عاشت مدينة مراكش، نهاية الأسبوع الماضي، على إيقاع الدورة التاسعة من ملتقى فن الملحون، الذي نظمته جمعية سبعة رجال لفن الملحون والتراث المغربي، تحت شعار"الوطني والصوفي في شعر الملحون، عباس بن بوستة، نوذجا". وتميز الملتقى التاسع لفن الملحون، كما جرت العادة في الدورات السابقة. بتكريم مجموعة من الشعراء والمنشدين الذين ساهموا في إغناء الخزانة الفنية والحفاظ على فن الملحون وتحديثه. وتضمن برنامج هذه الدورة، تنظيم ندوة فكرية حول موضوع " سبعة رجال وأدوارهم السياسية والتربوية والاجتماعية، وقراءات إبداعية حرة لمجموعة من الشعراء والزجالين، إضافة إلى استعراض مسار حياة الشيخ عباس بن بوستة أحد رواد فن الملحون، من خلال التطرق إلى الجانب الوطني والصوفي في شعره، في ندوة علمية نشطها أساتذة باحثون في التراث. وتهدف هذه التظاهرة الثقافية والفنية إلى الاحتفاء بفن الملحون وشيوخه ومؤسسيه، والحفاظ على هذا التراث الفني والثقافي والحضاري، وتعد بمثابة تكريم لذاكرة شيوخ الملحون ومناسبة للحديث والحوار والتبادل بين الفنانين والباحثين والمولعين بفن الملحون والمهتمين بتاريخه الحضاري والحس الإنساني الذي طبع روحانية هذا التراث. واستمتع عشاق فن الملحون خلال حفل فني ساهر، في اختتام فعاليات الملتقى التاسع لفن الملحون، بقصائد أداها بمهارة رواد هذا الفن، بكل من مكناسوفاسوتارودانتوأزمورومراكش، أضفت متعة خاصة على الحفل. ونجح الأشياخ والمنشدون، المنتمين إلى كل من جمعية فضاء مكناس للتنمية الثقافية والاجتماعية، والجمعية الرودانية لهواة الملحون، وجمعية أحمد بن رقية لفن الملحون بأزمور، وجمعية فاس لفن الملحون، فضلا عن جمعية سبعة رجال لفن الملحون والتراث المغربي، الذين تعاقبوا على الخشبة في إبراز روعة وغنى فن الملحون، ومساهمتهم في الحفاظ على استمرارية هذا المكون الغني للتراث الثقافي الوطني. وكان لعشاق الملحون، في افتتاح فعاليات الملتقى، موعدا مع حفل فني أحياه الجوق المشترك للجمعيات المشاركة، تخلله حفل تكريم رجالات الملحون بمدينة مراكش، في سهرة لهذا الطرب الأصيل بإطلالة جديدة في شكلها ومضمونها وتنظيمها أيضا، نادرا ما اجتمع حولها عدد من العازفين والمنشدين من مدن تراثية مختلفة فاس، مكناس، تارودانت، أزمورومراكش، ينتمون إلى مدارس ملحونية متباينة بمرجعيتها الخصوصية، بالإضافة إلى المنشدين، الذين تناوبوا ليس فقط على القصائد، بل على القصيدة الواحدة. ويعتبر فن الملحون نموذجا مغربيا بامتياز تلتقي فيه عدة عناصر متشعبة من الأدب والفنون الشعبية المغربية، وتختلط فيه موسيقيات الإيقاعات الأندلسية والألحان الشعبية، كما يعد أكثر أشكال نظم الشعر بالدارجة المغربية. وحسب عدد من المتخصصين، فإن الملحون انطلق من منطقة تافيلالت التي يتحدر منها أغلب شعراء الملحون، الذين حملوا معهم هذا التراث الإنساني عبر هجرتهم ونشروه، ووجد أرضا خصبة للتطور. يشار إلى أن الملحون فن مغربي أصيل، يزيد عمره عن خمسة قرون، ارتبط بقصائد مكتوبة بعامية أقرب إلى الفصحى، وهي نصوص نظمها شعراء أغلبهم كانوا يزاولون حرفا يدوية في الأحياء العتيقة لبعض المدن التاريخية كفاسومراكش وسلا ومكناس، رغم أن الباحثين يرجعون جذوره الأولى إلى منطقة الراشيدية.