العداء الذي وسم علاقات الحسن الثاني بالرئيس الجزائري أحمد بنبلة يعود إلى ما قبل استقلال الجارة الشرقية. فرغم أن أول لقاء جمع بين الرجلين بالرباط عشية سفر بنبلة نحو باريس، وهو السفر الذي اختطفت فيه طائرته. ورغم أن الحسن الثاني كان أول رئيس دولة يزور الجزائر بعد استقلالها، استقبل خلاله استقبالا وصفه بالرائع، حيث قال بنبلة خلاله : «هناك فعلا مشكل، خصوصا في ما يرجع لتندوف» غير أن الحسن الثاني كان يرى أن بنبلة في «وضع سياسي غير مستقر. لقد كانت الجزائر ما زالت تغلي... ثم إنني نزلت ضيفا عليه في الجزائر العاصمة، وليس من عادتي إحراج مضيفي». «قد يكون الحسن الثاني أي شيء إلا أن يكون ساذجا» يقول مصطفى السحيمي، فالراحل كان يحترم أخلاقيات في الحكم ويحترم مسؤولياته. مما يفسر إمعان الحسن الثاني في مجاراة بنبلة في تلكئه وتماطله في مناقشة الملفات الحساسة للحدود. وسعيه إلى جره إلى تجاوز سريع لتلك الخلافات الترابية إلى وحدة مغاربية لا تنتظر تفعيل المشروع الناصري. ليصل الرجلان إلى مرحلة اللاعودة ويعلن بنبلة : «... نحن لسنا خائفين من جنود الحسن الثاني المتواجدين على بعد 100 متر من حدودنا. لن نسمح باحتلال بلادنا» في رد على تحرك الجيش المغربي لدفع قوات الجزائر عن موقع حاسي بيضا المغربي. في ذات الآن كانت الجزائر تنزلق إلى حرب أهلية ونزعات انفصالية خاصة بمنطقة القبايل. ف«كانت محتاجة إلى إعادة انبعاث الشعور الوطني لاحتواء القلاقل الداخلية وضعف الدولة داخليا» يقول السحيمي، لتندلع المواجهة الأولى بين البلدين المستقلين حديثا. «تقع مسؤولية ذلك كلية على عاتق بنبلة لأنه أصر على أنه محق والحال أنه مخطئ. بتأكيده أن مركز حاسي بيضا الواقع على الحدود وموضوع النزاع، من تراب الجزائر وليس من تراب المغرب» يقول الملك الراحل. حاول جمال عبد الناصر خلال قمة القاهرة في 1965 مصالحة الرجلين، فلم يتبادلا الكلام، وأخذ كل منهما يخاطب عبد الناصر مديرا ظهره للآخر. فبنبلة برأي الحسن الثاني كان «...دائم الغضب وسليط اللسان. ومع أنني لم أقل كلمة سوء في حقه، إلا أنه تهجم على أسرتي بدءا بمولاي إسماعيل وانتهاء بوالدي، في خطابه الشهير الذي ألقاه في منتدى الجزائر العاصمة عشية النداء الذي وجهه للسكان من أجل التعبئة العامة... ما زالت تحضرني صورة والدة بنبلة حينما كانت هنا في القصر مع والدي وأمي ومعي بعد مدة وجيزة من اختفاء ابنها. لقد كانت تذرف الدموع، وكانت أمي وأبي كذلك يواسيانها... ومع هذا زعم بنبلة أن محمد الخامس خانه». بل إن بنبلة اتهم الحسن الثاني مباشرة بالضلوع في حادث اختطاف طائرته، فيما ظل الملك في قرارة نفسه متضايقا من اضطراره إلى التعامل مع «عريف» بسيط لا يرقى إلى صراع الكبار الذي كان الملك يعشقه. وبقي على إيمانه الدائم، حسب السحيمي، بأن الجزائر تستحق قيادة أفضل مما تنتجه على الدوام.