مع بداية هذا الأسبوع تمت المصادقة في الغرفة الثانية للبرلمان على قانون محاكمة الوزراء، وهو القانون الذي يضع السادة الوزراء في مصاف القديسين والملائكة والصديقين، بحيث أن محاكمة واحد منهم تعادل من حيث الإجراءات القانونية والفصول القضائية تعديل الدستور. بمعنى آخر سيكون من رابع المستحيلات جرجرة وزير مغربي في المحاكم، كما يحدث مع كل الوزراء في الدول الديمقراطية. وغير بعيد عنا، وبالضبط في مدريد، عندما كان البرلمانيون يصوتون على هذا القانون العجيب كانت شرطة المرور الإسبانية تحتفي بتنصيب وزيرة المساواة بطريقتها الخاصة، فعندما كانت الوزيرة «بيبيانا أيدو» تتسلم حقيبتها الوزارية في مقر وزارة المساواة، كانت شرطة المرور تضع «بروسي» على سيارتها الوزارية لأنها وضعتها في مكان مخصص للحافلات. ثمن هذه الهدية التي استقبلت بها شرطة المرور تنصيب وزيرة المساواة في حكومة ساباطيرو يصل إلى 300 أورو، مع اقتطاع نقطتين من رخصة المرور. ولم تكتف شرطة المرور بسيارة الوزيرة الجديدة، بل عاقبت أيضا سيارة نائبة رئيس الحكومة، «فيرنانديز دي لا فيغا»، وشخصيات حكومية أخرى جاءت لتحتفل بتنصيب وزيرة المساواة، فتلقوا درسا حقيقيا في المساواة عندما لم تفرق شرطة المرور بين سياراتهم التي تحمل الشارة الرسمية وبين سيارات المواطنين العاديين. إن الدرس الذي نستخلصه مما وقع عندما وافق البرلمان عندنا على قانون يجعل مسطرة مقاضاة الوزراء معقدة أو مستحيلة، وبين ما وقع في مدريد عندما عاقبت شرطة المرور سيارة وزيرة ونائبة رئيس الحكومة بسبب استغلال سيارات الوزيرتين لموقف حافلة الركاب العمومية، هو أن الديمقراطية الحقيقية هي تلك التي تجعل مصلحة المواطنين فوق كل اعتبار. فالوزير ليس شخصا فوق القانون، بل إنه يجب أن يكون أحرص الناس على تطبيق القانون. وعندما «يجتهد» المشرع لكي يجعل محاسبة الوزراء عبر القضاء أمرا مستحيلا، ويساوي في مسطرته بينه وبين تعديل الدستور أو مسطرة إسقاط الحكومة، فمن حقنا أن نشك في مدى جدية هذا القانون. ولأنه من رابع المستحيلات في المغرب أن نرى مواطنا يشتكي وزيرا ويقف معه أمام القضاء، فإن المواطنين الذين لديهم نزاعات مع بعض الوزراء ينتظرونهم في الدورة، أي بعد خروجهم من الحكومة. ولعل الحكم القضائي الذي أدان قبل أيام وزير الشؤون العامة للحكومة بتطوان رشيد الطالبي العلمي بتهمة إصدار شيك بدون رصيد، وإجباره على دفع 123 ألف درهم لصالح المشتكي، خير مثال على أن الحصانة الوزارية تنفع صاحبها في تجميد المتابعات ضده إلى حين خروجه من «دار المخزن». ولعل المثير في حالة رشيد الطالبي العلمي، الذي كانت لديه ملفات قضائية رائجة أمام المحاكم قبل أن يدخل حكومة جطو، بعضها صدرت ضده فيها أحكام نهائية تدينه، هو أن سيرته الذاتية التي قدمها حزبه للديوان الملكي لاقتراحه كوزير في الحكومة لم تتضمن هذه السوابق القضائية. فالسيد رشيد الطالبي العلمي بحكم عمله السابق كرئيس لشركة للنسيج في تطوان كان يعاني من مصاعب مالية، ولذلك كان يعطي شيكات للمتعاملين معه، ظهر أن بعضها بدون رصيد. فكان طبيعيا أن يلجأ هؤلاء المتضررون إلى القضاء، وهذا ما يفسر أن الطالبي العلمي إلى اليوم مازالت لديه أكثر من عشرة ملفات رائجة في المحاكم تتعلق بإصدار شيك بدون رصيد. وبعد دخوله حكومة جطو من باب حزب التجمع الوطني للأحرار، وضعت المحاكم الملفات التي يتابع بها الطالبي العلمي في الثلاجة. إلى أن غادر سعادته كرسيه في الحكومة فوجد نفسه قبل أيام مدانا بثلاثة أشهر سجنا مع وقف التنفيذ في ملف طارده منذ 12 سنة. وإذا كان البعض يستغرب كيف تم قبول ترشيح وزير في حكومة جطو لديه كل هذه السوابق العدلية، فإن البعض الآخر يتساءل عن مصداقية «حركة لكل الديمقراطيين» التي يوجد الطالبي العلمي من بين مؤسسيها، ويحضر إلى جانب فؤاد عالي الهمة، الأب الروحي للحركة، في كل اللقاءات التي تقعدها الحركة. إلا إذا كانت الحركة معجبة بتقنية الشيك بدون رصيد، وتريد أن تعطي المغاربة وهما بأن رصيدها السياسي المنتفخ يستطيع تغطية النقص الحاد في الأصوات الذي تعرفه صناديق الاقتراع. على العموم الأيام وحدها كفيلة بأن تبين للجميع هل حركة الهمة لديها رصيد في حساباتها السياسية فعلا أم أن حسابها «ديبيتور». وليس الوزراء في المغرب وحدهم من يصعب جرجرتهم أمام القضاء، فحتى بعض الزعماء السياسيين الخالدين يدخلون ضمن هذه الخانة. وقد رأينا كيف أن عبد الرزاق أفيلال يرفض الاستجابة لاستدعاءات القاضي المكلف بمحاكمته في قضايا الفساد المالي بالدار البيضاء، ويكتفي بإرسال شهادات طبية تثبت عدم قدرته على «الوقوف» أمام القضاء. ولعل القاضي أصبح الآن مدفوعا إلى استعمال القوة العمومية لإحضار أفيلال إلى غاية المحكمة، خصوصا بعد أن ظهر سعادته في برنامج «حوار» جالسا في الصفوف الأمامية مع الجمهور الذي جاء به شباط عمدة فاس إلى بلاطو البرنامج. لأن الرجلين اللتين أوصلتا أفيلال إلى الفندق حيث يوجد شباط وصحبه يمكن أن توصلاه إلى المحكمة حيث القاضي الذي ينتظره. ولعل واحدة من أغرب المحاكمات القضائية التي تبين بالملموس أن المتهمين ليسوا سواسية أمام القضاء، محاكمة الغالي السبتي، رئيس جمعية مطاحن المغرب، الذي يتابعه القضاء بتهمة اختلاس أموال كانت موجهة لدعم الحبوب من صندوق المقاصة. فعندما تم إلقاء القبض على أعضاء الجمعية المتهمين بالاختلاس، وحكمت عليهم المحكمة بالسجن النافذ، فر الغالي السبتي رئيس جمعية مطاحن المغرب إلى الخارج، وحكمت عليه المحكمة غيابيا بخمس عشرة سنة سجنا نافذا. وخلال سنة 2004 سيعود الغالي السبتي إلى المغرب لكي يسلم نفسه ويمثل أمام القضاء، الذي ويا للمصادفة العجيبة، سيتابعه في حالة سراح. وإلى اليوم لازالت المحكمة الموقرة لم تصدر حكمها النهائي في هذه القضية التي مر عليها أكثر من خمس سنوات. وفي الوقت الذي يتمتع فيه كل هؤلاء بالامتيازات القضائية، فمنهم من لا يحضر حتى إلى جلسات المحاكمة، ومنهم من يحضر على مضض فقط لكي يسمع التاريخ الموالي الذي تؤجل إليه جلسته المقبلة، يطالب المحامي محمد زيان، والأمين العام للحزب الليبرالي، باعتقال رشيد نيني مدير جريدة المساء، لأنه رجل مضر وجريدته مضرة كثيرا بالبلاد. كل هذا لأن هذه الجريدة المضرة بالبلاد نشرت خبرا يتعلق بوجود قضية أمام محكمة تطوان رفعها ضده كل من المواطنين طارق الحايك ومريم الحايك وخديجة شهيد يطالبون من خلالها المحكمة بإبطال عقد بيع رسم عقاري حرره زيان دون إرادة الطرف الآخر، ويطالبون المحكمة ببطلان تسجيل العقد. ويبدو أن زيان لازال يعتقد أنه يعيش في زمن الاختطافات والاعتقال بدون محاكمة. لذلك يطالب باعتقالي وإغلاق جريدة «المساء»، التي يخرج المتضامنون معها في كل أرجاء المغرب محاولين إزالة حبل المشنقة من رقبتها. والواقع أن الذين كانوا يتساءلون خلال الحملة الانتخابية الأخيرة حائرين حول جدية الشعار الذي رفعه حزب زيان الليبرالي، والذي كان يقول بأنه سيحل مشاكل المغرب في عشرة أيام، سيفهمون اليوم فلسفة هذا الشعار. والحمد لله أن حزب زيان خرج خاوي الوفاض من الانتخابات، ولو أنه نجح في الصعود إلى الحكومة لاقترح منذ العشرة أيام الأولى إغلاق جميع الصحف المستقلة بعد إغراقها بالغرامات وإرسال مديريها إلى السجن. مثلما صنع عندما رافع لصالح الحكومة وأرسل نوبير الأموي بسنتين سجنا لمجرد أنه انتقد هذه الحكومة غير الموقرة في جريدة إسبانية. أو عندما أرسل أبو بكر الجامعي إلى أمريكا بعد أن ربح قضية الحكم عليه بثلاثمائة مليون لصالح معهد دراسات بلجيكي لا أحد سمع به من قبل. والحقيقة أن زيان عندما يقول أنني مضر وأن جريدة «المساء» مضرة بالبلاد لا يجانب الصواب. فأنا مضر لأمثاله، وجريدة «المساء» مضرة للبلاد التي لازالت بقايا أوفقير والبصري تعتقد أن لها فيها موطئ قدم. لقد انتهى زمن «بوخنشة» يا عزيزي زيان، ذلك الزمن الذي كنت في عز جبروته وزيرا لحقوق الإنسان. المغرب الذي تنتمي إليه ليس بالضرورة هو المغرب الذي نحلم به. ولذلك فأنا سعيد لأنني مضر إلى هذه الدرجة، وأن «المساء» مضرة بالبلاد التي يعتقد البعض أنها إقطاعية ورثها عن أجداده. وعلى رأي المغاربة «اللي ماعجبناه نفقصوه».