رجع مدير الأمن السابق حفيظ بنهاشم، عن سن يناهز 72 سنة، إلى الواجهة بعد أن عينه الملك محمد السادس أول أمس مندوبا عاما لإدارة السجون. بنهاشم ابن وزارة الداخلية ورجل البصري الذي اشتغل تحت إمرته سنوات طويلة. تعيينه بعد خمس سنوات عجاف قضاها في منزله مهددا بالمتابعة من قبل الجنرال العنيكري، الذي كان مكلفا ب«اجتثاث» رجال البصري في مؤسسات الدولة، يبعث على التساؤل. لقد أقيل الرجل في أعقاب أحداث 16 ماي وحمل جزءا من المسؤولية عن عدم تأمين البلاد ضد «الإرهاب»، والآن يستدعى لإدارة 60 ألف سجين في سجون المملكة، وفي مقدمتهم 3000 معتقل في ملف السلفية الجهادية، أصبحوا، بعد عملية فرار تسعة منهم بطريقة هوليودية، يشكلون تحديا كبيرا للدولة... أولى الملاحظات التي يمكن إثارتها أمام قرار تعيين «رجل من العهد القديم»، حسب تصنيف رجال العهد الجديد، هي الاعتراف الضمني من قبل الدولة بفشل سياسة التشطيب على رجال البصري والحسن الثاني بجرة قلم، واعتبار مسؤولي العهد الجديد هم البديل وهم القطيعة مع الماضي... إن «الأحلام» التي كانت تراود زملاء الملك محمد السادس في فصل الدراسة، بكونهم قادرين على إحداث القطيعة مع سياسة العهد السابق ورجاله وأسلوب تفكيرهم... هذه الأحلام تكسرت على صخرة الواقع، وهذا الفشل مرده، من جهة، إلى فشل الكثيرين منهم في الانفتاح على طاقات جديدة وكفاءات تعوض خبرة الأطر السابقة، ومن جهة أخرى، فشل سياسة القطيعة مع العهد السابق راجع إلى الاقتصار على تغيير الوجوه والإبقاء على نفس السياسات. ولهذا، بعد مدة قصيرة، اتضح أن رجال العهد القديم هم الأقدر على تطبيق سياساته، ومادام منطق الدولة يجري حسابات دقيقة للربح والخسارة فإن الكفة مالت وستميل إلى رجال العهد القديم. ثانيا، استدعاء بنهاشم مؤشر قوي على اعتماد مقاربة أمنية متشددة تجاه معتقلي السلفية الجهادية، خاصة بعد فرار تسعة منهم بطريقة أهانت الدولة ومست هيبتها. عندما قال وزير العدل عبد الواحد الراضي في البرلمان إن سلطة الدولة انهارت في السجون وقع على «قرار» خروج إدارة السجون من تحت تصرف وزارة العدل، وإعطائها لجهة أمنية لها مقاربتها الخاصة، ليس فقط لإدارة السجن، بل لملف السلفية الجهادية وللراديكالية الإسلامية عموما. إدارة موجة «العنف الديني» تحتاج إلى مقاربة ثلاثية الإبعاد: سياسية، أولا، تعمل على تفكيك الألغام الاجتماعية والدينية والثقافية التي تحرك جزءا من تنظيمات السلفية الجهادية، وقانونية، ثانيا، تؤمن محاكمات عادلة للمتورطين في المس بالحياة وزعزعة الاستقرار، وأمنية، ثالثا، توفر قاعدة معلومات دقيقة لاستباق الأحداث وقطع الصلات مع الخارج وتأمين الحدود من الاختراق وضبط حركة السلاح... الدولة اليوم تعلن التشبث بالمقاربة الأمنية كحل واحد ووحيد لظاهرة معقدة تتداخل فيها اعتبارات داخلية وخارجية جد متشابكة، ولهذا دعي الشيخ بنهاشم للإشراف على شقها المتعلق بإعادة ضبط السجون وإعادة وجوه أخرى من مدرسة البصري إلى الواجهة...