كان جاكوب كوهين، وهو مراهق يهودي في ملاح مكناس الجديد، يلتهم الراويات البوليسية المليئة بقصص الجواسيس، ويتخيل نفسه بطلا من أبطالها، ويحلم أن تمتد إليه أيادي عائلة فرنسية ثرية تتبناه وتبعده عن «تسلط» والده الديني، وتخرجه من بؤس الملاح إلى ترف «المستعمرين».. حيث المسابح، ملاعب التنس وقاعات السينما، لكن أيادي «الموساد» كانت أسرع، لتستقطبه للعمل لصالح منظمة صهيونية سرية لإقناع الشباب اليهود المغاربة القادرين على حمل السلاح بالقتال في جيش «إسرائيل». على كرسي اعتراف «المساء»، يحكي جاكوب كوهين كيف كان عملاء الموساد يتنقلون في المغرب بحرية وكأنهم في «إسرائيل»، يكترون المنازل ويحولونها إلى مقرات لاجتماعاتهم دون أن يثير ذلك انتباه السلطات، وكيف كان الجنرال أوفقير يتخذ منهم رفاقه المفضلين في لعب «الورق»، وكيف أصبح الموساد ذات يوم وكأنه فاعل في المشهد السياسي المغربي بعد الاستقلال. وعلى كرسي الاعتراف أيضا، يروي جاكوب كوهين كيف وجد اليهود المغاربة أنفسهم بين مطرقة الموساد، الذي لجأ لكل الوسائل من أجل ترحيلهم إلى «إسرائيل»، وسندان حزب الاستقلال الذي حاربهم ودعا إلى مقاطعة تجارهم، ونخبة أهل فاس التي رأت في رحيلهم خلاصا لها، كما يحكي كيف تحول بعد زيارته لإسرائيل، من صهيوني إلى أكبر مناهض للصهيونية وإسرائيل، وكتب عددا من الراويات التي تفضح العالم الخفي لمنظمة استطاعت أن تخترق عالم السينما والموسيقى والإعلام والأعمال. – قلت في الحلقة السابقة إن أي مرشح لمنصب سياسي في الولاياتالمتحدةالأمريكية يريد أن ينتخب ويفوز بمنصب ما، عليه أن يتفق مع الأيديولوجية السائدة، لكن كيف يدعم هذا النظام المرشحين الذين يندمجون في الأيديولوجية السائدة ؟ يخلق النظام السائد داخله المرشحين الموثوق فيهم والذين سيدافعون عن مصالحه بمجرد انتخابهم. وداخل هذا النظام السائد في الولاياتالمتحدةالأمريكية سيتلقى هؤلاء المرشحين التمويل اللازم والدعم اللوجستي لتحقيق النجاح في الانتخابات والوصول إلى مناصب اتخاذ القرار. كما أن المال يلعب دورا حاسما في الولاياتالمتحدة، وهو أمر صحيح إلى حد كبير. فالحملة الانتخابية في أمريكا تعد أمرا مكلفا جدا. لا يمكننا أن نتصور هذه الضجة على شاشات التلفزيون، لكن الشعب الأمريكي هو واحد من الشعوب الأكثر عرضة للتأثر بالإعلانات، وتأثر الشعب الأمريكي بالإعلانات يمتد إلى مجالات أخرى وليس فقط في المجال السياسي والحملات الانتخابية. – أين يكمن دعم إسرائيل من قبل هذا النظام السياسي الأمريكي؟ خلافا للاعتقاد الشائع، أمريكا لا تدعم دائما إسرائيل. لنتذكر أن حملة العدوان الثلاثي عام 1956 ضد جمال عبد الناصر إثر قيام الأخير بتأميم قناة السويس، كانت بالاشتراك مع بريطانياوفرنسا، ولقيت معارضة من قبل الولاياتالمتحدة التي لم تؤيد هذه الحرب، وضغطت على كل من إنجلتراوفرنسا، فحتى عام 1967، كانت فرنسا هي من تمول تسلح إسرائيل وتمدها بالأسلحة، بما في ذلك القنبلة الذرية. وفي هذا الصدد، حاول الرئيس الأمريكي كينيدي السيطرة على مفاعل ديمونة النووي، فقد عرف عنه إصراره على تفتيش مفاعل ديمونة الإسرائيلي والتأكد مما إذا كان يحتوى على قنابل ذرية أم لا. والمفاعل هو مفاعل نووي إسرائيلي، بدئ العمل ببنائه عام 1958 بمساعدة فرنسية. ومن بين المنظمات التي كانت لها مصلحة في اغتيال كينيدي في عام 1963، بالإضافة إلى الاستخبارات المركزية التي كانت في طريقها إلى إعادة الهيكلة وكان من صالحها اغتياله، كان هناك أيضا جهاز «الموساد» حيث تثار شكوك حول كون اغتياله كان بإيعاز إسرائيلي، بعد أن أصر على تفتيش مفاعل ديمونة الإسرائيلي. فقد رفض كينيدي نشاط إسرائيل النووي، ومارس ضغوطا عديدة لإخضاع مفاعل ديمونة للتفتيش الدولي. ولكن إسرائيل تمسكت بكون المفاعل هو لأغراض سلمية فقط. – متى وقع التحول في العقيدة السياسية الأمريكية وبات دعم إسرائيل من أساسيات السياسة في أمريكا؟ بعد عام 1967 فهمت الولاياتالمتحدةالأمريكية أن المصلحة تقتضي تقديم الدعم الكامل للدولة اليهودية. وانهيار العالم العربي في الوقت الراهن هو واحد من الرسوم التوضيحية لهذا الدعم الذي تقدمه الولاياتالمتحدةالأمريكية للدولة العبرية. الآلة الإيديولوجية وضعت في وقع التشغيل وهي تعمل الآن. والعقيدة الصهيونية أصبحت جزءا لا يتجزأ من النفسية الأمريكية وتغلغلت بشكل عميق في اللاوعي الأمريكي الجماعي. يقول نورمان فنكلستين إن أوجه التشابه بين الملحمة الأمريكية وملحمة الصهيونية هي أنها تشكل شكلا من أشكال التحديد العفوية والحميمة، ونورمان فنكلستين هو أستاذ جامعي أمريكي يهودي مختص في العلوم السياسية وكاتب وناشط سياسي، معروف عنه مساندته للقضية الفلسطينية وكرهه استخدام اليهود للمحرقة كوسيلة لجذب التعاطف العالمي والتغطية على جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين. – ما أوجه التشابه بين إسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية على المستوى الاجتماعي؟ الشعبان معا، الأمريكي والإسرائيلي، وصلا إلى أرض «عذراء»، غير مستغلة، وغير محبوبة من قبل سكانها الأصليين، مزودين بما يقولون إنها الشرعية الإلهية، ويقولون إنهم مجبرون على استخدام القوة الشرعية والأخلاقية.