كأس أمم إفريقيا لأقل من 20 سنة.. وهبي: "أشبال الأطلس" يطموحون للذهاب بعيدا في هذا العرس الكروي    تجار السمك بالجملة بميناء الحسيمة ينددون بالتهميش ويطالبون بالتحقيق في تدبير عقارات الميناء    سلطات سوريا تلتزم بحماية الدروز    مأسسة الحوار وزيادة الأجور .. مطالب تجمع النقابات عشية "عيد الشغل"    موتسيبي: اختيار لقجع قناعة راسخة    القصر الكبير.. شرطي متقاعد يضع حداً لحياته داخل منزله    بورصة الدار البيضاء تنهي تداولاتها على وقع الأخضر    نشرة إنذارية: زخات رعدية قوية ورياح عاتية مرتقبة بعدد من مناطق المملكة    الداكي يؤكد أهمية التفعيل الجيد للعقوبات البديلة لضمان نجاح العدالة الجنائية    المغرب يتلقّى دعوة لحضور القمة العربية في العراق    مأزق نظام الجزائر من الاستفتاء إلى الحكم الذاتي    تأخيرات الرحلات الجوية.. قيوح يعزو 88% من الحالات لعوامل مرتبطة بمطارات المصدر    الدولي المغربي طارق تيسودالي ضمن المرشحين لنيل جائزة أفضل لاعب في الدوري الاماراتي لشهر أبريل    الإنتاج في الصناعات التحويلية.. ارتفاع طفيف في الأسعار خلال مارس الماضي    شرطة القصر الكبير توقف "الروبيو"    المغرب يواجه حالة جوية مضطربة.. زخات رعدية وهبات رياح قوية    مُدان بسنتين نافذتين.. استئنافية طنجة تؤجل محاكمة مناهض التطبيع رضوان القسطيط    الشخصية التاريخية: رمزية نظام    فلسفة جاك مونو بين صدفة الحرية والضرورة الطبيعية    هذه كتبي .. هذه اعترافاتي    وزارة الأوقاف تحذر من الإعلانات المضللة بشأن تأشيرات الحج    مسؤول أممي: غزة في أخطر مراحل أزمتها الإنسانية والمجاعة قرار إسرائيلي    العراق ولا شيء آخر على الإطلاق    المغرب ينخرط في تحالف استراتيجي لمواجهة التغيرات المناخية    إلباييس.. المغرب زود إسبانيا ب 5 في المائة من حاجياتها في أزمة الكهرباء    الصين تعزز مكانتها في التجارة العالمية: حجم التبادل التجاري يتجاوز 43 تريليون يوان في عام 2024    تجديد المكتب المحلي للحزب بمدينة عين العودة    انطلاق حملة تحرير الملك العام وسط المدينة استعدادا لصيف سياحي منظم وآمن    الحكومة تلتزم برفع متوسط أجور موظفي القطاع العام إلى 10.100 درهم بحلول سنة 2026    كيم جونغ يأمر بتسريع التسلح النووي    العلاقة الإسبانية المغربية: تاريخ مشترك وتطلعات للمستقبل    الإمارات تحبط تمرير أسلحة للسودان    ندوة وطنية … الصين بعيون مغربية قراءات في نصوص رحلية مغربية معاصرة إلى الصين    رحلة فنية بين طنجة وغرناطة .. "كرسي الأندلس" يستعيد تجربة فورتوني    السجن النافذ لمسؤول جمعية رياضية تحرش بقاصر في الجديدة    ابن يحيى : التوجيهات السامية لجلالة الملك تضع الأسرة في قلب الإصلاحات الوطنية    نجاح دورة جديدة لكأس الغولف للصحافيين بأكادير    فيلم "البوز".. عمل فني ينتقد الشهرة الزائفة على "السوشل ميديا"    المغرب يروّج لفرص الاستثمار في الأقاليم الجنوبية خلال معرض "إنوفيشن زيرو" بلندن    تقرير: 17% فقط من الموظفين المغاربة منخرطون فعليا في أعمالهم.. و68% يبحثون عن وظائف جديدة    مارك كارني يتعهد الانتصار على واشنطن بعد فوزه في الانتخابات الكندية    مهرجان هوا بياو السينمائي يحتفي بروائع الشاشة الصينية ويكرّم ألمع النجوم    إيقاف روديغر ست مباريات وفاسكيز مباراتين وإلغاء البطاقة الحمراء لبيلينغهام    جسور النجاح: احتفاءً بقصص نجاح المغاربة الأمريكيين وإحياءً لمرور 247 عاماً على الصداقة المغربية الأمريكية    دوري أبطال أوروبا (ذهاب نصف النهاية): باريس سان جرمان يعود بفوز ثمين من ميدان أرسنال    الأهلي يقصي الهلال ويتأهل إلى نهائي كأس دوري أبطال آسيا للنخبة    مؤسسة شعيب الصديقي الدكالي تمنح جائزة عبد الرحمن الصديقي الدكالي للقدس    نجاح اشغال المؤتمر الاول للاعلام الرياضي بمراكش. .تكريم بدرالدين الإدريسي وعبد الرحمن الضريس    حقن العين بجزيئات الذهب النانوية قد ينقذ الملايين من فقدان البصر    اختبار بسيط للعين يكشف احتمالات الإصابة بانفصام الشخصية    دراسة: المضادات الحيوية تزيد مخاطر الحساسية والربو لدى الأطفال    دراسة: متلازمة التمثيل الغذائي ترفع خطر الإصابة بالخرف المبكر    اختيار نوع الولادة: حرية قرار أم ضغوط مخفية؟    التدين المزيف: حين يتحول الإيمان إلى سلعة    مصل يقتل ب40 طعنة على يد آخر قبيل صلاة الجمعة بفرنسا    كردية أشجع من دول عربية 3من3    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    قصة الخطاب القرآني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العيش على وسادة التراث لا يكفي
نشر في المسائية العربية يوم 14 - 05 - 2013

قد يقول قائل إن الظروف هي ما خولهم ذلك الامتياز فنقول إن الظروف لم تكن سوى طرف من أطراف كثيرة وأسباب شتى على رأسها استعدادهم الفطري المسبق وتأهيلهم المعرفي وخبراتهم المتراكمة وإنسانيتهم السمحة وحسهم الشمولي وما إلى ذلك من صفات تلملمت وتجمعت مثل قطرات الغيوم ومن ثم انسكبت في حنايا «الأوقيانوس» العظيم ..
إنها لا تكتسب .. إنها عطية من غيابات الماضي ...
في هذا اللقاء كان لنا شرف الحوار مع أحد أولئك الأنبياء، أنبياء الكلمة، جنسيته قلوب البشر ولا وطن... رجلٌ تلمس في حواره وتعامله معك تواضع العالم وبساطة الفيلسوف وشفافية الشاعر وعمق البحر ونبل الإنسان وعزة الأصيل.. وينطبق عليه قول النواسي في ممدوحه :
" ليس على الله بمستنكر / أن يجمع العالم في واحد "
إنه الأديب والمثقف والناقد الأستاذ الدكتور / تيسير الألوسي رئيس جامعة ابن رشد في هولندا ...
لقد قدم العرب والمسلمون في الأندلس أفضل نموذج علمي آنذاك، غمر نوره أوروبا كاملة دون استثناء، فأسست بذلك نهضتها التي تنعم بها الآن، فماذا نحاول أن نفعل الآن ونحن ننشئ الجامعات العربية والإسلامية في أوروبا وأمريكا؟
في البدء لابد من التوكيد على أهمية الدور الذي نهض به العرب في مرحلة القرون الوسطى سواء بمحافظتهم على التراث الفلسفي الإنساني أم بما قدموه من معالجات فكرية تنويرية أضاءت في سماء البشرية فنقلتها من الظلمات إلى النور.. وأشخّص هنا دور الفيلسوف ابن رشد على سبيل المثال لا الحصر، مذكرا بالجهد الأندلسي المعروف. غير أننا نعتقد بأنّ العيش على وسادة التراث تلك ومجد الماضي وما انقضى لا يكفي لنحيي مدنيتنا وقيم الحضارة الإنسانية المعاصرة ونأخذ حقوقنا ونحفظ تفاصيل مطالبنا البشرية ونصون هويتنا.
وعلى أية حال، فالظروف معقدة نرصد اليوم وجود جاليات عربية تحيا في كنف الغرب الأوروبي وغيره، بالملايين سواء منها الجاليات القديمة التي اتجهت إلى أمريكا اللاتينية أم الجديدة التي استقرت في أوروبا الحديثة. وجلّ هذه الجاليات (خاصة الحديثة) هم من المتعلمين ومن حَمَلة الشهادات العلمية في مختلف التخصصات. وصار لِ بنات الجاليات وأبنائها فرصهم في التقدم العلمي والتحصيل حتى شغلوا مسؤولية مراكز الأبحاث والدراسات وساهموا في وضع الحلول النظرية والتطبيقية لمشكلات المجتمع الحديث، إذ ليس من الغريب بل صار من المعتاد أن تسمع عن أوائل في النتائج الدراسية وطليعيين في الأنشطة البحثية ومميزين في حصد الجوائز من العرب المقيمين في المهجر.
ومن الطبيعي هنا أن نؤكد أنه ليست هذه هي الفرصة الوحيدة لجهود جالياتنا ونخبها المعرفية الفكرية.. بل توطَّدَ موقف رئيس بضرورة التصدي لمشكلات الهوية الحداثوية التي لا تسمح بإلغاء الخصوصية مع المحافظة على إطارها الإنساني المتفتح المتفاعل مع الآخر إيجابيا..
وفي ضوء الحجم السكاني الكبير لتلك الجاليات، وفي ضوء المستوى المعرفي الفكري المتميز، أنشأت مجاميع من العلماء والأساتذة والمختصين مؤسسات علمية منها مراكز بحثية وجمعيات علمية وجامعات ومعاهد تدريسية تُعنى بمحو الأميتين الأبجدية والحضارية من جهة وبخلق جسر حضاري بين الجذور والتراث من جهة والمعاصرة من جهة ثانية وبين مجتمعاتنا الشرقية العربية والمجتمع الأوروبي مستثمرين أفضل الوسائل العلمية وأحدث المناهج..
إنَّ هذا التوجه على الرغم مما يعترضه من تعقيدات ومصاعب ومن سوء الفهم أحيانا ومن الاختراقات وبعض العراقيل إلا أنّه يحظى بمسيرة فاعلة تتجه تحديدا لتعزيز حالات التفاعل الإنساني بين الجاليات ونخبها والمجتمعات المضيفة. وسيتحقق مثل هذا الأمر في ضوء توكيد صواب النهج وحداثة المعالجة وموضوعية التعاطي بما يعكس صورة مشرقة للإنسان العربي بعيدا عن الصور النمطية التقليدية المتداولة بدوافع سياسية مغرضة أو لأسباب تتعلق بجهل حقيقي بصورة الإنسان العربي المعاصر وطموحاته المعرفية الإنسانية الكبيرة...
إذن فمهمتنا في إنشاء تلك المؤسسات في وقت تتجه لجالياتنا، فإنها في الوقت ذاته تتجه للتفاعل مع الآخر تطمينا لحسن العلاقة وتغيير نتائج الفهم المغلوط بين الطرفين.. وبالتأكيد منح البشرية نتاجات أكاديمية فكرية تعدل من معالم سيرتها المعاصرة نحو مجتمع السلم والعدل والمساواة، عبر الجهد العلمي البحت وعبر الخطاب الثقافي المستقل هنا..
اتخذت الجامعات الأوربية منذ وقت مبكر الاعتماد الأكاديمي معيارا من معايير الثبات والاستمرار في استراتيجيتها التعليمية، في حين أغفلت جامعات العالم الثالث هذا الأمر ولم تلقِ له بالا إلا أخيرا بتحفيز غربي تحت ذرائع الشراكة ونحو ذلك... فأين تقف الجامعات العربية والإسلامية في الغرب عموما من معيار الاعتماد الأكاديمي؟
ينبغي ألا نبالغ بحجمنا الفعلي ونحن ما زلنا نبدأ خطوات الولادة الأولى ونحمل في كنفها بعض الثغرات والنواقص. ولكننا إذ ننشئ مؤسساتنا الجامعية هذه، لا نغفل عن المستوى الناضج المتحقق فعليا للمؤسسة الجامعية الأوروبية بعد مئات من سنوات العمل والتطور.. ونحن بهذا الإدراك نعرف أننا لا يمكن أن نبدأ إلا من حيث وصلت البشرية درجات التقدم العليا.. من هنا فإننا نحرص في جهدنا على اعتماد قدراتنا الذاتية معرفيا أكاديميا وهي طاقات متميزة وكبيرة ونحرص أيضا على الامتياح من التجاريب الحديثة بأفضل ما توصلت إليه.. مضيفين إلى ذلك معالجاتنا المخصوصة التي تتناول محددات معايير الاعتماد الأكاديمي.. بخاصة في الفروق المطلوب التعاطي معها بشأن طبيعة المؤسسات وآليات عملها كما في الفروق بين آليات التدريس في جامعات تلتزم التعليم التقليدي المنتظم عن تلك التي تلتزم التعليم الألكتروني.. وشخصيا أعتقد أننا قطعنا شوطا مقبولا في التعاطي مع مراجعة جهودنا وقياسها على وفق معيار اعتماد أكاديمي رصين ومعترف به دوليا وإقليميا. مع تأشير طموحنا إلى أن تكون تجربتنا هي الأخرى أداة إغناء وتطوير وتقدم وهو ما يتحقق بالفعل تدريجا...
ونحن نتحدث عن الجامعات في العالم العربي لا نجد مفرا من الإقرار بالحقيقة المريرة التي مفادها "أن البحث العلمي هو آخر ما يشغل بال أكاديميات العرب والمسلمين في بلادهم وأن نتاجها البحثي على ضآلته لا يعدو الأطر النظرية التقليدية، وهذا يدعونا إلى السؤال بتفاؤل: هل اجتازت الجامعات العربية والإسلامية في أوروبا وأمريكا أزمة البحث العلمي ومقارباته النظرية؟
هذا السؤال هو الآخر يبحث في العمق الفلسفي لاشتغالنا في مساحة من العطاء المعاصر للعقل البشري، تلكم هي مساحة اشتغال الجامعات ونتاجها المعرفي وعلاقته الحقيقية بالواقع وقدرات التغيير في هذا الواقع ومعالجة نواقصه ومثالبه ومشكلاته.. وقد نكون في كثير من الأحيان في حال من ضعف المصدر من جهة الحداثة ومستوى التقدم العلمي ودرجة العلاقة بالواقع كما قد نكون في أحيان كثيرة في حال من الانقطاع عن الجدية ومجانبة الصواب بمنهجيتنا المتأخرة أو حتى المتخلفة في أحايين بعينها؛ ولكن على الرغم من هذا الواقع بكل ما يكتنفه فالجامعات العربية في بلادنا تجابه تحديات الزمن بجهود مثابرة وحصل أنها قدمت مفردات جدية مسؤولة استطاعت أن تضيف كشوفها ومعالجاتها المتميزة المثمرة.. أما مؤسساتنا الحديثة أوروبيا فستبقى بحاجة لدعم وتفاعل يغتنم فرصة اتصالها بأحدث المناهج والكشوف وفي محيط يمكن أن يتعزز عبره بناء الجسر المنتظر اليوم الذي من دونه سنبقى نراوح بآليات مستهلكة وبجهود من الصفر في وقت يتقدم العالم سريعا في كل يوم وساعة ودقيقة... هنا بالتحديد يُنتظر من الجامعات التي تأسست في بلدان الغرب بجهود مهجرية عربية أن ترقى لمستوى المسؤولية وتستفيد من محيطها المعرفي وجهوده البحثية وأن تتصدى لقراءة مشكلاتنا ومشكلات الجاليات والمجتمع الإنساني وتعمل جهدها في التركيز على ولادة معالجات جدية محدثة تختزل الآلام وتضع النقط على حروف النتاج العلمي المعاصر، وهي قادرة على هذا بفضل الاتصال المباشر مع البيئة التي ولِدت فيها وعبر أمور وتفاصيل أخرى كثيرة.. ويمكن بقراءة متأنية أن نرى عنوانات البحوث الأكاديمية الميدانية وصلاتها بمجتمعاتها وبالجاليات والمهجر ومن ثمَّ يمكن تقييم الدور الذي تلعبه في ضوء ذلك.. وسيبقى عامل الزمن كفيل بقول الكلمة الفصل بهذا الدور وحجمه النوعي. وبالمناسبة يسعدني هنا أن أؤكد اعتزازي وفخري بجهود علمية دراسية وبحثية نهض بها خريجو هذه الجامعات وشخصيا يمكنني ألقول إن هؤلاء يمكنهم ثبات تميزهم بأية مناظرة مع نظرائهم الأوربيين والعرب وأنهم سيكونوا أصحاب بصمة مهمة في القريب فما بالك في المدى الأبعد سواء في إطار وجودهم المهجري أم في المجتمعات العربية التي تستقطبهم على وفق الضرورة حيث يمتلكون خبرات التكنولوجيا والعلوم الأحدث ولغة بلدانهم والحس بتطلعاتها ومعرفة همومها وآليات معالجتها... أليس هذا بعضا من المنجز المعرفي الأكاديمي المنتظر؟
في ظل المتغيرات العالمية التي أعقبت الحادي عشر من سبتمبر، ما الفضاء الذي تمنحه الجامعات العربية والإسلامية لاتجاهات المجتمعات الأوروبية إزاء ماتحمله من رسالة أكاديمية وثقافية؟
مبدئيا هناك موقف مسبق ونظرة سلبية سائدة عن العربي والمسلم بعامة. وهي نظرة دونية ترى فيه المتخلف، مثير المشكلات، الكسول، غير العامل والبعيد عن التعلم والبحث المعرفي. مثلما هناك حساسية وعنصرية أحيانا وبنسبة يمكن ملاحظتها بخاصة في إشكالية الإرهاب وإثارة الخوف من الآخر والهلع في التعاطي معه. ومع وجود نظرة مختلفة في الوقت الحاضر نتيجة علامات مهمة لمنتجنا الفكري والسياسي بل لمنتجنا الثقافي المتمدن وتأثيراته، فإنّنا نجد أن وجود مثل هذه المؤسسات الجامعية إذا ما تابعت نشاطها الأكاديمي العلمي بمصداقية وبشكل يتنامى ويتحسن بثبات، فسيكون انعكاسه أبعد من إيجابي في أن يكسب تفاعلا بناء بين مجتمعاتنا والمجتمعات الأخرى بروح موضوعي وتبادل منفعة مثلما يعزز النظرة الصحيحة والصحية إلى الجاليات ونخبها العلمية ودورها في بناء البلدان المضيفة ومن ثمّ المشاركة الإنسانية السليمة التي تدفع لتطمين العلائق من جهة ولتطوير آفاق العيش المشترك بسلامة وأمان وبنظرة تستوعب الحالات الشاذة وتمنع إثارة التشويش والتضليل بل تعالج الموقف نهائيا.. وطبعا في هذه الحال يُنتظر عمل حقيقي لهذه المؤسسات كيما تنتقل إلى النتاج الفعلي الأوسع والأسرع في التعاطي مع الوقائع.. كما تنتظر هذه المؤسسات دعما وتفاعلا مع مشروعاتها كيما يزداد تأثيرها الإيجابي..
لقد عمدت الأكاديميات الأوروبية إلى اصطفاء منهجية علمية رائدة في تعليم اللسانيات نتج عنها تعميم لغاتها على أكبر حيز جغرافي وصبغت ذلك كله بروح الإمتاع والإبهار، فإلى أي مدى أفادت الجامعات العربية والإسلامية من هذه التجربة في تعليم اللسان العربي للناطقين بلغات غيرها؟
أشكرك على سؤالك هذا ليس لموضع التخصص بل لأنه يتسع بمداه لاتساع في الإشكالية ولحجمها النوعي.. وصحيح أنّ اللسانيات الحديثة تبدأ من دي سوسير ومن التجاريب الأحدث لاحقا ولكن تذكَّر أنها ما زالت حتى اليوم تستخدم تعريف ابن جني للغة وأنا لا أقصد بهذه الإشارة الاتكاء على جهود علمائنا الأوائل بقدر ما أقصد الربط بين منتج أسلافنا والحاضر وأننا بقدرات مبدعينا اليوم ما زلنا قادرين على العطاء العلمي بالمستوى المؤثر ذاته. وهذا هو ديدن جهدنا. فعلى سبيل المثال سيكون ترك أساتذتنا بلا عمل معناه تقادم معارفهم وتآكلها وتصفيتهم معرفيا؛ فيما وجود هذه المؤسسات يعني تفعيل جهودهم وتحديثها ومن ثمّ توفير فرص الانتاج العلمي الأكاديمي الجديد الذي نستهدفه.. وطبعا هذا ما نضعه بين أيدي الباحثين. وأشير بالمناسبة وعلى سبيل المثال إلى ترشح إحدى زميلاتنا في جامعة ابن رشد إلى جائزة نوبل ببحثها "اكتشاف الصفر في اللغة" وأمثلتنا عديدة متنوعة أخرى.. لكننا نأمل التقدم أكثر كيما نُجري تطبيقات علمية أبعد في مجالات اللغة والأدب.. وفي الإطار تجد على سبيل المثال "مشروع ابن رشد لمحو الأميتين الأبجدية والحضارية" وهو أمر يتعلق بأهداف أبعد من لغوية كونه يتحدث عن الهوية وعن الصلات الإيجابية مع المحيط المهجري وتبادل المعرفة والتأثير وهذا المحيط...
ما هي مشاريعكم المستقبلية كجامعة تسهم في نشر وتعليم العربية في الغرب؟
للنظر بتعميم إلى مؤسساتنا كافة من جهة مع نظرة مخصوصة محددة توضيحا لمثال عملي بعينه: فمن بين تلك المؤسسات الجامعية نجد جامعة ابن رشد في هولندا وهي جامعة تشتغل في تخصصات العلوم الإنسانية وبآلية التعليم الألكتروني، قد بادرت لتأسيس مراكز بحثية متخصصة لتقديم المشورة والدراسات المناسبة وصبها في مطبوعات تنقل الخبرات إلى جامعاتنا العربية وتبادل التفاعل معها، ورفد مجتمعاتنا بما يلبي توفير الإجابات العلمية الأنضج لحاجاتها ولمطالبها. من ذلك في مجالات الآداب واللغات والإدارة والشؤون القانونية والاقتصادية.. كما عملت على صياغة معيار اعتماد أكاديمي (مقياس ابن رشد لترتيب الجامعات العربية) تحاول عبره أن تشجع الجامعات العربية بعامة للتنافس والتقدم وتصويب مسيرتها بموضوعية.. ولدينا جهد لتعزيز التنسيق الأكاديمي بإنشاء (اتحاد الجامعات وكليات التعليم الألكتروني العربية في أوروبا) ومشروع "ابن رشد لمحو الأميتين الأبجدية والحضارية" فضلا عن تفعيل جمعيات عربية ل"أساتذة الأدب الحديث والأدب المسرحي" و"أساتذة العربية في هولندا" وإلى جانب عقد مؤتمرات علمية تخصصية تجتذب خبرات أوروبية وعربية مشتركة للتعاطي مع موضوعتها الرئيسة؛ وهي بمجموعها تلقى تفاعلا ودعما نأمل تناميه واطراد تقدمه بما يجعلها مشروعات فاعلة وناجحة بفضل تضافر جهود الخيرين في بلادنا العربية وعقدهم الصلات المباشرة لنكون المنارة مجددا ولنزيح الصورة المعتمة المضللة عنّا في الوسط الأوروبي والعالمي.
وأؤكد هنا الحاجة لمثل هذا التفاعل والدعم وإلا فإن طبيعة التنافس الموجود في عالمنا ومحيطنا المهجري يمكن أن تُفشِل خطواتنا فتخفق التجاريب المتعددة نتيجة التعاطي السلبي أو الانقطاع عن تلك التجاريب العلمية الرصينة.. وأضيف إلى أن عقد الصلات يتيح تحصين التجاريب وتحسين أدائها وتنميته كما يتيح توفير الأرضية التي تعاضد الجهود وتطهرها وتزكيها من أية نواقص أو ثغرات عبر إزاحة بعض ما يعترضها من مشكلات سواء المادية منها أم غيرها.. وباعتقادي أن الجهود ترتقي اليوم لمستوى مناسب وإنْ ما زلنا نتمنى تعززها مثلما هو الحال باحتضان اتحاد الجامعات العربية لهذي التجاريب وتفاعل جامعات عربية كبرى معها وعدد من الحكماء والعقلاء والمسؤولين المعنيين وهم من أتوجه إليهم بالتقدير والعرفان على مواقفهم ذات النظرة الاستراتيجية البعيدة التي لا تقف عند حدود التعاطي مع مؤسسة وليدة أو أخرى بقدر ما تنظر إلى البعد الحضاري لجهودنا ولنتائج عملنا الأكاديمي والثقافي في المدى الأبعد.
وأعني هنا قمة المسؤولين في البلدان العربية وقمة الأكاديميين العرب ومسؤولي الجامعات في واجب الالتفات للمعطى المهم في مجال التفاعل والتفعيل المؤمل.. وفي الختام أشكر لك أيها العزيز عمق الأفكار والمعالجات في أسئلتك وأرجو لك ولصحافيينا العرب كافة، كل التوفيق في عملكم الصحافي الإعلامي وفي تغطية الجهود الأكاديمية وربطها بأفقها المعرفي والثقافي العربيين.
حوار: هايل علي المذابي
أديب وصحفي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.