يعتقد البعض أن الحزام البشري المحيط بالملعب والمكون من مجموعة من الأطفال هو مجرد أثاث للمباراة، كاللوحات الإشهارية وكرسي البدلاء وغير ذلك من أكسسوارات المواجهات الكروية. والبعض الآخر ينظر لفئة جامعي الكرة التي تتعقب القذفات الطائشة كخدام طبيعيين ينوبون عن اللاعبين في ملاحقة الكرة في جنبات الملعب ومكافحة كل أشكال التأخير التلقائي أو المقصود. لكن جامعي الكرات ليسوا مجرد خدام بيوت أو ملاعب الكرة، إنهم جزء من الفرجة لهم دور قد يبدو ثانويا، لكنه طرف حاضر في المعادلة الكروية. في مباراة الوداد ضد الدفاع الجديدي أشهر حكم اللقاء مشمور بطاقة حمراء في وجه شاب من هيئة جامعي الكرات بعد أن اشتكى لاعب جديدي من مماطلته وإجراره على محاورة الكرة قبل إعادتها إلى الملعب، ولم يكتف الحكم بطرد المشتكى به بل عمم القرار على 20 طفلا كانوا يحتلون مواقع حول محيط الملعب وهم في حالة تعبئة قصوى. أكمل مشمور المباراة وفضل اللاعبون مطاردة الكرات الطائشة هنا وهناك مع ما يترتب عن هذا الوضع من جهد إضافي ووقت ضائع. لو سألنا الكثير من اللاعبين الدوليين عن علاقاتهم الأولى بالملاعب الكبرى لوقفنا على أهمية هذه المحطة في حياة الناشئين، كان تعيين لاعب ناشئ في مهمة جمع الكرات أشبه بالحلم لدى العديد من الأطفال، ففي اليوم الموعود يستغلون الفرحة لمداعبة الكرة فوق العشب والارتماء في المرمى الفارغة والتقاط صورة مع نجم... قال الحداوي وهو يحكي سيرته الذاتية ل«المساء» إنه كان يراقب وهو يجمع الكرات كيف يسدد اللاعب فرس قذفاته، كيف يصنع الثنائيات مع عسيلة، وخلف المرمى تلقى الحداوي دروسا إضافة في المهارات لم يتلقاها في الحصص التدريبية. جمع الكرات ليس خدمة مجانية يقوم بها الأطفال لفائدة الكبار، بل هي فصل تطبيقي لكثير من الأقدام الفنية التي تستغل فترة ما بين الشوطين لعرض مهاراتها وامتلاك مساحة من الحلم لكن بعض المسؤولين سامحهم الله يلقنون لهذه الفئة من الأطفال دروسا معكوسة في الروح الرياضية، حين يضعونهم في حالة استنفار حين يكون الفريق الضعيف يلهث خلف الانتصار، ويدعونهم للانسحاب بمجرد تسجيل هدف في مرمى الخصم، وهو سلوك يغرس في الطفل نزعة البغضاء والكراهية تجاه الآخر ويقوي الاعتقاد بأن الغاية تبرر الوسيلة. في كثير من المباريات التي جمعت أنديتنا ومنتخباتنا بخصوم من القارة السمراء، تناط بجامعي الكرات مهام أخرى، من قبيل السطو على تعاويذ يدفنها أفارقة في المرمى والتبول على كل ما يمت للشعوذة بصلة فيما يشبه لعبة القط والفأر مع حارس مؤمن ضد الأهداف. دعوة للالتفات لهذه الفئة بمنحها أبسط شروط العمل من نقل ولباس ومأكل، بذل التعامل معها كقطيع يساق إلى الملاعب لجمع الكرات في زمن يجمع فيه المسيرون الثروات.