يبدو أن المغاربة لم يتخلوا أبدا عن عشقهم التاريخي لتحقيق المزيد من الفتوحات في شبه الجزيرة الإيبيرية، منذ أن سن جدهم طارق بن زياد هذه السنة الحميدة عام 711م، عندما أحرق السفن وهو يقود جنوده صوب القارة الشقراء. الروس مدينة كتالانية بحجم عقلة الأصبع لا تبعد بأكثر من مائة كيلومتر عن برشلونة، بيد أن وجود عشرة آلاف مغربي في مدينة بهذا الحجم جعلها أشبه بمستوطنة مغربية في قلب الجارة الشمالية، فالمهاجرون المغاربة اكتشفوا في المدينة أرضا صالحة للاستيطان والتعمير والتناسل بحكم وفرة فرص العمل واختلاف عقلية الكتالانيين الذين يفتحون قلوبهم وبيوتهم لكل من أظهر لهم رغبة في العمل وتعلم لغتهم التي يعشقونها حد الهوس ويرفضون الحديث بغيرها، لذلك فإن كل شيء في المدينة مكتوب باللغتين الكتالانية والعربية، فكلمة «حلال» تطارد المرء مثل ظله عبر كل الأزقة والشوارع، مثلما لا تكاد تسمع غير اللهجتين المغربية والريفية اللتين تخترقان طبلة الأذن مثل سهم حارق في أزقة مثل «لاروكا مورا» أو الحجرة المغربية التي يدل اسمها على هوية قاطنيها، أما الإسبانية فإنها باتت تحارب في عقر دارها. غالبية النساء المغربيات اللواتي يتجولن في شوارع المدينة يرتدين الحجاب ويجررن عربات للأطفال، فالتسوية الأخيرة لأوضاع المهاجرين التي قامت بها حكومة خوسي لويس ثباتيرو، بعد وصولها إلى المونكلوا، جعلت العديد من المغاربة يستقطبون نساءهن اللواتي ارتأين أن المصلحة تقتضي تكثير سواد الأمة تحت سماء إسبانيا، أما سكان المدينة الأصليون فإنهم باتوا منشغلين بصحة كلابهم التي ترافقهم في جميع المحلات التجارية وجولاتهم الصباحية، فالكتالانيون أناس تخلوا عن عادة الإنجاب وباتوا يميلون أكثر إلى تبني أطفال صينيين أو روسيين يملؤون المنزل ضجيجا ويضخون السعادة في قلوب كلابهم، وهو ما يهدد سكان المدينة الأقحاح بالانقراض في العقود المقبلة، ليعوضهم سكان آخرون يحملون تقاسيم مغربية وروسية وصينية، يتمتعون بكامل حقوق المواطنة التي يمنحها التاج الإسباني. يفضل الكثير من المغاربة أن يجتمعوا مع أبناء جلدتهم في مقاه تحمل أسماء مناطق مغربية مثل «دريوش» و«الناظور» و«تبوغان»، ورغم أن الولوج إلى هذه المقاهي لا يتطلب بالضرورة التوفر على الجنسية المغربية، إلا أن المغاربة هم الزبناء الوحيدون فيها، يشربون كؤوس الشاي ويدخنون ويتكلمون بصوت مرتفع أحيانا، تماما مثلما يفعلون في وطنهم، كما أنهم يجنحون إلى العمل مع أبناء عمومتهم، فهناك تجارة تخصهم وحدهم تقريبا، مثل المخادع الهاتفية والمجازر «الحلال» ودكاكين بيع الثياب المغربية، وأشياء أخرى تحمل علامة «صنع في المغرب»، إضافة إلى حلاقين يقصون بطريقة ميكانيكية شعر زبنائهم ويستدرجونهم إلى الكشف عن هويتهم وأفكارهم، فالحلاقون يحبون دائما التعرف على ما يدور تحت الشعر الذي يقصونه، والوجود في الروس دافع إضافي للخوض في أحاديث عن الأحوال في بلدهم ومشاكل المهاجرين المغاربة الذين يفشل الكثير منهم في المسار الدراسي، وينتهون في الأخير إلى أنهم أشخاص محظوظون لكونهم وجدوا عملا ونظاما صحيا حقيقيا يحميهم من عوادي الزمن، أما العودة إلى المغرب فتبقى، بالنسبة إليهم، مخاطرة غير محمودة العواقب، لأنها بلاد جميلة لكن بمستقبل مجهول.