[email protected] نعرف مثلا أن هناك حوالي 24 بالمائة من تلاميذ الإعداديات بالمغرب يتعاطون التدخين. وأغلبهم يبدؤون شرب سيجارتهم الأولى في الحادية عشرة من العمر. ونعرف أنه في طنجة وحدها مثلا هناك حوالي 15 ألف مدمن على الكوكايين والهروين، أغلبهم تتراوح أعمارهم بين 11 و20 سنة. لكننا لا نعرف النسبة المائوية المضبوطة لعدد رجال الشرطة والعسكر المدمنين على التبغ والمخدرات. قبل أربعة أشهر كنت قد كتبت في هذا المكان بالضبط عن اعتقال جندي في ثكنة بويزاكارن ضبط الدرك الملكي بحوزته 12 كيلو من المخدرات. وفي الوقت الذي يزود فيه الجنرال بناني عساكره بالزبدة، التي يستوردها للجيش نصر الدين الدوبلالي (رئيس الوداد السابق) من نيوزيلاندا، والخبز والقهوة، يتكفل هذا العسكري بتزويد العسكر المدخنين بحصتهم اليومية من الحشيش. وأحيانا تكون بعض المواد الغذائية التي يوزعها البناني على بعض الثكنات أخطر على العسكر من الحشيش نفسه. وقبل شهرين صدرت مذكرة مستعجلة لثكنات في الجنوب باسترجاع أطنان من الفرماج من مطابخ الثكنات بسبب عثور الجنود على ديدان داخلها. رغم أن تاريخ الصلاحية المكتوب فوق العلب لازال ساري المفعول. ولو أن دراسة مدققة تقوم بها الإدارة العامة للأمن الوطني لإحصاء المدمنين على التدخين، بكل أنواعه، لكانت حصلت على أرقام مفزعة. فالكثير من رجال الأمن يلجؤون إلى التدخين للتخفيف من التوتر والقلق الناتجين عن كثرة ساعات العمل وقلة التعويضات. وهذا يحصل في كل البلدان التي يتقاضى فيها رجال الأمن رواتب مخجلة كالمغرب. ولذلك عملت بلدية مكسيكو على دفع تعويضات إضافية لرجال الأمن لكي يبتسموا في وجه المواطنين. فقد فهم المسؤولون الأمنيون أن رجال الشرطة يتجنبون الابتسام في وجه المواطنين ليس لأنهم غاضبون منهم ولكن فقط لأنهم يخجلون من إشهار أسنانهم المتآكلة بسبب التبغ الرديء والقهوة أمام الناس. فمنحتهم تعويضات إضافية لإصلاح الأسنان. في المغرب ليس رجال الأمن وحدهم من يعانون من هذا المشكل، بل أغلب المواطنين. وهناك إحصائيات مخيفة تقول بأن نسبة كبيرة من المغاربة معرضون للإصابة بأمراض مزمنة بسبب سوء العناية بأسنانهم. فليس كل المواطنين لديهم إمكانيات لزيارة طبيب الأسنان. وأقول طبيب الأسنان وليس صانع الأسنان، أو «ميكانيسيان ضونطير» كما يعرف أحدهم بعيادته في أحد أحياء الدارالبيضاء. فأطباء الأسنان تابعون لوزارة الصحة فيما صانعو الأسنان تابعون قانونيا لوزارة الصناعة التقليدية. فالحكومة لازالت تعامل أفواه المغاربة على «قدم» المساواة مع الشرابل والبلاغي. وربما لهذا السبب يربي أغلب المغاربة شوارب. فبغض النظر عن وظيفتها الرجولية هناك وظيفة تنكرية للموسطاش هي إخفاء الأسنان المتآكلة. وفي كل البلدان التي يعاني جسمها الأمني من مشاكل تقترح إدارات أمنها حلولا عملية لتأهيل رجال شرطتها. ومثلا في مدينة أواسكاليانتي بوسط مكسيكو، لاحظ مسؤولو المدينة أن حوالي أربعين بالمائة من 1600 شرطي العاملين بالمدينة يعانون من أعراض السمنة. مما يعرقل أداءهم الجيد لعملهم، ويصعب عليهم مهمة ملاحقة اللصوص والمجرمين في الشوارع. فاقترحوا عليهم أن يخصصوا لكل كيلو ينقصه الشرطي من جسمه منحة قدرها مائة بيسوس، أي حوالي مائة درهم مغربية للكيلو. وفي المغرب ليس للبوليس مشاكل مع السمنة، وبعضهم لا تعرف حقيقة هل هم من يلبس الكسوة أم أن الكسوة هي التي تلبسهم. وغالبا ما يتم الحديث في المغرب عن ضعف الوسائل وقلة الإمكانيات والنقص العددي في صفوف رجال الأمن، لكن لا أحد يتحدث عن فعالية رجال الأمن المتوفرين أصلا. والذين تعرضوا لاعتداء في الشارع العام يعرفون عماذا أتحدث بالضبط. أحيانا يتم الاعتداء على المواطنين بالقرب من مقرات الأمن، وأكثر من مرة أمام أعينهم. وبعضهم يقول لك أنه أيضا لديه أبناء وعائلة وأن إدارته لن تعرفه حتى بقرعة من الصيروم إذا ما «شلخه» أحد المجرمين بسيف. والكارثة العظمى هي أنك عندما تتصل بالشرطة على سبيل النجدة يسألونك واش كاين شي دم. مابقاوش بوليس، هادو عيساوة. والسبب أن نسبة كبيرة من رجال الأمن لا يمارسون التداريب المستمرة للحفاظ على لياقتهم البدنية. أولا لأن الوقت لا يسمح، فالإدارة تشغلهم لساعات طويلة ولا تمنحهم سوى بضع ساعات للنوم والعودة إلى العمل، وثانيا لأن راتب الشرطي لا يسمح بتغطية مصاريف التداريب الرياضية وما يلزمها من أكل وشرب. فالشرطي الذي يفطر واقفا في البيسري بدرهم حرشة وكأس من الحليب البارد بشوية ديال السيرو خضر، يستحق أن تسجله إدارته ضمن برنامج مكافحة سوء التغذية الذي تموله المنظمة العالمية للتغذية، وليس تسجيله في نادي رياضي. رجال الأمن عندنا لا يفتقرون فقط إلى البنية الجسدية المناسبة لضمان أمنهم وأمن المواطنين، وإنما يفتقرون أيضا إلى حصص منتظمة للرماية. ولذلك بمجرد ما يستعمل أحدهم مسدسه يصيب نفسه أو زميله أو يطلق أكثر من رصاصة قبل أن يصيب المجرم في أماكن قاتلة. وهناك بين رجال الشرطة من لم يطلق رصاصة منذ سنوات، ولم يسمع دوي طلقة مسدس منذ تخرجه من القنيطرة. ولهذا السبب عندما سمع دوي انفجار الانتحاريين في الدارالبيضاء كان أول الفارين هم عناصر الأمن. وكل المشتبه فيهم لم يعتقلهم الأمن وإنما اعتقلهم المواطنون وسلموهم لهم. ومن غرائب الصدف أن العناصر الأمنية ذات البنية القوية والتدريب العالي يتم اختيارها لكي تكون ضمن فرق التدخل الخاصة لمكافحة الشغب، أو بالأحرى مكافحة الشعب. ولكي ترى هؤلاء العناصر يكفي أن ترفع شعارا في العاصمة وسترى كيف سيحيط بك بسرعة رجال غلاظ شداد يحملون بني آدم من سرواله كما يحملون دجاجة من رجلها. وعندما أرى هؤلاء الرجال الأقوياء أتساءل لماذا لا يخرجونهم إلى الشوارع لضمان أمن المواطنين ومواجهة كل هذه العصابات التي تزرع الخوف في كل شوارع المملكة. وعندما يتحدثون في الإدارة العامة عن قلة الإمكانيات نستغرب عندما تظهر هذه الإمكانيات فجأة كلما خرج المواطنون في تظاهرة احتجاجية. فيتم رميهم بقنابل مسيلة للدموع يعادل ثمن القنبلة الواحدة الراتب الشهري لرجلي أمن. إن المشكلة الأساسية للأمن في المغرب ليست هي قلة الإمكانيات فقط، ولكن أيضا المشكلة تكمن في سوء تدبير ما هو متاح من إمكانيات. عندما يخاف رجل الأمن من دخول أحياء معينة، عندما يتردد في استعمال سلاحه عند ساعة الخطر، عندما يرفض أن يقوم بواجبه في حماية المواطنين تحت ذريعة الخوف على حياته ومصير أبنائه بعده، فيجب أن نعرف أن هناك خللا خطيرا في الأمن. ولعل الحل يبدأ أولا بإعادة الاعتبار إلى رجل الأمن. ليس طبعا بالطرش كما صنع البرلماني سالم في أسا الزاك نهاية الأسبوع الماضي مع أحد رجال الأمن، حيث طرشه حتى طار البرق من وجهه لمجرد أنه طلب منه أن يوقف سيارته في مكان آخر. ولكن بالتكوين المستمر والتدريب والاستئناس بأحدث الطرق الأمنية العالمية في المحافظة على الأمن العام. عندما ننتقد أداء بعض رجال الأمن فهذا لا يعني أن نقبل إهانتهم من طرف بعض المسؤولين وممثلي الأمة. وبرلماني أسا الزاك الذي سبق له أن سلخ شرطيا ببلغته وطرش اليوم شرطيا آخر، يجب أن يعامل كما يعامل بقية المواطنين. لا أن يتم إجبار الشرطي على طلب الاعتذار، كما صنعوا مع شرطي بهدله حاخام يهودي في الدارالبيضاء ومزق بذلته، أو كما حدث بتطوان لشرطي غسله الوزير السابق الطالبي العلمي بالسبان وفي الأخير أجبروه على طلب المسامحة من سعادة الوزير الذي لازال لم يشف بعد من عادة إشهار هاتفه والاتصال بأصدقائه في الولاية كلما فشل أحد رجال السلطة في التعرف على ملامح سعادته. المحزن في الأمر هو أن بعض رجال الشرطة يبردون غدايد هذا التفرعين الذي يعانون منه من جانب بعض المسؤولين الكبار في المواطنين الصغار. وهكذا نسمع أن مواطنا في خنيفرة يبلغ من العمر سبعين سنة يواجه تهمة المس بالمقدسات. فأسهل شيء يمكن أن يتهمك به رجل الأمن في المغرب هو أنك «سبيتي الملك». والمغاربة يقولون أن البوليسي بوحدو فيه طناشر شاهد. فيه طناش غير ملي كايجيبوه يشهد، أما ملي يجبد عليك شي واحد السيف ماتلقا حتى نص بوليسي.