التوفيق: إيفاد 372 مشرفا على التأطير الديني لأفراد الجالية المغربية سنة 2024    الملك محمد السادس يوجه رسالة إلى رئيس اللجنة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف    إسرائيل توافق على وقف إطلاق النار في لبنان بدءا من يوم غدٍ الأربعاء    الجيش يهزم الرجاء في أبطال إفريقيا    الأمن يحجز حيوانات معروضة للبيع    لجنة الحماية الاجتماعية تجتمع بالرباط    المغرب يستعد لإطلاق عملة رقمية وطنية لتعزيز الابتكار المالي وضمان الاستقرار الاقتصادي        تنفيذا للتعليمات الملكية السامية.. وفد من القوات المسلحة الملكية يزور حاملة الطائرات الأمريكية بساحل الحسيمة    طلب إحضار إسكوبار الصحراء ولطيفة رأفت.. هذا ما قررته المحكمة    بنسعيد: "تيك توك" توافق على فتح حوار بخصوص المحتوى مع المغرب        هيئة حقوقية تنادي بحماية النساء البائعات في الفضاءات العامة    دراسة: سوق العمل في ألمانيا يحتاج إلى المزيد من المهاجرين    وفاة أكبر رجل معمر في العالم عن 112 عاما    "نعطيو الكلمة للطفل" شعار احتفالية بوزان باليوم العالمي للطفل    لحظة ملكية دافئة في شوارع باريس    النظام العسكري الجزائري أصبح يشكل خطرا على منطقة شمال إفريقيا    الجنائية الدولية :نعم ثم نعم … ولكن! 1 القرار تتويج تاريخي ل15 سنة من الترافع القانوني الفلسطيني    سعد لمجرد يصدر أغنيته الهندية الجديدة «هوما دول»        توقعات أحوال الطقس ليوم غد الأربعاء    المغرب جزء منها.. زعيم المعارضة بإسرائيل يعرض خطته لإنهاء الحرب في غزة ولبنان    دين الخزينة يبلغ 1.071,5 مليار درهم بارتفاع 7,2 في المائة    معاملات "الفوسفاط" 69 مليار درهم    النقابة الوطنية للإعلام والصحافة … يستنكر بشدة مخطط الإجهاز والترامي على قطاع الصحافة الرياضية    الجزائر و "الريف المغربي" خطوة استفزازية أم تكتيك دفاعي؟    في حلقة اليوم من برنامج "مدارات" : عبد المجيد بن جلون : رائد الأدب القصصي والسيرة الروائية في الثقافة المغربية الحديثة    التوفيق: قلت لوزير الداخلية الفرنسي إننا "علمانيون" والمغرب دائما مع الاعتدال والحرية    نزاع بالمحطة الطرقية بابن جرير ينتهي باعتقال 6 أشخاص بينهم قاصر    الجديدة مهرجان دكالة في دورته 16 يحتفي بالثقافة الفرنسية    توهج مغربي في منافسة كأس محمد السادس الدولية للجيت سكي بأكادير    اللحوم المستوردة تُحدث تراجعا طفيفا على الأسعار    مسرح البدوي يواصل جولته بمسرحية "في انتظار القطار"    شيرين اللجمي تطلق أولى أغانيها باللهجة المغربية        الأمم المتحدة.. انتخاب هلال رئيسا للمؤتمر السادس لإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط    برقية شكر من الملك محمد السادس إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة    القنيطرة.. تعزيز الخدمات الشرطية بإحداث قاعة للقيادة والتنسيق من الجيل الجديد (صور)    توقيف فرنسي من أصول جزائرية بمراكش لهذا السبب    اتحاد طنجة يكشف عن مداخيل مباراة "ديربي الشمال"    غوارديولا قبل مواجهة فينورد: "أنا لا أستسلم ولدي شعور أننا سنحقق نتيجة إيجابية"    مواجهة مغربية بين الرجاء والجيش الملكي في دور مجموعات دوري أبطال أفريقيا    حوار مع جني : لقاء !    المناظرة الوطنية الثانية للفنون التشكيلية والبصرية تبلور أهدافها    الدولار يرتفع بعد تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية على المكسيك وكندا والصين    تزايد معدلات اكتئاب ما بعد الولادة بالولايات المتحدة خلال العقد الماضي    ملتقى النقل السياحي بمراكش نحو رؤية جديدة لتعزيز التنمية المستدامة والابتكار    إطلاق شراكة استراتيجية بين البريد بنك وGuichet.com    الرباط.. انطلاق الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية    منظمة الصحة: التعرض للضوضاء يصيب الإنسان بأمراض مزمنة    تدابير للتخلص من الرطوبة في السيارة خلال فصل الشتاء    الصحة العالمية: جدري القردة لا يزال يمثل حالة طوارئ صحية عامة        لَنْ أقْتَلِعَ حُنْجُرَتِي وَلَوْ لِلْغِناءْ !    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكريات الأمس... الجزء الرابع
نشر في المسائية العربية يوم 31 - 01 - 2012


المسائية العربية
في الطريق إلى مدخل المدينة منار الكتبية الشاهق بطريق "جيليز"، تداعت إلى الذاكرة صورة رآها منذ سنوات عديدة حين كان يافعا، ومنار الكتبية لمن ينظر من إحدى زواياها تشبه ماردا تتعاقب في مجراه عفاريت الدنيا، عارضة ضخامتها أو هزالها، فخامتها أو بؤسها، وكان مشهد العرض يتجلى مع مرور الزمن أو عند سرد الشموخ،
حيث تتبدى القبة كجبل أو كسنم جمل ترسو على ربوة أو تطفو راسخة عليها. وبينما كان يدور في قلب المدينة ، إذ بنغمات الحوزي تتصاعد صانعة لحنا- لا بد أنه كان تلقائيا ومن بنات أفكار اللحظة- وعلى إيقاع اللحن كان الجميع يغنون رافعين وجوههم أغرودة الشمس وقد لبسوا الجلباب الخفيف الأبيض، كانوا يغنون للمتحلقين وللمارة الذين يهرولون ، وعلى الرغم من أن اللحن كان يعزفه إثنان إلا أن كل أعضاء الجماعة كانوا يتشاركون في الغناء. لم أنتبه لكون الأغنية الهائلة عربية حقا، إذ طالما كانت تصيبني بالأسى أغانينا العربية، فعلى الرغم من أننا أصحاب تاريخ عريق في ترويض البحور، وأننا من أسلاف أسد البحور، ومع أن البحور توشك أن تكون عربية، إلا أن القوافي العربية التي كنت أسمعها تمر أو تعشعش في ذاكرتي كانت تشي ببؤس الحال، في أغلب الأحوال، فهي على الأرجح مبغولة وتوشك أن تكون صدئة، كنت أظن أن المجموعة تغني كنوع من الترويج لبضاعة يحملونها في بطن الثرات، وتعود أثمانها إلى بطون العوائل، لكنني اكتشفت وأنا على ظهر الزمن أنها عربية حقا، و أنها أمازيغية حقا، وروادها عرب و أمازيغ حقا، وأغلب مردديها من العرب و الأمازيغ وأنها كانت في رحلة طويلة قادمة من الأزل، ومتجهة إلى لا نهاية. تقف على حافة الشط القريب من الحداثة. كانت تلك إحدى القصائد العربية التي توقفت عند بوابتها في ساحة جامع الفنا، وكنت على موعد مع القائمين عليها للاستضاءة بآرائهم في مسألة ظلت تؤرقني طويلا منذ أيام عملي البعيدة في البحث في التراث، فلقد اكتشفت حينها أن القرصنة اللغوية- في جوهرها- لم تنته بعد، وأن الحياة غابة يفترس فيها الكبار الصغار، فإن لم تكن حوتا لقيت مصير الأسماك الصغيرة، ولقد كان التراث العربي/ الأمازيغي- في ذهني- منذ ذلك الزمن البعيد، حوتا عربيا / أمازيغيا يجوب العالم في ثقة واقتدار دون أن يعلم عنه كثير من العرب و الأمازيغ شيئا، حوتا يحرسه كتاب عرب / أمازيغ يصارعون- دون ضجيج - في خضم بحار العالم ومحيطاته التي لا تعرف الهدوء أو السكينة. ولقد أدهشني ذلك الهدوء الذي يتحلى به قادة هذا الحوت العربي/ الأمازيغي الجبار، فهم يواجهون تحديا يوشك أن يكون صراعا عاتيا مع إمبراطوريات اللغات العالمية، لكنه هدوء- بحجم الإنجاز والأداء وقوة الشركة- يعبر عن طمأنينة الواثقين، وقد كان سمة كل من التقيت بهم: سيبويه ، ابن جني، ابن السراج، المبرد، تمام حسان، المختار السوسي، الحاج بلعيد، أحمد المتوكل، الفاسي الفهري، أحمد العلوي... لم يبخل بالإجابة عن أسئلتي أحد ممن التقيت بهم في المطالعة، سواء من خلال الندوات، أو من خلال تصفح نفائسهم، ومن مزيج كل الإجابات التي حصلت عليها توافر المداد الذي أعالج به هذا الموضوع الخفي عن عيون القراء القابعين على البر، ولعل المدخل يكون في الإجابة عن أول الأسئلة التي كنت أطرحها في ذلك الخضم: ما هي القرصنة اللغوية وهل انتهت؟؟ تتجمع كل الأصوات التي أصغيت إليها في جولتي لتقول إن القرصنة - اللغوية خاصة- هي كل نهب أو عنف ينتهي إلى غايات خاصة دون مرجعية للهيئات المسؤولة، وخارج كل قانون دولي أو محلي، ولهذا فإن القانون يتيح للمتضررين أن يقبضوا على القراصنة ليدانوا إذا أجرموا ، وعلى الرغم من أن كلمة القرصنة صارت أكثر اتساعا من وجهة نظر القانون الدولي والمحلي في كثير من البلدان، إلا أن القرصنة اللغوية التي نعنيها هي تلك التي وقعت في ثنايا كل مراحل التاريخ العربي. ولكن العامل الحاسم في القضاء على القرصنة- بصورها القديمة- في القرن الواحد العشرين يرجع بعد ذلك إلى نمو وتضخم القواميس اللغوية وتطور المجامع اللغوية الدولية على البسيطة. إن القرصنة اللغوية - بمعناها القديم- قد تلاشت، لكنها عادت إلى الظهور في ثياب جديدة ووراء أقنعة متقنة هي ثياب وأقنعة ما يسمى ب "الاحتيال اللغوي" الذي لا يعدو كونه نوعا مختلفا وأخطر من القرصنة اللغوية في عصرنا. نعود إلى أنشودة المجموعة لاستقراء ذررها إن سمح بذلك القدر.. ثم نمضي مع جمال التقسيم، والتقطيع النفسي والموسيقي في الأنشودة ، إنه يصاحب حلمهم عندما يكون الموقف موقف كرامة وشرف وكبرياء ولا يصاحب عندما يكون الموقف موقف ذلة وجبن وخسة، وهو لا يقيم على مال يجلب له المذلة ولا يلذ بعرض تلطخ واتسخ، لا يزال اللحن مولعا بهذه التقسيمات التي تفعل فعلها في متلقي الكلام قارئا أو مستمعا، وهي تقسيمات يتضافر فيها عمل المنطق- الذي استوعبه الكلام واللحن من خلال التجربة الجياشة للكاتب - وعمل الشعور الواعي والوجدان الفوار، وعمل الإحساس الموسيقي القادر على الاستجابة أو التجاوب، واختيار المفردة الدالة والصياغة المعبرة، والصورة الشعرية التي تشبه صيدا نافرا ومستحيلا أمكن اقتناصه. فإذا ما التفتنا إلى طبيعة المعجم الشعري الذي تمتلىء به الأنشودة، وجدنا الحب والحنين، ووجدنا الروح والبدن، ووجدنا السرور والحزن، ووجدنا القبيح والحسن، وهو معجم يحمل ملامح نفسية الكاتب العاصفة المتقلبة، وقسمات شاعريته التي تنتظم البادية والحضر في سياق محكم، وتضع المرء دائما أمام قدره ومصيره دون تواكل أو استخذاء. ثم لا يخفى على المتأمل في بنية الأنشودة، وصورها الشعرية، ومعجم مفرداتها، وجيشان موسيقاها، وشدة إحكام صياغتها وقوة أسرها، لا يخفى عليه تلك الروح الشجية التي تخلع ظلها على الأنشودة ابتداء من البيت الأول فيها، وكانت المجموعة تعيش فعلا حالة وداع مع كل ما هو مؤنس وبهيج في حياتها، الأهل والوطن، والسكن الذي يأنس إليه وترتاح نفسه، والسكن هنا هو شريك الحياة أو المحب الذي تسكن إليه النفس، ولا يبتعد كاتب الأنشودة كثيرا عن وصلنا بهذه الحال حتى يبادرنا بالسبب الأساسي في حدوثها، إنه يريد من زمنه الكثير بل أكثر مما يستطيعه الزمن لنفسه: أي شهوة لامتلاك الحياة وأي طموح؟!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.