نستحضر في قراءتنا لحصيلة عمل الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم موالا غنائيا مصريا يقول مطلعه «كتاب حياتي يا عين ما شفت زيو كتاب الفرحة في سطرين الباقي كله عذاب»، ينطبق هذا الموشح على المحصول الكروي لجامعة بنسليمان التي قضت أزيد من 13 سنة في تدبير شؤون الكرة. قد يتهمنا البعض بالعدمية وبمحاولة تلوين المشهد بالألوان القاتمة، لكن وفي غياب تقارير أدبية تؤرخ لكل مرحلة وفي غياب جموع عامة حقيقية تضع العمل تحت المجهر وتحول لحظات الجمع إلى مناسبة للمحاسبة والتقييم بعيدا عن التكتم الذي يطوي الوقائع ويحولها إلى فعل ماض ناقص. منذ أن اعتلى حسني بنسليمان كرسي الجامعة بعد نكبة 1994 التي خرج منها المكتب المسير للكولونيل الزموري من الباب الضيق، عقب الظهور المذل في نهائيات كأس العالم، وهو يلوح بالمادة 22 من قانون التربية البدنية التي مكنته كرئيس للجنة الأولمبية من تدبير شؤون الكرة مؤقتا إلى حين انعقاد جمع عام بكل شروطه القانونية، لكن المؤقت سيتحول إلى دائم وسيقوم الرئيس بمهامه كاملة بدل توفير شروط عقد جمع عام في آجال حددها المشرع. لم يتأهل المنتخب المغربي لنهائيات كأس إفريقيا التي أقيمت في جنوب إفريقيا سنة 1996 وشاءت الصدف أن يخرجنا هذا البلد من الدور الثاني من نهائيات دورة بوركينا فاصو بعد عامين وكنا حينها نتوفر على أفضل منتخب وطني، وتبين للجميع أن الحد الفاصل بيننا وبين الجامعة ومدربها المدلل هو نهائيات كأس العالم في فرنسا، لكن المنتخب المغربي رغم خروجه من الدور الأول تمكن من دخول القلوب وكسب تعاطف الجماهير، بالرغم من أن النتائج كانت دون التوقعات، وكان استقبال الملك الحسن الثاني للوفد المغربي أشبه بقرار تمديد مقام المدرب والجامعة، خاصة وأن كلمته للمنتخب رسمت خارطة الطريق نحو المستقبل بنفس الطاقم. بعد عامين داهمنا الإقصاء مجددا من الدور الأول من نهائيات كأس إفريقيا بنيجيريا، وكررنا نفس السيناريو سنة 2002، بل عززناه بإقصاء مماثل من نهائيات كأس العالم التي ظلت أبرز أولوياتنا. لكن منتخب الزاكي كما يصطلح عليه كسر قاعدة النكبات وحقق في نهائيات كأس إفريقيا 2004 بتونس لقب وصيف البطل في إنجاز تعامل معه المغاربة من فرط تعطشهم للألقاب كلقب أخرج الشعب من الهم والغم وبشر بفريق قادم إلى الأضواء يعتمد على نسبة كبيرة من اللاعبين المستوردين. لكن منتخب الزاكي أصابته عين لئيمة واستنفر أعضاء جامعيون قواتهم الاحتياطية للإطاحة بالناخب الوطني الذي كبر وأصبح خارج قبضة الجامعة، خاصة وأن علاقاته بالقصر أربكت حسابات المتآمرين، وفي الوقت الذي كان فيه منتخبنا يناقش في العاصمة التونسية آخر مبارياته للمرور نحو نهائيات كأس العالم، كان أعضاء جامعيون على الخط في بحث عن البدائل. جيء بفليب تروسيي ورصدت له ميزانية خرافية واستنفرت الجامعة طاقما متعدد الجنسيات لخدمة الساحر الأبيض الذي لم يفلح من حيث أتى وتم تعويضه بمدرب مغربي أياما معدودة قبل التوجه إلى مصر لخوض منافسات كأس إفريقيا، قيل لفاخر: «لا عليك لن نحاسبك على نتائج مصر إذهب إنك بريء من دم كأس إفريقيا»، لكن حين خرج من الدور الأول أخرج أولئك الذين وزعوا عليه الأقراص المهدئة سكاكينهم وهمسوا في أذنه: «ارحل إن المنتخب للأجانب». لم يهتم أحد بالإنجاز الذي حققه منتخب الشبان في نهائيات كأس العالم بهولندا، ولم يراهن أحد على الأسماء التي وفقت في وجه كبريات المدارس الكروية لأن منتخب الكبار يعلو ولا يعلى عليه. ما إن أنهى فاخر التصفيات المؤهلة لكأس إفريقيا حتى وجد في العلبة الصوتية لهاتفه النقال رسالة صوتية تدعوه للالتحاق بالجامعة لغرض يهمه ولا يهم المغاربة طبعا، أشعره أوزال بقرار الإقالة من جانب واحد، حينها كان هنري ميشيل يقوم بعملية إحماء بالقرب من الجامعة، وعلى وجه السرعة وقع عقدا دسما بعيد المدى. كانت النتائج كارثية في غانا لكن المدرب قال بشجاعة نادرة: «حاسبوا الجامعة لأنني غير معني بكأس إفريقيا»، حينها كثر اللغط وتبين أن تصريحات المدرب الفرنسي حولت أعضاء الجامعة من شهود في قضية النكبة إلى متهمين، خاصة وأن الميزانية التي رصدت للكرة تفوق خمسة ملايير في ظرف ستة أشهر. على الرغم من الاستقرار الذي ميز الجامعة في عهد بنسليمان إلا أن المغرب ظل خارج المنتظمات الكروية قاريا وعالميا، وهو وضع غير سليم بالنظر إلى تاريخ الكرة المغربية، إفريقيا ليس لنا ممثلون في دائرة القرار مما يعرض منتخباتنا وأنديتنا لسياط الحكام، بل إن نفرا من الأعضاء اختاروا إقامة مؤقتة في لجان الاتحاد الإفريقي دون أن يكون لهم تأثير بل ودون أن تكون لهم تمثيلية وطنية أصلا. خسرنا في عهد الجامعة رهانين لتنظيم كأس العالم 2006 و2010 كما خسرنا رهانات صغرى كتنظيم نهائيات كأس إفريقيا للكبار والشبان. ولأن الشيء بالشيء يذكر فإن حال منتخباتنا الصغرى لم يتعد في أفضل الأحوال الدور التمهيدي، وظل التوغل نحو أدوار متقدمة إنجازا، والغريب أنه بمجرد الإقصاء يتم تسريح اللاعبين والمدربين مع وعد بالعودة إلى مركز المعمورة بعد عامين. على امتداد رئاسة الجنرال حسني بنسليمان لجامعة الكرة، ظل الرجل بعيدا عن الأضواء، وأصبحت شخصيته محاطة بهالة من الخوف والتوجس وهو وضع استغله محيطه، فالرجل لا يقدم أحاديث صحفية وهو الوحيد في العالم الذي لا يكلف نفسه السفر مع منتخب بلاده نظرا لالتزاماته المهنية، لكن بالمقابل تمكن بالكاريزما التي يملكها أن يحقق العديد من المكاسب للكرة المغربية والتي لا يمكن لمدني أن يحققها، بفضل الجنرال تم حل معضلة التنقل إلى الأدغال الإفريقية على متن طائرة عسكرية تحتاج إلى مكالمة هاتفية من بنسليمان لتحلق في سماء القارة السمراء بعيدا عن هواجس الحجز والتوقفات، بل إن مكانة الرئيس مكنته من جلب العديد من المدعمين كاتصالات المغرب والتلفزيون الذي تحول إلى صنبور حقيقي وغيرهما من المؤسسات المدعمة للمجهود الكروي. ويمكن أن نصنف عقد التأهيل المبرم بين الجامعة والحكومة كأكبر إنجاز في تاريخ جامعة بنسليمان، خاصة وأنه يحمل في طياته تباشير إقلاع جديد، من خلال برنامج يهدف إلى بناء مراكز للتكوين وهيكلة الجامعة والعصب والأندية ومديرية التحكيم وتعشيب الملاعب وغيرها من المشاريع التي قد تبشر بعهد كروي جديد.