بعض رجال الأعمال كانوا يتطلعون إلى أن يطرح الاتحاد العام لمقاولات المغرب وصفته للنهوض بالاقتصاد المغربي في الصيف الماضي، حتى تناقشها الأحزاب وتأخذها الحكومة بعين الاعتبار، لكن الاتحاد لم يقدم على ذلك، وفضل التريث إلى أن يجري تعيين الحكومة الجديدة ويطلع الوزراء المعنيون على قطاعاتهم، ويرفع إليهم مقترحاته التي ضمنها في كتاب أبيض، يسعى من خلاله إلى خفض معدل الضريبة على الشركات إلى 25 في المائة، وإعادة بعث النقاش حول مدونة الشغل، بما يخول مرونة أكبر تفضي إلى اعتماد تأمين على البطالة وإعادة تأهيل القضاْء والتعليم. يعتبر الكتاب الأبيض أن مستوى تضريب الشركات، الذي يصل إلى 30 في المائة و 39 في المائة، يضع المغرب بعيدا عن الاتجاه السائد في البلدان المنافسة، مما يفرض تخفيض معدل الضريبة الذي تخضع له الشركات إلى 25 في المائة، بما يسمح بتدعيم تنافسية المستثمرين ويساعد على جذب الاستثمارات الأجنبية. هكذا يتطلع واضعو الكتاب الأبيض إلى تقليص معدل 39.6 في المائة إلى 30 في المائة خلال الأربع سنوات القادمة، وتطبيق معدل 20 في المائة بالنسبة إلى الشركات التي تصل نتيجتها الضريبية إلى ما بين 0 ومليوني درهم والعمل على تقليص معدل 35 في المائة إلى 25 في المائة خلال الأربع سنوات القادمة. ويبدو أن الحكومة، حسب ما تجلى من حديث مولاي حفيظ العلمي، رئيس الاتحاد العام، قد تفهمت مطالب الباطرونا المغربية الرامية كذلك إلى تخفيض الضريبة على الشركات الراغبة في تدعيم تنافسيتها، بل إن السلطات العمومية قد تكون وعدت بمراجعة الضريبة العامة على الدخل، بحيث التزمت بخفض المعدل الأعلى من 42 في المائة إلى 38 في المائة ورفع الشريحة الأجرية المعفاة إلى 30 ألف درهم، من أجل دعم القدرة الشرائية للمأجورين. وتناول اللقاء مع الحكومة، كذلك الضريبة على القيمة المضافة التي قد يخفض معدلها الأعلى من 20 إلى 18 في المائة. وأوصى الكتاب الأبيض بالانخراط في مقاربة مهيكلة تروم تفعيل الإجراءات المصاحبة المتوفرة، واعتماد مخطط لتنمية المقاولات الصغرى والمتوسطة، بحيث ينحل إلى برنامجين، إذ يتوخى البرنامج الأول خلق وتنمية المقاولات الصغرى والمتوسطة والمقاولات الصغيرة جدا، وذلك من أجل تقليص وزن القطاع غيرالمهيكل والرفع من تنافسية المقاولات الصغرى والمتوسطة، ويروم البرنامج الثاني دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة ذات الإمكانيات الواعدة للنمو. غير أن نجاح هذا البرنامج، في تصور واضعي الكتاب الأبيض، رهين بمراجعة الجباية التي تخضع لها تلك المقاولات، وهو ما يستدعي وضع جدول للضريبة على الشركات، بحيث تخضع تلك التي تقل نتيجتها الجبائية عن مليوني درهم لمعدل 20 في المائة. ويتطلع واضعو الكتاب الأبيض إلى إعادة النظر في مدونة الشغل، وهو ما كان موضع 67 تعديلا وطلب توضيح تقدم به الاتحاد العام لمقاولات المغرب إلى حكومة إدريس جطو، بحيث يلاحظ الاتحاد أن عدم قابلية بعض المقتضيات للتطبيق وغياب قانون تنظيمي للإضراب لا تتيحان المرونة المطلوبة في سوق الشغل، هكذا تتطلع الباطرونا إلى إعادة فتح النقاش حول مدونة الشغل، بما يؤدي إلى تسهيل اللجوء إلى عقود العمل ذات المدد المحددة ورفع الغموض الذي يلف تعويضات التسريح وتقليص ساعات العمل في حالة أزمة اقتصادية، ورفع عدد الأجراء الذين يفترض أن يتوفر لهم طبيب من 50 إلى 100 أجير في المقاولة، وتوسيع مدد العمل المؤقت من 6 إلى 9 أشهر. ويراهن واضعو الكتاب الأبيض على إضفاء مرونة أكبر على سوق الشغل، بما يتيح تسريح العمال، لكن مع إحداث تأمين على العطالة، بحيث يتلقى العامل المسرح الذي عمل لمدة خمس سنوات تعويضا لمدة 6 أشهر. ولا يزعم واضعو الكتاب الأبيض، كما أوضح ذلك الاتحاد، تقديم إجابات للأمراض التي تعاني منها العدالة في المغرب، فهم ينتقدون التعميم الجزئي واللامتساوي للاجتهاد القضائي، وضعف تكوين القضاة، الذي لا يتماشى مع التطورات التي يعرفها عالم الأعمال، نتيجة غياب التخصص والمراقبة الفعالة لمعارف المحامين والتكوين المستمر للقضاة.. لكنهم يردون هذا الوضع إلى ضعف الميزانية المرصودة للعدل، الشيء الذي ينعكس على الوسائل المتوفرة والتكوين والأجور وحالة البنايات، ويشيرون إلى سيادة الرشوة التي تتدخل في مستويات مختلفة، وتفضي إلى نتائج تضر بالمستثمرين. ويعتبر الكتاب الأبيض أن إصلاح هذا الوضع يفترض تأمين تعميم القانون والاجتهاد القضائي، بما يضمن شفافية ووضوح القاعدة القانونية، بحيث لا يكون موضوعا لتأويلات مختلفة، وتدعيم تكوين مهنيي القانون وتمكين العدل من الوسائل التي تخول تحديث النظام القضائي والاتجاه نحو تغليب المساطر التصالحية على المنازعات.. غير أن الرفع من تنافسية الاقتصاد والرقي بمستوى القضاء يبقيان رهينين بإصلاح التعليم، وهو أحد المحاور التي ركز عليها الكتاب الأبيض. ويشار إلى أن الوزير الأول، عباس الفاسي، استقبل، أول أمس الاثنين، وفدا من الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي أطلعه على فحوى الكتاب الأبيض، وأعلن الفاسي، عقب هذا اللقاء الذي حضره عدد من أعضاء الحكومة، عن إحداث لجن مشتركة ما بين الوزارات المعنية والمسؤولين داخل الاتحاد العام للمقاولات بالمغرب لتعميق النقاش في هذا الموضوع، مضيفا أن هذه اللجن ستجتمع كل ثلاثة أشهر بمقر الوزارة الأولى .بينما اعتبر وزير الاقتصاد والمالية، صلاح الدين مزوار، أن مضمون الكتاب الأبيض يتلاقى مع تصورات وتوجهات الحكومة، مضيفا أن المقترحات التي جاء بها الكتاب تعزز التوجه الحكومي وتأتي برؤية مندمجة للقطاع الخاص في إطار اقتصاد وطني قوي قادر على مواجهة تحديات المنافسة والعولمة.