على بعد 32 كيلومترا شرق أكادير، يستلذ المسافرون أطباق الطاجين بسيدي بيبي الذي تبرع مطاعمه في إعداده وتقديمه للوافدين الذين لا يفوتون محطة التوقف بهذه الجماعة القروية التي تضررت بشكل كبير من الجفاف. منذ سنة 2000، شرعت السلطات المحلية في اجتثاث غابة الأوكاليبتوس القريبة من الجماعة التي تجاوز عمرها 50 سنة والممتدة على عشرات الهكتارات لإقامة مشاريع سكنية ومنشآت صناعية ترتبت عنها، حسب شهادات السكان الذين التقتهم «المساء»، ظاهرة التصحر. عمد الفلاحون قبل عشرات السنوات إلى قطع أشجار الأركان وتعويضها بالطماطم، حيث تغيب استراتيجية بيئية، حسب الفاعلين الجمعويين، بعد الشروع في بناء مصنع للغاز الطبيعي ..اندثار الغابة ولد مشكل أراضي الجموع، حيث يخشى سكان الدواوير أن يتم تنقيلهم نحو مناطق أبعد، ويحكي البعض عن توفر أحد الفلاحين على عقد ملك أرض تعود إلى عهد المولى الحسن الأول، قايضها أجداده بالذهب والفضة ليحصلوا من السلطان على الأرض. تجمعت عشر نسوة رفقة أطفالهن للاتفاق على ترتيبات الوقفة الاحتجاجية التي يعتزمون تنظيمها الأسبوع المقبل أمام وكالة المكتب الوطني للماء الصالح للشرب. «ندفع ثمن فواتير دون أن يصلنا الماء، تتوالى الانقطاعات منذ أشهر دون أن يتم إيجاد حل لهذا المشكل»، تحتج بغضب إحدى السيدات التي دعتها مرافقتها وهي تحمل سطلين إلى الإسراع لجلب الماء لتفادي الوقوف في الطابور طويلا.. بدوار «درايد» ارتأت الجمعية الوحيدة التي تنشط فيها تزويد الساكنة التي يتجاوز عددها 2000 نسمة بالماء الشروب. اقتنى منخرطو جمعية المستقبل درايد محركات ميكانيكية وشبكة القنوات بعد حفر بئر يبلغ عمقه 65 مترا تتم معالجته بماء جافيل ويصل الماء إلى صنابير المشتركين الذين يدفعون الفاتورة كل شهرين للعون المالي للجمعية والمسؤول عن العدادات. يعلق محمد، أحد أبناء الدوار ساخرا:«قبل 1993 لم نكن نتوفر لا على الماء ولا على الكهرباء، أعتقد لو لم نتحرك لمواجهة الأمر لاستمر الوضع على ما هو عليه. لا أدري لماذا يتعامل المسؤولون هنا مع الجمعية وكأنها ضرة شابة تنافسهم؟». تصادفت زيارة «المساء» مع حملة طبية للعيون استفاد منها 800 شخص بتعاون مع جمعية التنوير للبصريات بفاس التي اختارت المنطقة بسبب تواجد مركز صحي واحد يغطي 14 دوارا موزعين في الجماعة يجعلهم مضطرين لدفع 100 درهم لسيارة الإسعاف لنقل المرضى بشكل مستعجل إلى مستشفى انزكان.. بالدوار المجاور أحشاش، اعتمدت جمعية الانبعاث على نفس المبدإ لتوفير الماء الصالح للشرب لسكان الدوار وإدخال الكهرباء إلى البيوت بنسبة 50 في المئة بشراكة مع المكتب الوطني للكهرباء، «نقوم إلى جانب ذلك بحملات النظافة وجمع الأزبال بشكل يومي، تعاون معنا الصندوق الكندي للتنمية ومنظمة أوكسفام الدولية. يمكن أن تنضب الفرشة الباطنية في أي وقت، عندها قد تتسرب مياه البحر وتصبح الوضعية كارثية»، يعترف الحسين العواد رئيس الجمعية، ويتابع مبتسما:«منطقة سوس معروفة بالتكافل الاجتماعي، ما نستغرب له هو أن المنتخبين يضعون أمامنا العراقيل ولا يساعدوننا ويغارون من طريقة تسييرنا لخدمات السكان، يصعب إعطاء تفسير للأمر».