قال محمد الأزهر، أستاذ علم الإجرام بكلية الحقوق بالمحمدية، إن الجنس عبر الهاتف لا ينحصر فقط في إطار الإثارة الشبقية عن طريق تبادل الكلام المثير جنسيا من أجل تفريغ الكبت والتعويض عن الحرمان من اللقاء الفعلي والواقعي مع الجنس الآخر، وأضاف الأزهر في حديث ل«المساء» أن الكثير من الصحف لا تستحيي من الإعلان عن ذلك، فيمكن اعتبارها في عداد المشاركين في هذا النوع من الجرائم. مشيرا إلى فصول من القانون الجنائي ومن قانون الصحافة تعاقب على ذلك. - هل ثمة فصل في القوانين المغربية يمنع نشر الإعلانات عن خدمات ذات صبغة بورنوغرافية أو منافية للآداب العامة؟ < أولا، أود أن أبين أن الجنس عبر الهاتف لا ينحصر فقط في إطار الإثارة الشبقية عن طريق تبادل الكلام المثير جنسيا من أجل تفريغ الكبت والتعويض عن الحرمان من اللقاء الفعلي والواقعي مع الجنس الآخر، بل يمتد كذلك إلى التلذذ وتحقيق شهوة الجنس عن طريق السب والقذف والكلام الفاحش من المرأة إلى الرجل أو العكس، وهو نوع من الانحراف الجنسي أي استجداء اللذة عن طريق الهاتف بالصوت فقط دون رؤية المخاطب. وللأسف نجد مثل هذه الإعلانات وأرقام هواتفها في عدد من الصحف المغربية تحت شعارات مثل: تحدث إلى صديق، اسمع آخر نكتة، التفاؤل شعارنا، اسمع الكلام الجميل، وغيرها من العناوين. إن ما يحصل هنا هو تقديم خدمات وهمية، وبيع الهوى عبر الهاتف. ولأن الكثير من الصحف لا تستحيي من الإعلان عن ذلك، فيمكن اعتبارها في عداد المشاركين في هذا النوع من الجرائم. وهنا يسري على هذه الإعلانات الفصل 59 من قانون الصحافة الذي يعاقب على نشر كل الأشياء المنافية للأخلاق والآداب العامة، وإن جاءت بشكل غير علني، كما أن الفصول 32 و33 و34 من نفس القانون كلها تعاقب على نشر مثل هذه الإعلانات التي تؤدي إلى نوع من الارتجاج في صفوف الشباب، وهناك أيضا الفصل 65 الذي يتناول المنشورات المنافية للأخلاق والآداب العامة التي تنشر في الصحف مع صور عارية وكلام يثير الشبق الجنسي. - وماذا يقول القانون في الشباب الذي يتم استغلاله للعمل في هذه المراكز؟ < في مراكز اتصال الخطوط الوردية يتم استغلال الشباب في العمل بأجر يزيد كلما زادت مدة المكالمة، حيث يفترض في العاملة أو العامل في تلك المراكز الهاتفية إطالة الحديث إلى أقصى وقت ممكن، وعلى ذلك يتلقون أجورهم، ويكتنز صاحب المركز أموالا طائلة إذا علمنا أن سعر الدقيقة في مثل هذه المكالمات، دون احتساب الرسوم، يتراوح بين 7 و9 دراهم. قد يكون نوعا من الإكراه المعنوي للعاملين، على اعتبار أن العاملة مثلا في هذا المركز ملزمة بأن تتغنج وأن تثير شهوة الزبون، فاستغلال الفقر والفاقة هو نوع من الإكراه المعنوي، إلا أن هناك من لديه استعداد تلقائي للعمل في هذه المراكز رغم علمه بنشاطها غير الأخلاقي، وذلك نظرا لما بات يعرفه المغرب من فساد للقيم. - ما مدى المسؤولية الملقاة على عاتق شركات الاتصالات التي تبيع هذه الخطوط التي تستعمل في أغراض منافية للآداب العامة؟ < هنا لا بد من إثارة مسألة في غاية الأهمية، يتعلق الأمر بالعقد الذي يربط شركات الاتصال بهذه المراكز، فإذا كان العقد ينص علنا على «بيع الهوى» عن طريق الهاتف فهو عقد باطل، نظرا لمخالفته للآداب العامة، بل إن هذه المؤسسات يجب أن تكون محل متابعة لأن هذا فيه إقرار بالتحريض على الفساد، وإذا لم يذكر ذلك في العقد وكانت الشركات تعلم ذلك فهو إقرار ضمني، وموافقة على ذلك، ومعظم شركات الاتصال في هذه الحالة رغم أنها تتغذى من أموال الشعب فهي تتحرى الربح ولو على حساب القيم والأخلاق، وهنا يجب الانتباه إلى أن هذه الأفعال مجرمة قانونا، وعلى النيابة العامة أن تحرك الدعوى العمومية بعد إثبات هذه المخالفات اعتمادا على الفصل 498 من القانون الجنائي. - في حالة تحريك النيابة العامة للدعوى ضد الشركة كيف يمكن أن تتورط شركات الاتصالات في الموضوع إذا كان العقد لا ينص على النشاط المشبوه لمركز الخطوط الوردية؟ < هناك ما يسمى بالتصريح الضمني، فإذا حركت النيابة العامة الدعوى وثبت لها أن شركة الاتصالات كانت على علم بتلك الخروقات، فإن النيابة العامة هي من عليه أن يثبت هذا القبول الضمني، وبطبيعة الحال تجب المتابعة، وأنا في نظري القبول الضمني موجود في غالب الأحيان مادام أن مراكز الاتصال غالبا ما تقوم بالدعاية لنفسها من خلال الجرائد بطريقة تنم بشكل واضح عن نوعية نشاطها، ثانيا لشركات الاتصالات الموجودة في المغرب إمكانية التنصت ومراقبة هذه المكالمات، كما أنها يمكن أن تُضمن عقدها مع هذه المراكز ما يعطيها هذا الحق للتأكد من الغرض الذي تستعمل فيه هذه المكالمات. وهناك طبعا العديد من الوسائل الأخرى التي يمكن من خلالها إثبات تورط هذه الشركات. - ألا يعتبر السعر المرتفع لهذه المكالمات أحد الأشياء التي تدفع إلى التحري بشأن مدى قانونية هذه الخطوط الهاتفية؟ < طبعا سعر المكالمة الذي يتم الاتفاق عليه في العقد مرتفع، إذا ما علمنا أن سعر الدقيقة يتراوح ما بين 7 و9 دراهم، مما يجعل مراكز الاتصال هذه تفعل كل ما في وسعها لكي تطيل مدة المكالمة، لكن مجرد طريقة الإعلان عن تلك الخدمات في الجرائد تدفع، على الأقل، إلى الشك، وإذا شكت شركة الاتصالات في دوافع الطرف الذي اشترى الخطوط الهاتفية، فعليها الإخبار بذلك من أجل اتخاذ الإجراءات القانونية. - ما حكم القانون في ممارسي الشذوذ الجنسي عبر الهاتف، هل يسري عليهم نفس عقوبة الشذوذ الجنسي الممارس في الواقع؟ < القانون لم يقل الشذوذ الجنسي عبر الهاتف، بل قال الشذوذ الجنسي فقط. وأنا لدي رأي خاص في هذه المسألة، ما يحدث عبر الهاتف أنا لا أعتبره شذوذا جنسيا بل أعتبره انحرافا جنسيا، فالشذوذ الجنسي في تقديري هو الذي يتم بين رجل وامرأة أو حتى بين شاذين من نفس الجنس بشكل غير طبيعي في الواقع، أما عبر الهاتف فهذا انحراف جنسي لأنه ليس فيه تلذذ مباشر وليس فيه ممارسة مباشرة، لأنه في حالة الخطوط الوردية هناك الصوت فقط، أما القانون فيقول شذوذ جنسي ويسكت. ونعلم أن الجريمة تتكون من الركن المادي والركن المعنوي، والركن المادي هنا غير متوفر بالنسبة إلى جريمة الشذوذ الجنسي. - ما هو القانون الذي يطبق في حالة وجود المتصل في فرنسا مثلا والموظف في المغرب، ما هي العقوبة بالنسبة إلى كل منهما وبالنسبة إلى رب العمل؟ < لا يمكنني أن أتكلم عن العقوبة، لأنه يجب أن نعود إلى القانون الجنائي فصلا فصلا، ولكن سنتكلم عن الناحية الجنائية. يجب أولا أن نبدأ بتحديد مكان الجريمة، وبما أن المكالمات يتورط فيها أشخاص يوجدون خارج المغرب فإن القانون الدولي الخاص يقول إن القضاء الفرنسي هو المختص، وبطبيعة الحال عندما يحكم القاضي الفرنسي بحكم في حق الشخص المعنوي الموجود في فرنسا فلا نقاش في ذلك، ولكن عندما يكون المواطن خارج فرنسا فإننا نحيل على محكمة البلد المختص من أجل تذييل الحكم بالصيغة التنفيذية بعد أن تكون المحكمة الفرنسية قد أصدرت الحكم. في المغرب ننظر إذا كان الحكم مخالفا للنظام العام المغربي أم لا، إذا كان الحكم مخالفا للنظام المغربي نذيله بالصيغة التنفيذية أما إذا كان وفق النظام المغربي فلا نذيله بالصيغة التنفيذية، هذا في حالة بلد مع بلد، أما إذا كان الطرفان معا موجودان في المغرب فإنه، بطبيعة الحال، ما دام الأمر مخالفا للقانون إلا وهناك مسؤولية جنائية. بالنسبة إلى المشغل فهو يعتبر محركا للفساد والموظف أداة الفساد بل مشاركا فيه، لأنه هو الذي يقوم بالفعل المادي ذاته. - ماذا يقول قانون الشغل في هذه العلاقة بين صاحب مركز الخطوط الوردية وبين العاملين لديه؟ < بالطبع لن يصرح المشغل في العقد الذي بينه وبين الموظف بطبيعة العمل الذي يؤديه بل يصرح بصيغة أخرى، سيقول إنه يعمل في مركز الاتصال لإعطاء معلومات عن المناخ أو يعمل في التجارة الإلكترونية أو غيره، وبالطبع فإنه يبدو، في إطار العلاقة التعاقدية، كأنه يعمل في إطار عادي، وهنا يطبق قانون الشغل عليهما كما يطبق على من سواهما، ولو بشكل صوري، أما بالنسبة إلى ما قاما به من فعل إجرامي، فإن ما يطبق عليه هو القانون الجنائي أو قانون الصحافة في بعض الأحيان وليس قانون الشغل.