خالد حجار / فلسطين الصهيونية عبارة عن مولود نتج عن تلاقح الديانة اليهودية بالسياسة الرأسمالية لتكون الأب الجديد لما يسمى بالقومية الإسرائيلية، وهذا يعني أن ليس كل يهودي صهيونيا ، بينما يفترض أن يكون كل صهيوني يهوديا ، من هنا نستطيع الولوج لفهم هذه الحركة العنصرية التي استطاعت في حقبة زمنية صغيرة أن تبني مشروعها العنصري الاستيطاني في فلسطين. لا يوجد عبر التاريخ عرق اسمه العرق الإسرائيلي وكل ما هنالك أن أبناء إسحاق الذين يعرفون بالأسباط استمدوا قدسيتهم من الدين على أنهم أنبياء وجاء من نسلهم النبي موسى والأحداث التاريخية لم تشر أن اليهود شكلوا دولة إلا بعد دخول يوشع بن نون فلسطين غازيا، وحينها أقيمت في فلسطين دولة يهودية وليست قومية حيث اعتمدت تعاليم الدين اليهودي تماما كباقي الدول الدينية التي كانت تقام في العصور القديمة . اعتنق كثير من العرب اليهودية وخاصة في اليمن والجزيرة العربية ولم يفكر اليهود العرب أن يشكلوا قومية غير العربية على مر التاريخ، فكانوا يشكلون طائفة مثل باقي الطوائف التي يتشكل منها العرق العربي، وعاشوا عشرات القرون دون أن يتميزوا بأي موقف سياسي عن باقي الأمة العربية. بعد الثورة الصناعية وبزوغ الحقبة الرأسمالية والفكر السياسي الاستعماري في أوروبا، وجد المضطهدون اليهود في الرأسمالية الغربية سبيلا للتخلص من الظلم الفكري والثقافي الذي وقع عليهم من قبل الحكم الكنسي الغربي سيما وأن الرأسمالية ثارت على السلطة البابوية ، مما دفع اليهود للدخول بالرأسمالية من أوسع أبوابها وأصبحوا أداة استعمارية تسخّرهم بريطانيا العظمى لتنفيذ مصالحها. لم تكن الصهيونية لتنجح في مسعاها الذي هو جمع اليهود تحت لوائها لولا وجود اتجاهات قومية غربية معادية لليهود وهذا ما يفسر عدم ظهور الحركة الصهيونية بين اليهود في البلدان العربية . كان للحربين العالميتين الدور الأقوى في تغذية الصهيونية ودعمها ؛ إذ صدر عام 1917 وعد بلفور لهذه الحركة بإقامة دولة لليهود في فلسطين، واستطاعت بريطانيا عبر انتدابها لفلسطين أن تضع القواعد الأولى لهذه الدولة، وفي المقابل شاركت الصهيونية بريطانيا في حربها ضد ألمانيا عبر تجنيد لواء صهيوني كامل، هذا ناهيك عن الدعم المادي إذا ما أخذنا بالاعتبار أن الحركة الصهيونية أقامها رأسماليون يهود . الأساس العنصري من أهم الأسس التي قامت عليه الصهيونية إذ لولا هذا الأساس ما كانت الصهيونية لتنجح في نزع اليهود عن قومياتهم المختلفة وجمعهم في قومية جديدة ، ولولا خلق العداء مع باقي الطوائف والأعراق العالمية لما استطاعت هذه الحركة أن تجذب اليهود إليها؛ ليكونوا وقودها الحقيقي في حروبها لتحقيق أهدافها . إذن من أهم الأسلحة التي يجب أن يستخدمها أعداء الصهيونية هو عدم السماح لهذه الحركة بخلق أجواء عنصرية بين اليهود وغيرهم والدعوة للمساواة بين أبناء البشر، وهذا ما يفسر العداء المبدئي بينها وبين الشيوعية التي جاءت نقيضا للرأسمالية وللسلطة الدينية في وقت واحد. بينما لاقت الصهيونية آذانا صاغية في الدول الاستعمارية الغربية لأن هذه الدول لا يعنيها سوى السيطرة واستغلال النفوذ من اجل فرض هيمنتها الاقتصادية على العالم، فمنذ نشأة الصهيونية وحتى يومنا الحاضر وهي الحليف الاستراتيجي للقوى الرأسمالية الاستعمارية، حيث تعتبر العلاقة عضوية أكثر منها علاقة مصالح آنية؛ فمن الطبيعي أن نجد الولاياتالمتحدةالأمريكية تعتبر وجود إسرائيل خطاً أحمر ولا يمكن التهاون فيه خاصة في منطقة الشرق الأوسط التي تعتبر الرئة الحيوية لتنفس الاقتصاد الأمريكي. من هذا المنطلق أرى أن اليهود هم ضحايا الصهيونية تماما كالفلسطينيين، وكلاهما زج به في حرب استعمارية متخفية بشعارات دينية بحتة ؛ إلا أن الفلسطيني لا يخدم قوى الاستعمار الغربي في حربه ضد الصهيونية ؛ لأنه يدافع عن وطنه وعن وجوده على أرضه؛ وكل تضحياته مقدسة ولا لبس فيها، بينما نجد اليهودي الصهيوني يحارب من اجل مشروع غربي مدعوم من الغرب الاستعماري، وكل ما جناه حتى في انتصاراته الوهمية هو خلق جو من العداء بينه وبين أكثر من ثلث العالم، وخلّف جيلا يهوديا عنصريا لا يفهم إلا الحقد على الآخرين ويتعامل بلغة التعالي مما جعله يفقد إنسانيته في زمن يحاول فيه كل العالم تفهم الآخر وبناء علاقات من المصالح . كيف لنا أن نحارب الصهيونية عربيا: إن التعامل بردة الفعل دون إدراك الأبعاد التي تصل إليها لا يخدم إلا الصهيونية، وما نراه من موجة العداء داخل المجتمع العربي لليهود هو نتيجة سعت إليها الصهيونية منذ بداية الصراع العربي الصهيوني؛ وذلك لإجبار اليهود على الهجرة إلى فلسطين، وإن سكوت الأنظمة العربية على هذا الوضع يصب في مصلحة الأهداف الصهيونية، والغريب أن الصهيوني في الدول العربية التي لها علاقات مع الكيان الصهيوني يحظى باحترام وحماية عالية، بينما اليهودي العربي الذي لم يهاجر إلى فلسطين ولا ينتمي للكيان الصهيوني يتعرض لضغوطات واضطهاد مما يؤدي إلى إجباره على التفكير بالرحيل إلى دولة الكيان المسخ، من هنا يجب العمل في اتجاه معاكس عربيا وبالتخصيص على الشكل التالي: 1- فتح حدود الدول العربية لعودة اليهود الذين هجروا منها وإعادة منحهم المواطنة بالتساوي مع باقي الطوائف الموجودة بهذه الدول طالما أنهم لا ينتمون للصهيونية، والعمل على تقوية انتمائهم القومي وإدخالهم في الصراع الفكري عبر تشكيل تجمعات فكرية تنقض الصهيونية وتعتبرها مخالفة لتعاليم الديانة اليهودية ولنا في حركة ناطوري كارتا اليهودية مثالا، إذ أن هذه الجماعة لا تعترف بدولة الكيان المسخ على أرض فلسطين وتعتبر الصهيونية معادية لليهود. 2- العمل على قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول العربية والكيان المسخ وإبقائه محاصرا عربيا والضغط على الولاياتالمتحدة شعبيا واقتصاديا ودبلوماسيا لكي تعيد النظر في دعمها اللامحدود للكيان الصهيوني وهذا لن يتم إلا عندما تشعر هذه الدولة بان مصالحها تتعرض للخطر وأنها تدفع ثمنا باهظا مقابل دعمها لهذا الكيان، وهذا يدفعنا للوقوف بحزم لتعرية كافة الأنظمة التي تفتح حدود تجارتها على مصراعيها مع أمريكا وتعتمد على شركاتها في المنطقة و خاصة في الدول الخليجية التي تعتبر حليفة للولايات المتحدة في المنطقة. 3- يجب العمل على إنشاء منظمة عربية تضم الشركات ورؤوس الأموال العرب لتنسق عملها في خطة لمحاربة المخططات الصهيونية وتشكل لوبي ضاغطا يعمل بقوة على دعم نضال الشعب الفلسطيني دبلوماسيا ويتمحور عمله في مواجهة الإعلام الصهيوني واكتساح الساحات الدولية بقوة ويقوم بإفراز جناح خاص لخلق الدعم المالي لفلسطين وثورتها مما يجعلها لا تنتظر الدعم الخارجي المشروط والابتزاز المالي، ويجب على هذا التكتل أن يدعم الشعوب العربية خاصة في دول الطوق لتقويتها وجعلها قادرة على المواجهة . 4- إن هذه الخطوات السابقة لا يمكن لها أن تتم إلا بتغيير النظام السياسي العربي أو بالضغط عليه جماهيريا لاستيعاب متطلبات هذا العمل وإجباره على العمل الذي يصب في هذه البوتقة. 5- يجب إعادة تفعيل الصندوق القومي الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية ليكون قادرا على موازاة هذه التطورات الاقتصادية وإردافها بالمخططات والدعم اللازمين لتحقيق النجاحات المرجوة على هذا الصعيد. 6- إن زيادة الاستثمارات العربية في الدول العربية حتما سيصب في تنمية الاقتصاد العربي ليجعله يسير نحو الاستقلال الاقتصادي وهذا يدفعنا إلى تسييس الاقتصاد ووضعه تحت الشعارات الوطنية والقومية، فكل من يستثمر أمواله خارج الوطن العربي يجب أن يتعرض لضغوطات وتعرية، وفي المقابل على النظام السياسي العربي أن يعمل على جلب هؤلاء وتقديم التسهيلات الاقتصادية اللازمة لاستقطابهم وتنمية عملهم بما يتناسب والعمل على تنمية الاقتصاد والعمل الجاد نحو اقتصاد مستقل لا يتبع للدول الخارجية . 7- إنشاء صندوق إقراض عربي كبديل عن البنك الدولي تكون له فروعه في كافة الدول العربية ويعفى من الضرائب والرسوم، تكون مهمته تشغيل المال العربي واستثماره في الوطن العربي . 8- وضع القيود الاقتصادية على عمل الشركات الأجنبية في الوطن العربي ، مثل الضرائب العالية والجمارك للحد من توسعة عملها وإيجاد الشركات العربية البديلة عنها ومنحها الصلاحيات الواسعة طالما تعتمد على الخبراء العرب واستغلال الموارد العربية لتنمية الاقتصاد العربي. إن العمل بهذا الاتجاه يجعلنا نسير نحو التكامل الاقتصادي في سياسة اقتصادية ثورية مدروسة تكون أهدافها النهوض بالاقتصاد العربي نحو تنمية تمنحنا الاستقلال وتضعنا عند مسؤولياتنا وطموح شعوبنا العربية بتحقيق أهدافها على كل الصعد والتي لن تتحقق طالما أن اقتصادنا ومواردنا محط أطماع الدول الرأسمالية الكبرى الداعمة والتي هي الدعامة الأولى للمشروع الصهيوني الذي يهدف ليس لتهويد فلسطين بل له أطماعه بالتوسع والسيطرة على كل المنطقة، وإذا ما بقيت أوضاع الوطن العربي كما هي فهذا يعني أن الأمة العربية تعمل لصالح المشروع الصهيوني الغربي وان الدويلات العربية تنتظر دورها لتصبح فلسطين ثانية وثالثة ورابعة ....... أخيرا إما أن نكون في هذا العالم أمة عربية لها مكانتها وتحفظ مقدراتها وشعوبها وتحمي وحدتها واستقلاليتها وإما أن لا نكون سوى دويلات ممزقة تنتظر تعليماتها من السفير الأمريكي الذي قد يكون صهيونيا أو يعمل ضمن السياسة الصهيونية. خالد حجار