعتبر باذخة في عطائها بالنظر إلى المجال الذي تشتغل فيه؛ إنها منارات هادية / مضلة في مجالها المخصوص المشتعَل اكتواء وتوهجا لأجل صناعة المختلف والأكثر ثراء.. إلا أن ما تختلف فيه هو صيتها؛ فهناك من يعتبر منها محليا في مجال الشعر والتشكيل خاصة، ومنها ما يعتبر وطنيا بالنظر إلى الأسماء اللامعة في مجال الإبداع الشعري كمبارك وساط والنقدي كبنعيسى بوحمالة... وهي أسماء ذاع صيتها لتصبح معروفة ومقروءة على المستوى العربي.. كما أن منها ما هو معولم في مجال التشكيل – فان غوغ – والسرد – محمد شكري - والسياسة – ناظم حكمت – إلى غيرها من الأسماء التي تبقى ذات وزن أكبر في مجال اشتغالها وفي مجال الاصطلاء بنارها / بنورها حينما يتخذها الشاعر (مصطفى الرادقي) مرجعا شعريا أو ريبيرتوارا فكريا. تشتغل قصيدة (بوهيميا) على فضاءات فرنسية بامتياز، باعتبارها فضاءات تلتحم ذاكرتها لترسل علامات باذخة فيما هو بصري – Visuel – يتمثل في (نهر السين)، وأيضا فيما هو تاريخي – حربي: (روبيسبيير)، وفيما هو أدبي مختزل في الخطاب السردي الممهور بنسوغات مشذرة – Fragmenté – في تجربة كتابة جون جنيه (Jean Jenet). ثم أيضا فيما يرتبط بفضاءات الروح الممهورة هي الأخرى بطقوس الراح. في إطار عملية الاستبدال المؤكدة لحضور كل منهما بالنظر إلى الآخر. فالأمر لا يتعلق بقلب اشتقاقي وإنما بحالة انوجاد، لتبقى الروح راحا. والراح روحا. يتم تنصيص (نهر السين) من خلال رمزية الصيني المترعة على فلسفة الشرق الممهورة هي الأخرى بقوة الاستبطان والانشداد أكثر إلى الأصول في إطار عمليات متاخمة للروح وللبذخ المرجعي للتراث في أفق انفتاحه على الزمن والمكان، وذلك بالإحالة على الصيني الذي يؤثث العالم باقتدار الوقار وتدبير الحركة المضفية على الفضاء طقس القدسية والطهر. مع التأكيد هنا على القدامة التي تعطي للجملة شحنة الجمع بين صفات يتميز بها الصيني ملحقة بصفات يتميز بها نهر السين. فكلاهما علامة باذخة تؤسس للبلاغة والحياة والقدرة على تعطيل الاهتمام بغيره إلى درجة الإحساس بالدهشة. حيث النفس في غلالة من الصمت والسكينة. يتأكد هذا خصوصا إذا ألمحنا إلى دلالة لفظ (الفلاح) من خلال ارتباطه بالأرض التي تظل في علاقة جدلية بالماء، وهو العنصر الذي يحوزه نهر السين. فهو لم يشبه هذا النهر بالصيني بالإطلاق، وإنما بالفلاح الصيني. كإشارة ضمنية إلى عنصر العشق والارتباط الوجداني بالأرض، فالفلاح لا يؤسس علاقة نفعية بالأرض، خصوصا من طينة فلاح تؤطره فلسفة الشرق الغارقة في الروحانيات، وإنما علاقة سيكولوجية. لتطال هذه الدلالة الفلاح الصيني بأرضه، وتنطلي، بالتالي، على الرائي/ الشاعر لنهر السين. ولتكون ذات الشاعر هي المعادل الرمزي لأرض الفلاح الصيني حيث تم اكتشاف الذات بفضل النهر عبر استغوارها وتحريك عشقها للوجود واستقطار الفتنة واللذة التي تصل إلى الوله والتعلق العشقي بعناصر الوجود بما فيها نهر السين. وتظل دلالة (الوقار) هي التي تختزل النهر في جانبه الهادئ والمفعم بروح السكينة عوض الإشارة إلى دلالة الغضب وإنتاج نقمة الطبيعة. وذلك في أفق البحث عن معادل لهذه الدلالة في الإشارة إلى الصخب والفوضى التي تكتنف الوجود، وكأننا في الواقع بالشاعر يحتمي بروح رومانسية دافئة تسري في جسد القصيدة. قد تترجم أكثر عبر الاحتكام إلى لفظ الأردية كخاصية إنسانية تتعلق بما هو طبيعي كما تنتسب إليه، وأيضا كانشداد إلى لغة السياب المنتج لخطاب رومانسي – واقعي في لغة خطاب (بور سعيد) الذي تستعاد منه لفظة (الأردية) لا للحديث عن العراق، وإنما للحديث عن فضاء أوروبي هو تحديدا (نهر السين) بفرنسا. وكأن هذا النهر هو عراق أو عرق روح الشاعر الذي به نبض فتنة ورعشة إلى هذا الوجود. وفي الواقع فإن الجملة الأولى والثانية والثالثة من القصيدة تذكرنا بلوحة تشكيلية شهيرة لفان غوغ يستوحي فيها خيال الغروب المترع على لجين السنابل؛ فدلالة الأرض واللون والكتابة/ الإبداع تظل قواسم مشتركة بين العملين، الشيء الذي يؤكد انشغال الشاعر بلغة الشعراء – السياب – وبصور وخيالات التشكيليين كفان غوغ هنا، ليكون التفاعل على مستوى الروح والمترجم بالتزوبع. في عملية توصيف طبيعة الجملة التي تتأسس عليها القصيدة، نلاحظ بأنها تحتمي بما هو فعلي في صيغة المضارع لما لذلك من دلالة في مسألة التأويل المتاخمة لدلالة التكرار والعود والاستمرار واللاانقطاع، أو لنقل الحركة والتحول كإشارة واضحة إلى أن علاقة ذات الشاعر بالمكان الموصوف والمبأر هنا في (نهر السين) ليست منقضية. وإنما هي تاريخية تعرف ديمومتها مع استمرار الذات في الوجود وفي الحياة. الشيء الذي يؤشر، مرة أخرى، على الحالة السيكولوجية التي تتعدى المكان لتنسج علاقات قربى مع الزمن. كان عدد هذه الجمل هو سبعة (7)، وإن كانت أحيانا تبتدئ بما هو إسمي، فإنها تتوج تركيبها أو تمر عبر ما هو فعلي مخصص على البنية الزمنية المضارعية. وسنعمل على رصد هذه الأفعال كما هي واردة في القصيدة (يغفو، تدثره، تؤنسه، تزوبع، أعرفهم، يأتيني)، كما أن هناك بنية زمنية فعلية ماضوية ممثلة في ثلاثة أفعال هي (مرت، مشت، بت) لكن سياقها لا يشير إلى الانقضاء، وإنما إلى التحول والحضور وملء الوجود، فلا يهم زمن مرور جياد (روبيسبير) وإنما استعادة الإنصات لوقع حوافر الخيل في هذا المكان الذي لا ينقضي أبدا. والذي لا نسمعه بالآذان وإنما بالروح وبالكيان. لجلال الموقف المؤشر على مرحلة تاريخية ترتبط بفرنسا كإمبراطورية، كما أن (بت) من خلال ارتباطها ب(أعرفهم) تعانق دلالة الانفتاح باستمرار المعرفة، والتوكيد عليها من خلال طريقة تركيب الجملة.. وعليه فإن الرهانات التي يقوم عليها المنجز الشعري (بوهيميا) لمصطفى الرادقي كبيرة جدا، وفسحتها المرجعية أغور، يتم العمل على تكثيفها، وصياغة جمل شعرية مخزنة وأكثر اكتنازا، فيها الاحتماء بمرجعيات شعرية / فكرية مختلفة منها المحلي والعالمي، وبمرجعيات تشكيلية منها المضمن في ثنايا المتن الشعري، ومنها المصرح به، إذ ليس عبثا أن يتم تزيين غلاف الديوان بلوحة للرسام البلجيكي (René Magarite). إنه اختيار يفيسف الديوان ليجعل من كل أصواته ذات شجرة سلالية موحدة في الأفق والمنبت.
عود على بدء أو بدء على ختام : مبدأ المفارقة في لوحة (ما غريت ) : تمنحنا اللوحة ،للتو، شخصا في كامل تجليه الحضاري/ المديني :حيث الأناقة والانسجام في بذخ الانتماء الاجتماعي أو الانتماء المؤسسي وسلطة ربطة العنق الممتدة في عوالم إمكانية تحقيق التواصل وفي حالة هجينة يتراكب الطير مع الوجه.، إذ هناك عنصر طبيعي يحجب الإنساني /الثقافي أعني به الطائر الأبيض الحاجب للوجه : وكأنها لعبة معطاة : إظهار /إخفاء. وضوح/تقنع. لكن هل هو طائر السيمورغ؟هل نعد تلبس هذه المفارقة رغبة في الإعلان على أن الذات الشاعرة تركب" منظورية" ما غريت للإعلان عن رغبة في إدارة الظهر للمدنية والعيش في كنف البساطة و شظف العيش من خلال الاحتماء بما هو طبيعي كما هو الأمر مع الغجر- Les bohémiens -الذين رحلوا من المدينة في اتجاه الفيافي حيث لا حياة ولكن بإرادتهم وسموهم من حيث التمسك بمبدأ الترحال يجعلون الحجر ينز ماء والفيافي تزهر؟ لا يمكن الحسم في شيء، فقط التكهن بإمكانيات دلالية نرصدها على شكل استنتاجين: استنتاج 1 : يتأسس ״منطق الطير״ لفريد الدين العطار على مبدأين متناقضين لكن يكمل أحدهما الآخر.، أقصد التضاد والوحدة حيث الجني هو الأمير والأمير هو الجني والسيمورغ هو الطيور الثلاثون والطيور الثلاثون هي السيمورغ ،كلاهما يخفي الآخر ويحوزه تماما كحيازة الثقافي للطبيعي والعكس صحيح في لوحة ( ماغريت). هكذا فالعالم لا يوجد خارج الذات ،إنما هو موجود فيها للعمل على محو الثنائية لصالح الوحدة،حيث يصبح الخارج هو العمق والعكس صحيح . استنتاج 2 : إن ( ماغريت) لا يعبر عن فكرة جاهزة وإنما عن تمثل ذاتي لموضوع ما. بتعبير آخر هولا يحيل على مرجع خارجي معطى بشكل موضوعي إنما يطرح تصورا خاصا، منظورا خاصا للعالم المنقول إلى المتن الخاص.، إذ من غير المعقول أن نجد وجها آدميا مقنعا بطائر. وجها ممعنا في انتمائه إلى الحضارة في بذخ تمثل المؤسسة والإستجابة لترتيباتها و" تقميشاتها "يتلفع بعنصر يتصل بالطبيعة في حالة عري .إنها الطبيعة حينما لم تخضع لكيمياء تحويلية بل الطبيعة هكذا. الشيء الذي يجعل رمزية الطائر هنا تنفلت من الإعتياد لتلبس لبوسا سياقية جديدة هي هذا التنافر الغريب واللذيذ في الآن نفسه وكأن الاحترافية مع الفنان تمنح اللوحة الإحساس بالألفة كما تقتل الإحساس بالاغتراب. وفي هذا التناقض بالضبط يكمن الدفء.هو هو تماما كالشاعر المتبوهم في سفر الطائر وعبره، والذي يضيع الهوية المستمدة من تقاسيم الوجه. وهو أيضا لا ينصص الواقع في جاهزيته وإنما الواقع وقد قطرته الرؤية /التجربة الذاتية في صياغات ممعنة في الاستعاري والمنبني على الجمع بين المتناقضات والخالق في الآن نفسه لكثير من الإحساس باللذة إلى درجة أن المتلقي يرغب في الخروج من متن العبارة ليعلن مرة أخرى بأنه ينوجد في القول،وأن الشاعر استطاع أن ينقل إحساسه ورغبته في تأسيس قول يتمتع بفتنته بدلا عنه. لقد سبقه الشاعر إلى ذلك لأنه لا يعرف لغة الانتظار حتى تصبح إمكاناته التعبيرية كسيحة .إنه هنا يحسها، يبلورها ثم يلقي بها خارجا كالحمم ،كالجمر يتوئم ضلوع الشاعر وذوق المتلقي في الاكتواء.ترحل العبارة جاسة مختلف المرجعيات في التاريخ والآثار والاقبية والأبهاء والبساتين والقطارات والمكتبات والحانات وأسرة المتعة العابرة والعوالم المتخيلة لمبدعين عالميين ومحليين في الشعرو السرد والرسم ...وكذلك العوالم الفكرية لمنارات إنسانية في البذل الثقافي والفكري أيضا. تسافر العبارة في ذلك مضمنة إياها في القول الشعري أحيانا و مصرحة بها في الاهداءات أحيانا أخرى تماما كما ينجزالجسد السفر بارتياد عوالم تتنشقه مسام الجسد وتنعم به الحواس في دوخة الوجود الممتلئ بعناصره والمفتتن بأنطو لوجيته. لقد جرب المبدع في ديوانه هذا״ بوهيميا ״النفس الشعري المتنوع والذي يمكن تأطيره في أربع حالات: 1- النفس القصير المتاخم للهايكو و لشعر الشذرة. 2- النفس المتوسط الذي لا يفقد النص خاصية التكتيف / الشذرة،ولا خاصية السرد عبر مراكمة الصور والحالات المنصصة من مصدر كياني – سيكولوجي. 3- النفس الطويل حيث الرغبة في إنتاج متخيل شعري منغمس في الدرامية والحلكة حتى تلابيبه وكأنها الرغبة في تمثل الشكل الملحمي المدموغ بأسطوريته والرافعة للمتخيل أعلى، والناقصة من حدة فجائعيته وغلوائها تراجيديا. 4- يبئر العنوان المرجعيات التي يدين لها الديوان الشعري في جماليته. فهو يغرف من السوريالية، كما أنه يضمن(= من التضمين) شعر بودلير وينصص - textualise - الأفق الفكري والجمالي لبوهيميته.لنكون بالنتيجة أمام بوهيميا على بوهيميا.هذا ويتكئ ثالثة على مبدأ المنظورية –pérspéctive- كما هي مطروحة في لوحات الفنان التشكيلي العالمي "روني ماغريت" حيث مساحة اللوحة لا تقيس الطول ولا العرض وإنما العمق. وهي النقطة التي توجد في عمق اللوحة وهي تقنية يمكن تسميتها مع الباحث ( جمال أردلان ) ب "الاستهراب"- mise enfuite :* . وعلى العموم فإن النص الشعري مع مصطفى الرادقي في ديوانه ( بوهيميا ) يعد عصارة لهذه التجارب بإعلانه الرفض في الرؤية والعبارة وفي التسكع .وبه فالنصوص تأوي أماكن متعددة من العالم. إن الشاعر لا يريد للكاتبة أن تكون استقرارا، وإنما يريدها ترحلا أبديا مفتوحة على أماكن العبور من شوارع وأرصفة وجسور...وبذلك يكون قد أعلن عن انتسابه إلى شجرة معرفية وجمالية متعددة و مختلفة، وكأن تجربة الذات هي جماع تجارب متعددة تتدفأ وتنير بها الطريق. *جمال اردلان : المنظورية والتمثل .مجلة ( فكر ونقد) ع 13- نوفمبر1998