على مدى البصر ما بين منطقة بير كندوز والكركارات، آخر نقطة حدودية تفصل الصحراء المغربية عن موريتانيا، تنتشر أعشاب الصحراء والرمل ورائحة البحر والسمك الطري. بين الرمل والرمل رمل آخر، ولا يبدو البحر مستعجلا كثيرا وهو يتقدم ليلتقم الصحراء لقمة لقمة، فالزمن هنا بطيء جدا، والمكان لا يخضع لأي ناموس. تبعد امهيريز بنحو 300 كيلومتر عن الداخلة جنوبا، وتشكل وسط قفر الصحراء واحة صنعها الإنسان طوبة طوبة وبهدوء كهدوء الصحراء ذاتها. لا يتعدى عدد سكان المنطقة بضعة أفراد تنتشر مساكنهم هنا وهناك قريبا من بعضها، ويوجد بها فندق بسيط لاستقبال المسافرين العابرين من وإلى الصحراء، ومحطة وقود صغيرة للتموين، ثم لا شيء بعد ذلك سوى الصحراء. وعندما تصعد على الهيلوكوبتر في الطريق إليها يمكنك أن ترى البحر وهو يزدرد الرمال ويصنع بداخلها خليجا رائعا يدعى خليج الداخلة. لكن الناس هنا يعانون من شيء اسمه «مرض الصحراء»، وهو مرض جميل غير معد، إذ يقول مسؤول هنا إنهم وجدوا صعوبة في إقناع السكان بالاستقرار في البلدة وتدريس أبنائهم في المدرسة الوحيدة بها مقابل الاستفادة من السكن. ما إن يتسلم الواحد منهم مفاتيح بيته حتى يعود إلى إغلاقه وإخلاء البلدة متوجها إلى الصحراء للعيش فيها حرا طليقا كالغزال، فهذه المنطقة هي أيضا واحة الغزلان، ويقول متحدث ل«المساء» وهو يرمق الصحراء بعينيه «حتى لو جاءت الأنتربول فإن الناس ستصيد الغزلان، العلاقة بينهم وبين الغزلان علاقة تجاذب». أكثر ما يثير الاستغراب، وربما الإعجاب، هو مشاهدة أجانب بهرتهم الصحراء فاختاروا ركوب المغامرة على متن سيارات رباعية الدفع، تحمل في الغالب لوحات موريتانية زرقاء اللون. يأتي هؤلاء إلى فندق امهيريز البسيط ويجلسون على المقهى المطل على الصحراء لكي يملأوا عيونهم بمناظر الرمال وشساعة الدنيا وصفاء السماء والسكون المديد الذي لا يخرقه سوى صوت سيارة عابرة من بعيد بين الحين والآخر. غير بعيد عن هذا المكان توجد المنطقة التي يطلق عليها السكان اسم «قندهار». إنها المنطقة الواقعة بين كركارات وموريتانيا الخالية من أي نظام أمني، والتي يستطيع المرء أن يجد بها كل شيء يريده، من السيارات المسروقة إلى شتى أنواع المخدرات والأسلحة التي تباع في السوق السوداء، إلى الوثائق المزورة والعملات. وأصبحت تشكل خطرا حقيقيا على أمن المنطقة كلها، ومنبعا لتسرب الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية في الساحل الإفريقي، ففيها يلتقي الناس من جميع الأجناس والألوان، ويعقدون تحالفات في ما بينهم أو يتفقون على صفقات مشبوهة، إنها منطقة حرة لا تخضع لأي قانون. ومنذ مقتل عابرين أجانب في موريتانيا والعمليات الأخيرة تراجع تدفق المسافرين على امهيريز، ويقول عامل يشتغل في فندق هذه الأخيرة إن تلك الأحداث أثرت بشكل كبير على حركة الفندق في الشهور الأخيرة. مع ذلك بدأ مسؤولو الفندق في عملية إصلاح لتوسيعه وبناء طابق ثالث، ما يعني أن الحركة السياحية هنا مرشحة لأن تشهد اتساعا أكبر. ولأن لكل مكان أساطيره التي يحتفظ بها المقيمون فيه، يقول أهل المنطقة هنا إن النزاع على الصحراء بين المغرب والبوليساريو قديم. فقبل نحو ثلاثة قرون تنبأ أحد أولياء المنطقة، ويدعى الشيخ محمد المامي الذي يوجد ضريحه في منطقة (أيك) بأوسرد، بنشأة تنظيم سيدعى البوليساريو وبحرب بينه وبين الدولة المغربية. لا زال الناس هنا يتناقلون هذه الأسطورة التي تصور عمق ارتباط الصحراويين بأرضهم ووطنهم، في ما هم يترددون على زاوية الشيخ المامي بالداخلة. امهيريز (قرب الحدود الموريتانية)