بعد إقالة علي الأزرق من إدارة إذاعة «كاب راديو» في طنجة، انتهى واحد من أحد الفصول الأكثر كآبة في مسيرة هذه الإذاعة التي ولدت قبل حوالي عام، لكن الأيام الأربعمائة من التاريخ القصير لهذه الإذاعة لم تمنعها من التحول إلى ظاهرة غريبة الأطوار، بدءا من لهجتها الدارجة وانتهاء بقضايا منتصف الليل. جاءت إذاعة «كاب راديو» إلى الوجود في ظل تحرير القطاع السمعي البصري في المغرب، وهو التحرير الذي كان يشبه في صعوبته تحرير فلسطين، حيث انتظر المغاربة طويلا جدا، وفي النهاية ظهرت بضع إذاعات، وتلفزة مستقلة واحدة، وعدد من التوائم الذي يتبع للتلفزة المغربية، التي ولدت من التلفزيونات أكثر مما يجب، بدءا من الرابعة والسادسة، وانتهاء بالمغربية والرياضية، ولم تجد الحليب الكافي لكي تطعمها به. إذاعة «كاب راديو» في طنجة كانت شيئا مختلفا، كان الجميع ينتظرها، وتحدث عنها الجميع، وعندما تمخض الجبل ولد ذلك الشيء الذي يحب الجبن والسكر والزيت. كان حليب هذه الإذاعة فائضا والمال وفيرا، لهذا السبب تفتقت عبقرية مسؤوليها فاستدعوا مغنية لبنانية تدعى هيفاء وهبي، أعطوها أزيد من 120 مليون سنتيم، فغنت لهم على ظهر باخرة لربع ساعة وانصرفت، وكانت تلك بمثابة اللعنة التي حطت على رأس هذه الإذاعة الفتية. غير أن الخطأ الكبير لم يكن في استدعاء هيفاء وهبي، بل في تعيين إدارة لا علاقة لها بالقطاع، وأصبحت هذه الإذاعة تشبه كل شيء، إلا أن تكون مؤسسة إعلامية حقيقية. مستمعو «كاب راديو» في طنجة، وهم في الغالب أناس بسطاء وأفراد من الطبقات الشعبية، تحولوا مع مرور الأيام إلى الاستماع إلى إذاعات أخرى بعد أن أعياهم «تخربيق» هذه الإذاعة، بينما كانت الإدارة تجلب مستخدمين على دفعات ثم يطردهم بعد ستة أشهر ويأتي آخرون، ولا الهيئة العليا للاتصال تحركت، ولا نقابة الصحافة تساءلت كيف تصنع هذه الإدارة «صحافيين» كما يصنع الجبن البلدي في كاراج المنزل. اليوم غادر بعض المسؤولين هذه الإذاعة بعد أن استفاق مسؤولوها من غفوة دامت عاما ونيف، لكن الناس صاروا يتحدثون عن هذه الإذاعة لمثالبها الأخلاقية وليس لمثالبها المهنية، لذلك فإنها ستحتاج إلى وقت طويل لكي تسترجع بعض سمعتها، وتلك مهمة أصعب من إنشاء إذاعة جديدة. على مسؤولي «كاب راديو» اليوم أن ينسوا مرحلة هيفاء وهبي والمقلب الذي ناولتهم إياه في الباخرة، وعليهم أن ينسوا أن تأسيس إذاعة لا علاقة له بتأسيس مقاولة عادية من أجل الربح، وعليهم أن ينسوا حماقات بعضهم من الذين يعتبرون كل من يتكلم اللهجة معينة صحفيا ويوظفونه، ثم يطردونه طبعا. وعليهم أن ينسوا أن اعتماد الدارجة في نشرات الأخبار يجعل من هذه الإذاعة تشبه سكيتشات عبد الرؤوف التاريخية، وأن الناس يضحكون منها. كانت «كاب راديو» خللا في المشهد السمعي البصري المغربي ووجب اليوم تصحيحه. أما بعض مدراء الإذاعات في هذه البلاد فيستحقون أن يتم عرضهم يبن الفينة والأخرى على طلبة معاهد الصحافة وتعلق على رؤوسهم لافتة تحذير للطلبة تقول: «إذا لم تكونوا صحافيين جيدين فستصبحون مثل هؤلاء». وبه وجب الإعلام.