كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية والنصف ظهرا حين بدأت تتقاطر على الساحة الأمامية للمحكمة الابتدائية بأكادير وفود من المشاركين في الوقفة التضامنية التي دعت إليها اللجنة المحلية للتضامن مع جريدة «المساء» أول أمس الاثنين بتنسيق مع النقابة الوطنية للصحافة المغربية فرع أكادير، ولم يكن أحد يعتقد وقتها أن هذه الوقفة الشعبية ستعرف إقبالا عفويا ولافتا لساكنة مدينة الانبعاث الذين تتقدمهم 65 هيئة سياسية ونقابية وجمعوية في تظاهرة شبهها المشاركون بمسيرة فاتح ماي، احتجاجا على الحكم الصادر بتغريم جريدة «المساء» 600 مليون سنتيم كتعويض لفائدة أربعة نواب للملك بمدينة القصر الكبير، بل كادت تتحول إلى بركان من الغضب بعد تدخل سافر لرجال الأمن الذين طلبوا من المشاركين عبر مكبرات الصوت مغادرة المكان وتفريق الوقفة تحت طائلة المتابعات والاعتقالات، قبل أن يبدؤوا عملية مصادرة اللافتات ودفع المواطنين في محاولات استفزازية قصد إيجاد مدخل يبرر استخدام الهراوة.. ارتفاع وتيرة المشاركة ورغم أن رجال الأمن طوقوا المتظاهرين بإحكام، فإن ذلك لم ينل حماس للمشاركين الذين رفعوا لافتات يعلنون فيها تضامنهم اللامشروط مع رشيد نيني، مدير جريدة «المساء». بمحاولة الدولة إخراس الصحافة المستقلة وإسكات جريدة «المساء» واستنكار واسع لخنق حرية التعبير في المغرب عبر المتابعات والمضايقات، بيانات استنكارية للهيئات المشاركة توزع على الحاضرين، مواطنون يحملون أعدادا من يومية «المساء» تضامنا رمزيا مع الجريدة، وإجماع للمتظاهرين على أن المشهد الصحافي المستقل دخل في نفق مسدود بعد أن بدأت الأحكام بالغرامات لإقفال الصحف المستقلة. كلمات المشاركين في الوقفة التضامنية كانت كثيرة لكن يبقى قاسمها المشترك واحدا ويتجلى في المطالبة الفورية بإلغاء الحكم الغريب والقاضي بتغريم «المساء» 600 مليون سنتيم، والذي اعتبروه حكما جائرا لا يرمي سوى إلى إغلاق الجريدة التي تمكنت من إعطاء قيمة مضافة للمشهد الإعلامي المغربي وللصحافة الحرة انطلاقا من قدرتها على فضح كل أعداء الوطن، كما طالبت كلمات الهيئات المشاركة بإطلاق سراح الصحفي «مصطفى حرمة الله» وإيقاف الحكم الذي لم يسبق لكل محاكم الدنيا أن شهدت له مثيلا بتوقيت الصحافي «علي المرابط» عن مزاولة المهنة لمدة 10 سنوات . نقطة التحول على الساعة الثالثة وأربعين دقيقة، طوقت فرق لقوات التدخل السريع مدخل المحكمة وحاصرت فرق أخرى من رجال الأمن والقوات العمومية الواجهة الأمامية للمتظاهرين وما هي إلا لحظات حتى تقدم رئيس الدائرة الثانية لأمن أكادير محاطا ببعض رجاله وحاملا مكبرا صوتيا في يده ليطلب من الهيئات المشاركة الانسحاب الفوري قبل أن يستعمل لغة التهديد والوعيد، وقتها لم يستطع الزميل الشيخ بلا أن يتمم تلاوة البيان الاستنكاري الذي بدأه باسم نادي الصحافة على خلفية الهجمة العنيفة التي تعرضت لها الوقفة التضامنية مع «المساء» بتزنيت، إثر ذلك، ردد المشاركون في هذه الوقفة «لا مصدر لا خبر، الصحافة في خطر»، ومجموعة أخرى من الشعارات الرامية إلى إيقاف كل أشكال المضايقات والتعسفات التي تسعى إلى النيل من مهنة الصحافة وتكسير أقلام العاملين فيها وتلجيم حرية التعبير .. تضامن شعبي بعدها بدقائق معدودات، بدأت موجة من الاحتجاجات للمتظاهرين الذين اعتبروا تدخل رجال الأمن اعتداء وقمعا لحرية التعبير، وأعلنوا تضامنهم اللامشروط واستعدادهم الكلي للانخراط في كل الأشكال النضالية دفاعا عن «المساء» التي يستهدفها هذا الهجوم الاستئصالي والذي يرمي في آخر المطاف إلى القضاء عليها كصوت إعلامي حر ومتميز. وفي هذا الاتجاه، أعرب عبد الحكيم الزهيدي، ممثل الهيئة المحلية لقوى اليسار باسم الاشتراكي الموحد، عن تضامنه الكامل مع الجريدة في محنتها مع القضاء، مشيرا إلى أن قرار منع الوقفات ينم عن وجود عقليات بائدة ويضرب في الصميم البناء الديمقراطي، مضيفا أن حرية الصحافة هي مرآة يقاس بها تقدم أية دولة في العالم، فيما جدد المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف، على لسان أيت حمد، دعمه وتضامنه المطلق مع «المساء» كمنبر للصحافة المستقلة الهادفة في المغرب، أما الجمعية المغربية لحقوق الإنسان فرع أكادير فقد استنكرت بشدة منع الوقفة التضامنية السلمية، من جانبه، عبر عبد الحق حسان، أمين الاتحاد المحلي للكنفدرالية الديمقراطية للشغل بأكادير، عن تضامنه مع الجريدة ضد المحاولات التي ترمي إلى التضييق على حرية الرأي والتعبير، مشيرا إلى أن قرار المنع إشارة قوية إلى نجاح التضامن ودليل قاطع على محنة الحريات، بالمغرب وغياب الأدوات التي يمكن عبرها حماية تلك الحريات أي قضاء مستقل ونزيه، مؤكدا أن البلد اليوم يعيش مرحلة الإجهاز على المكتسبات الحقوقية.