بقلم : عكرمة ثابت في المؤتمر الصحفي الذي عقده وزير الدفاع الاسرائيلي السابق والقيادي البارز في حزب كاديما في فندق الملك داوود في مدينة القدس مساء الثلاثاء 7/12/2010 ، عرض شاؤول موفاز خطته القديمة للتسوية السياسية بين الفلسطينيين والاسرائيليين ، والتي تقضي بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح في الضفة الغربية وقطاع غزة دون القدس وعلى مساحة قد تصل الى 60% من مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة دون اخلاء المستوطنات الاسرائيلية على ان يتم المباشرة بمفاوضات حول المواضيع الرئيسية كالقدس واللاجئين والحدود الثابته وغيرها من المواضيع التي تضمن الاستقرار ومنع تهديد أمن إسرائيل ، وقد رفضت السلطة الفلسطينية والرئيس الفلسطيني محمود عباس " ابو مازن" وحركة فتح وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية هذه الخطة فور الاعلان عنها . لا بد - وقبل الخوض في مكامن الخبث السياسي والامني في خطة موفاز – من التنويه الى أن هذه الخطة ليست جديدة فقد سبق لوزير الدفاع اليميني المتطرف أن طرحها في الثامن نوفمبر عام 2009 عندما قدم نفسه كمرشح عن حزب كاديما في الانتخابات الاسرائيلية ، وقد تزامن اعلانه عن الخطة مع الترتيبات الفلسطينية لاجراء انتخابات تشريعية ورئاسية ثالثه ، حيث قال موفاز وقتها " انه في حال فوز حماس في الانتخابات وقبولها بان تجلس معنا على طاولة المفاوضات ، فان ذلك يعني قبولها شروط الرباعية الدولية والتوقف عن كونها تنظيما ارهابيا فاننا سنعمل على مفاوضتها لاقامة الدولة ، إذ يجب على اسرائيل ان تحاور أي جهة تغير سياستها " ، وكذلك تزامنت الخطة مع التهدئة أحادية الجانب التي قامت حماس بفرضها في قطاع غزة ومع صدور عدة تصريحات لقادة بارزين فيها تشير الى عدم معارضتهم للحلول المؤقته ، فعلى سبيل المثال قال القيادي في حركة حماس مشير المصري وتعقيبا على خطة موفار بتصريح صحفي له يوم 9 نوفمبر 2009 " ان اسرائيل أيقنت الآن أنه لا يمكن تجاهل حركة حماس ، وأن الاسرائيليين يعرفون أن حماس أصبحت لاعبا أساسيا في الميدان السياسي وان اقوال موفاز وحدها لا تكفي ولكنها تستحق المتابعة ويجب الإنتقال إلى خطوات عملية " . أما فيما يتعلق باعلان "موفاز" لخطته كنوع من الدعاية الإنتخابية له عندما كان مرشحا للانتخابات الاسرائيلية ، فما يدرينا أن موفاز لا يريد الترشح لمنصب رئيس الوزراء في الانتخابات الاسرائيلية القادمة ؟!!! وما يدرينا ايضا ان موفاز بتكراره لطرح خطته انما يسعى الى تذكير حركة حماس بتصريحاته السابقه حول إمكانية ادارة التفاوض معها ضمن ترتيبات وشروط معينة اذا ما اعترفت بالدولة الاسرائيلية وتخلت عما يسمى بالارهاب ؟!!!! ما من شك أن التوقيت السياسي والامني ، الذي إختاره "موفاز" لإعادة طرح خطته ومن قلب مدينة القدس - التي لا حل لقضيتها في مشروعه التصفوي - إنما هو توقيت مثير للإستغراب والتساؤل ويحمل في طياته خبث الماكرين وكيد الحاقدين ، فشاؤول موفاز بعقليته الأمنية والعسكرية الدموية يخطط إلى مزيد من الشرذمة والتفرقة في الصف الفلسطيني ويسعى إلى إستمالة اصحاب الاجندات الفئوية والمصالح الشخصية الى شرائك خطته المدمرة ، مستغلا حالة الجمود السياسي وتعثر مسار المفاوضات ، وتردي الأوضاع الفلسطينية الداخلية بسبب الإنقسام الفلسطيني وعدم انجاز ملف المصالحة الوطنية ، وهو كغيره من القيادات الامنية والعسكرية الاسرائيلية يخطط الى إقامة اتصالات سياسية مع حركة حماس بهدف جرها الى مربع التفاوض السلمي كبديل عن منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها ابو مازن ، وبالتالي يتم تحييد حماس وإحتوائها وتفكيك بنيتها التنظيمية وأذرعها العسكرية تماما كما حصل مع حركة فتح بشكل خاص ومنظمة التحرير بشكل عام . لقد كشفت "خطة التسوية الموفازية " بنفسها عن نوايا العقلية الامنية الإسرائيلية التي يعتبر موفاز أحد أبرز صقورها ، فهي بكل وضوح جّردت اللاجئين الفلسطينيين من حقهم بالعودة الى بيوتهم التي هجّروا ورحّلوا منها ، وإستثنت بشكل متعمد أي حل لقضية القدس ولم تتطرق لا للقدس الغربية ولا للشرقية مؤكدة على الحفاظ على الوضع القائم من حيث حرية الوصول للاماكن المقدسة ، واوضحت الخطة ان المصلحة العليا هي الحفاظ على امن اسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية من خلال نزع سلاح الدولة الفلسطينية وقدراتها العسكرية وتفكيك البنية التحتية للتنظيمات والاذرع العسكرية ، والتي وصفتها الخطة (البنية التحتية للارهاب ) ، هذا عدا عن ان خطة موفاز للتسوية تتحدث بصراحه عن ابقاء الكتل الاستيطانية الكبرى مثل معالي ادوميم وعتصيون والاحياء المجاورة لمدينة القدس ومستوطنة ارئيل تحت السيادة الاسرائيلية لتشكل الحدود الشرقية لها ، كل ذلك في الوقت الذي يشكل فيه الإستيطان العقبة الكبرى والرئيسية في طريق السلام !!! . ولم تكن خطة موفاز القديمة الجديدة هي الخطة الأولى التي يتم إقتراحها من دهاليز العقلية العسكرية الإسرائيلية فقبلها كانت خطة شارون عام 2002 وخطة ايلاند عام 2006 وخطة اولمرت عام 2008 وخطة باراك بداية العام 2010 ، ولكون ان جميع هذه الخطط تحمل في طياتها حلولا مؤقته ومنقوصة فقد جوبهت بالرفض الفلسطيني ، ومن هنا فعلى موفاز ان يدرك ان اي مشروع للتسوية السلمية يستثني الثوابت الفلسطينية كالقدس واللاجئين وحق العودة والاستقلال والسيادة ، ويسعى الى ترسيخ الاستيطان ، لن يكتب له النجاح وسيكون مصيره كمصير تلك المشاريع والحلول التي دفنت في مهدها بعد ان رفضها الشعب الفلسطيني وناضل من اجل افشالها ، وان السلام الحقيقي هو السلام الذي يستجيب لحقوق الشعب الفلسطيني التي أقرتها الشرعية الدولية والاتفاقات الثنائية ومرجعيات عملية السلام والقانون الدولي . إن الظروف السياسية والأمنية التي كانت سائدة وقت إعلان "موفاز" عن خطته عام 2009 لا تختلف عن الظروف التي تسود اليوم ، فنتنياهو الذي كان يشكل – حسب وجهة نظر موفاز أنذاك - العقبة الرئيسية في إحداث أي تقدم بالعملية السلمية ، هو نفسه رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي الذي لا زال يراوغ ويماطل في احداث أي تقدم في عملية السلام ، بل على العكس تماما يعمل نتنياهوعلى تعزيز وتوسيع الاستيطان في الضفة الغربية وفي مدينة القدس ومحيطها ويصرعلى تدمير ما تم إنجازه في مسيرة المفاوضات السابقة ، فقد بات مشروع السلام برمته مهددا وعرضة للانهيار بسبب تعنت ومراوغة حكومة نتنياهو ، ولعدم وجود موقف أمريكي ودولي جدي وعملي يجبر اسرائيل على وقف ممارساتها وسياساتها الاستيطانية ويطالبها بإحترام اتفاقيات السلام والالتزام بقرارات الشرعية الدولية ، وكذلك الأمر في مسالة التهدئة العسكرية التي شرعت حماس في تنفيذها بقطاع غزة ، فهي لا زالت مستمرة ، ولم تغير حماس من سياستها في فرض هذه التهدئة – من جانب واحد- وملاحقة مطلقي الصواريخ واعتقالهم وتوجيه تهم التآمر والخيانة العظمى لهم .