بلغ حجم الواردات النفطية للمغرب في بداية العام الجاري 3 ملايير درهم، بزيادة 30 في المائة عن نفس الفترة للسنة الماضية، ويرى خبراء أن الحاجيات النفطية للمغرب مرشحة للارتفاع في أفق الأعوام القليلة المقبلة لتبلغ سقفا أعلى، من شأنه أن يقلب التوازنات الاقتصادية والاجتماعية ويفرض تحديات أكبر، كما من شأنه أن يثقل كاهل المستهلك في المغرب بسبب انعكاسات ارتفاع سعر البترول على السلع والمواد الاستهلاكية، وتوقعت دراسة رسمية أن يتضاعف حجم الطلب المغربي على الطاقة خلال عام 2030 أربع مرات عن الوقت الحالي. وربط هؤلاء بين ارتفاع الأسعار الذي يشهده السوق المغربي وبين ارتفاع سعر برميل البترول الذي بلغ 101 دولارا. ويوجد المغرب أمام ثلاثة سيناريوهات في أفق عام 2030 لتأمين حاجياته من الطاقة، في ظل تزايد الطلب العالمي على النفط الذي ازداد بنسبة 60 في المائة في الفترة من 2002 إلى 2007 فقط. السيناريو الأول هو بقاء الوضع على ما هو عليه في الوقت الحالي، واتباع وتيرة السوق العالمي بما يعنيه من خضوع لإكراهاتها، والثاني يرتكز على تحقيق اندماج مغاربي على أسس جديدة بما يحقق التكامل بين بلدان المغرب العربي، وتوسيع التبادل الحر مع بلدان شمال الأطلسي وتقوية مجموعة 5+5 التي تتشكل من بلدان المغرب العربي الخمسة والدول الأوروبية المشاطئة للمتوسط، بينما يقوم السيناريو الثالث على الاختيار الإرادي لتوفير الطاقة محليا للتحرر نسبيا من الضغط الخارجي. وبينما يبدو الخيار الأول مستبعدا، بالنظر لتأثيراته المباشرة على الاقتصاد الوطني، ويبقى الخيار الثاني رهين إرادات سياسية لا يظهر أنها متوفرة اليوم، يظل السيناريو الثالث هو الأوفر حظا لضمان استقلالية نسبية للمغرب عن إكراهات السوق الدولية، إلا أنه هو الآخر رهين بتوفر الإرادة السياسية لدى الدولة. وقال خبراء وسياسيون، شاركوا السبت الماضي في اليوم الدراسي الذي أقامه الفريق الحركي بمجلسي النواب والمستشارين حول الطاقة في المغرب، إن الدولة لم تحسم بعد في خياراتها تجاه إقامة مفاعلات نووية مدنية لتوليد الطاقة، بسبب غياب الإرادة السياسية، الأمر الذي يعكسه تناقض التصريحات بين مسؤول حكومي وآخر في القطاع خلال الحكومات الثلاث المتعاقبة، ودعوا إلى حوار وطني حول قضية الطاقة التي باتت تهم الجميع. وكشف جميل البردعي، الخبير المغربي بالمندوبية السامية للتخطيط التي وضعت دراسة حول مستقبل الطاقة في المغرب في أفق عام 2030، في تصريحات ل«المساء»، أن المغرب لم يحسم بعد في خياره النووي، رغم توفره لمدة أعوام على مفاعل تجريبي بالمركز الوطني للطاقة والعلوم والتقنيات النووية في المعمورة، وقال إن هناك منافسة قوية من قبل الولاياتالمتحدة، التي ساهمت في إقامة المركز المشار إليه، وفرنسا التي تسعى إلى عقد اتفاقية مع المغرب لإقامة مشروع نووي فيه، في إطار سعي نيكولا ساركوزي إلى ترويج برامجها النووية في منطقة المغرب العربي، كما فعلت مع تونسوالجزائر، مضيفا أن هناك تكنولوجيات كثيرة في العام يتعين على المغرب أن يختار واحدة منها لإقامة مشروعه النووي، كالتكنولوجيا الفرنسية والألمانية والأمريكية والروسية واليابانية، كل واحدة منها تختلف عن الأخرى من حيث الجودة وضمانات السلامة والخبرة. ويتوفر المغرب حاليا على مفاعل نووي ينعت بالتجريبي، من صنع الشركة الأمريكية «جينرال أتوميك»، كان المغرب قد اقتناه في إطار اتفاق أبرم سنة 1980 بين المغرب والولاياتالمتحدةالأمريكية، بقيمة مالية بلغت حوالي 900 مليون درهم، 40 في المائة منها تمثل قروضا من الولاياتالمتحدةوفرنسا. إلا أن المغرب منذ ذلك الوقت التزم بعدم الوضوح في خياره النووي السلمي، في الوقت الذي سارت فيه الجزائر أبعد من ذلك في مشروعها النووي منذ الاستقلال في ستينيات القرن الماضي. وفي عام 2005 صادق المغرب على القرار المشترك المتعلق بالنفايات المشعة للمركز الوطني للدراسات النووية بالمعمورة، وفي عام 2006 أصدر قرارا يقضي بالترخيص للمركز بإقامة تجارب بدء تشغيل المنشآت النووية للمركز، وخلال عامي 2006 و2007 قامت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراقبة مفاعل المركز للتأكد من مطابقته للمعايير المعمول بها دوليا. وفي شهر مارس من العام الماضي زار المغرب وفد يمثل شركة «أطوم سروييكسبورت» الروسية للطاقة للتفاوض مع المسؤولين المغاربة حول عرض لإنشاء مركز نووي بالمغرب، بعدما أعلنت الحكومة المغربية عن فتح عروض دولية لبناء محطة نووية لإنتاج الطاقة، غير أن الحديث عن تلك المحطة، التي قيل إنها ستقام على المحيط الأطلسي بين الصويرة وآسفي، أثار مخاوف إسبانيا، فقدمت مدريد بدورها عرضا للمغرب بمساعدته على إقامة مركز نووي سلمي بضمانات أكثر للسلامة، قبل أن تدخل فرنسا على الخط في أكتوبر الماضي لدى زيارة نيكولا ساركوزي للمغرب وتقديمه عرضا فرنسيا جديدا للمغرب بخصوص نفس الموضوع.