حذر الدكتور فيني خورانا من أضرار الاستعمال المكثف للهاتف النقال في دراسة نشرتها حديثا وسائل الإعلام البريطانية. وليست هذه أول مرة نسمع فيها عن دراسة مثل هذه، لكن ما يعطي للخبر أهمية هذه المرة هو كون هذا الدكتور المتخصص في طب الدماغ والأعصاب بروفيسورا مرموقا حصل، خلال ست عشرة سنة من الأبحاث العلمية، على أربع عشرة جائزة عالمية، ونشر أكثر من اثني عشر بحثا وأشرف على أكثر من مائة بحث أكاديمي حول الآثار المحتملة للهواتف النقالة. وهذا ما جعل الدكتور خورانا يقول: «نعتقد أن هذا الجهاز، من خلال استعماله اليومي، يشكل خطرا على الصحة العمومية أكثر من ذلك الذي تشكله السجائر، لأنه قد يؤدي إلى تشكل أورام في الجهاز العصبي. هذه الأخطار تعنينا جميعا خاصة الصغار منا، الأطفال». في الوقت نفسه يلاحظ أن هذه الدراسة ليست جازمة وحاسمة، لأن الدكتور خورانا استعمل ألفاظا مثل «نعتقد» و»قد يؤدي» أي أنه ليست هناك نتائج حاسمة. وهناك دراسة أخرى أجريت على فئران نشرتها مجلة «أبحاث الدماغ» الأمريكية، حيث تم تعريض مجموعة أولى من الفئران لمدة اثنتي عشرة ساعة يوميا على مدى ثلاثين يوما للحقل المغناطيسي للموجات التي يصدرها الهاتف النقال، فكانت النتيجة ارتفاعا في الضغط الأوكسيدي على مستوى الخلايا العصبية لدى هذه الفئران، مما أدى إلى انخفاض في مستويات بعض الأنزيمات والفيتامينات المهمة للجسم والتأثير على العملية الاستقلابية الهامة لاستمرار الخلية. وأما المجموعة الثانية من الفئران التي لم تتعرض لذلك الحقل المغناطيسي فلم تسجل عليها أية أعراض غير عادية. مع ذلك فإنه من الملاحظ استعمال الدكتور البريطاني لشرط «الاستعمال المكثف للهاتف النقال»، وهنا يطرح سؤال وجيه: متى يصبح استعمال الهاتف مكثفا؟ وهل هناك مدة زمنية قصوى لا يجب تجاوزها في الاستعمال اليومي للهاتف؟ أم إن المقصود بالاستعمال المكثف هو استعمال الهاتف النقال طوال سنوات بصفة منتظمة؟ من جهة أخرى هل ما ينطبق على الفئران يمكن أن ينطبق أيضا على الإنسان في حالة تأثير الهاتف النقال؟ مثل هذه التصريحات التي يدلي بها العلماء الباحثون لا تفتأ تثير القلق بين المواطنين، وآخر مظاهر هذا القلق على صحة الإنسان، إزاء الأشعة المغناطيسية التي بفضلها يؤدي الهاتف النقال دوره، مظاهرة حاشدة قام بها سكان أحد أحياء الدارالبيضاء للتعبير عن رفضهم لأن ينصب أحد جيرانهم محطة قاعدية لبث ترددات الحقل المغناطيسي لشبكة الهاتف النقال التابعة لإحدى الشركات الفاعلة في هذا المجال بالمغرب. البعض يقلل من قيمة مثل هذه الاحتجاجات، ويسميها مزايدات، وذلك نظرا لأن الشخص الذي تنصب المحطة القاعدية لبث ترددات أي شبكة هواتف نقالة على سطح منزله يتقاضى تعويضا عن ذلك، وبالتالي فإنها تصبح وسيلة للكسب المادي يرغب بعض الجيران في الاستفادة منها مثلهم مثل صاحب السطح الذي تنتصب فوقه المحطة القاعدية للبث الإشعاعي، في حين أن البعض الآخر من الجيران يرفض الأمر لأن لديه فعلا تخوفا من الأضرار الصحية التي قد تنجم عن تلك الترددات المغناطيسية، وهي الأضرار التي لم تتأكد بعد كما لم تنف بشكل قاطع. للمزيد من المعلومات في هذا الشأن، اتصلنا بالوكالة الوطنية لتقنين المواصلات في المغرب، فأكد لنا مصدر متخصص من داخل الوكالة «أن الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات بتعاون مع وزارة الصحة أصدرت نصا قانونيا يؤكد أن المغرب يعمل طبق المستويات المرجعية المعمول بها عالميا في مجال الحقول المغناطيسية لأي أجهزة إرسال راديو أو هاتف نقال، وهي المعايير التي نصت عليها المنظمة العالمية للصحة»، مؤكدا أن زيارات المراقبة التقنية المفاجئة التي تقوم بها الوكالة أثبتت أن «جميع الفاعلين في مجال شبكات الهاتف النقال بالمغرب يحترمون مستويات الترددات المنصوص عليها، والتي لا يشكل العمل في ظلها أي خطر على صحة الإنسان». وعن مدى تأثير مثل هذه الدراسات التي تصدر بين الفينة والأخرى لكونها تزعزع ثقة الموطنين في استعمال الهاتف النقال الذي أصبح من ضروريات حياتهم اليومية أكد حسن بوشاشية، مسؤول التواصل بإحدى شركات الهاتف النقال بالمغرب: «الدراسات التي تصدر بين الفينة والأخرى ليست مؤكدة النتائج بل إنها تتناقض مع بعضها البعض، ولكن إذا ثبتت دقة ومصداقية هذه الدراسات فإنه لا يمكننا إلا أن نكون حذرين لأن صحة المواطنين هي ما يهمنا بالمقام الأول أكثر من أي شيء آخر». ولم يفت المسؤول أن يتساءل: «ماذا نقصد بالاستعمال المكثف للهاتف النقال؟ إذا كان الأمر يتعلق بمدة استعمال الهاتف فيجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنه إذا كان المواطن في بريطانيا يستعمل هاتفه النقال أكثر من عشر ساعات في اليوم فإن المواطن المغربي قد لا يستعمله أكثر من ساعة أو أقل في اليوم»، وأضاف: «من جهة أخرى، نحن نخضع لمعايير الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات «أ إن إر تي»، والتي يأتي ممثلوها بشكل دوري لمراقبة مدى التزامنا بالترددات وموجات البث في شبكتنا، وتأكدت عدة مرات من أننا نعمل في إطار المعايير الدولية لشبكات الهاتف النقال». وبما أنه لم تظهر إلى حدة الآن ولو حالة واحدة لمواطنين أصيبوا بأورام أو حتى اضطرابات على مستوى جهازهم العصبي بسبب استعمال الهاتف النقال أو بسبب إقامتهم قرب محطة قاعدية لبث الحقل المغناطيسي لشبكة الهاتف النقال فإنه يصعب الحديث عن أضرار الهاتف النقال لأن هناك عدة أطراف فاعلة في هذه القضية ينطق كل منها دفاعا عن مصالحه الخاصة.