وجدت فرنسا نفسها هذه الأيام تُعاود تأهبها الصحي الذي أحرجها صيف سنة 2003 بعد موجة الحر التي اجتاحت البلاد وفضحت هشاشة الآلة الصحية الفرنسية، تماما كما أخرج فيرُوس سُعار يعود لكلب مغربي كل الترسانة الوقائية الفرنسية من ظلها بعدما كانت في الظل تنظر إلى داء الكلب على أنه من مخلفات الماضي السحيق، الذي تغلبت عليه العبقرية الفرنسية منذ نهاية القرن 19 لما اكتشف عالم الأحياء والكمياء الفرنسي، لوي باستور، اللقاح المضاد لفيرُوس السُعار. في فرنسا هذه الأيام فيرُوس سُعار مغربي ينتقل بين شرايين وأعصاب المئات من الكلاب، كأنه يقول للفرنسيين: «حتى وإن اخترعتم اللقاح، قدرُنا أن ننقل إليكم العدوى»، وهو ما دفع وزارة الصحة الفرنسية إلى أن تطلق أول أمس السبت حملة محلية واسعة لتلقيح الأطفال في المدارس القريبة من مكان انتشار الفيروس، بحسب ما أعلنت عنه وكالة الأنباء الفرنسية . فقد أدت عضة كلب لطفلة فرنسية عمرها 12 سنة الى إعادة إحياء ما ظن باستور أنه أنهاه بلقاحه العجيب، حيث كشفت تحريات المصالح الصحية الفرنسية أن الكلب أخذ العدوى من كلب آخر، وأن الأخير جلبها معه من المغرب لما كان مرافقا لصاحبه في زيارة سياحية، فيما مكنت التشريحات الطبية والبيطرية المجراة على جثث الكلاب المسعورة إلى نتيجة تفيد بحملها «فيروس سعار من أصل مغربي»، حسب ما أعلنت عنه رسميا وزارة الصحة الفرنسية ونظيرتها في الفلاحة. إلا أن الجديد في هذا الحادث هو أن فرنسا التي كانت سباقة في نهاية القرن التاسع عشر إلى اكتشاف لقاح مضاد لداء الكلب على يد العالم باستور، انتظرت 113 سنة على وفاة هذا الأخير لتفيد العالم والعلماء أنها استطاعت، ليس فقط تلقيح مواطنيها ضد السعار، ولكن أيضا معرفة الأصول العائلية لهذا الفيروس وتحدد، بعد تشريح جثث الكلاب المسعورة، هل هو فيروس سعار مغربي أو أفغاني أو حتى ياباني. مدير عام قطاع الصحة بوزارة الصحة الفرنسية، ديديي أوسان، اعترف في تصريحات صحفية بأن هناك «ما بين 150 حتى 200 شخص تبين أنهم كانوا على صلة مباشرة بالكلاب المسعورة التي تم قتلها من قبل المصالح الصحية»، في وقت أعلن فيه رسميا عن إنشاء خلية أزمة لمتابعة الوضع ببلدية منطقة « سين إي مارن» الفرنسية، التي وضعت برنامج لقاحات مستعجلة استهدفت المئات من أطفال المدارس والعجزة والحوامل، بجانب إطلاقها رقما أخضر للتدخلات الطبية والاستشارة، كما أنها أصدرت أمرا بحظر التجول على الكلاب التي لا تكون مرفوقة بأصحابها. فرنسا التي أفادت البشرية بنتائج مختبرات علمائها منذ عصر النهضة، تُعلمنا اليوم أن للفيروس جنسية ووطنا، وربما حتى بطاقة هوية ورقم هاتف نقال وزوجة وعملا وحسابا بنكيا، ولا غرابة أن ترسل وزارة العدل الفرنسية طلبا بالإنابة القضائية إلى الرباط للتحقيق مع الكلب المغربي المشتبه حمله للفيروس، أو حتى طلب تسليمه ليحاكم في محاكم حفدة الأب باستور!!