عرقل بعض ممثلي «النقابات العمالية»، في اجتماع للجنة المالية والتخطيط والتنمية الاقتصادية أول أمس بمجلس المستشارين، تقديم مشاريع القوانين المتعلقة بإصلاح صناديق التقاعد، عبر نقاط نظام تكرر فيها الكلام وتحدث فيها كل مستشار أكثر من مرة. ووصلت حدة بعض المداخلات إلى حد تهديد الحكومة بخوض أساليب احتجاجية غير مسبوقة داخل الغرفة الثانية إذا تم تقديم مشاريع القوانين، ليتم في الأخير الاتفاق «مبدئيا» على مناقشة ملف التقاعد في إطار الحوار الاجتماعي، على أن تتم مواصلة لقاء اللجنة الأسبوع المقبل من أجل عرض الحكومة مشاريع قوانينها. الجلسة التي استمرت أزيد من تسع ساعات، ورفعت مرتين للتشاور، اعتبرت قانونيا، قد تم فيها التقديم، مادامت الحكومة تحدثت عن الموضوع على لسان كل من إدريس الأزمي، الوزير المكلف بالميزانية، ومحمد مبديع، وزير الوظيفة العمومية وتحديث الإدارة. وعبر الوزير المكلف بالميزانية عن رفضه جملة وتفصيلا لكل تصريح يقول إن الحكومة تعطل الحوار الاجتماعي، مؤكدا أنها وفية للحوار ولالتزاماتها، سياسيا ومعنويا وماديا، وأن المقاربة التشاركية في هذا الملف تمت، وأنها مستعدة لمواصلة الحوار مع النقابات. وردا على مداخلة ثريا لحرش، عضو فريق الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، التي هددت بخوض شكل احتجاجي غير مسبوق داخل قبة البرلمان، دون أن تفصح عن نوعيته، إذا قامت الحكومة بعرض مشاريعها، قال الأزمي بنبرة حادة: «كلنا اولاد تسع شهور ولن نقبل بأي تهديد أو مزايدة سياسية، فكلنا مستعدون للموت من أجل هذا الوطن إلى آخر قطرة دم، ولا يمكن أن يهدد بعضنا البعض». وأضاف الأزمي قائلا: «إننا مستعدون للحوار وأقولها بكل مسؤولية، وكذا لمواصلة المقاربة التشاركية التي ابتدأت في هذا الملف منذ عهد الحكومات السابقة»، موضحا أن اللجنة المنعقدة تتم في إطار الدستور والنظام الداخلي لمجلس المستشارين، وأنها مخصصة لعرض القوانين مع استكمال المساطير. وأضاف أنه من الناحية القانونية يجب أن يكون هناك توازن وتعاون بين السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية، وأن مشاريع القوانين المتعلقة بإصلاح التقاعد ليست أمر أغلبية أو أقلية، بل الأمر يهم 400 ألف مواطن. من جهته، نفى مبديع عن الحكومة الحالية مسؤوليتها عن «إفلاس» صناديق التقاعد، وقال: «لم نتسبب في أزمة صناديق التقاعد، بل نحن أتينا لمعالجتها ويجب التعاون على ذلك»، مقدما وعدا للمستشارين البرلمانيين بفتح حوار اجتماعي مباشرة بعد هذه الجلسة. أما فريق الكونفدرالية الديمقراطية للشغل فهدد على لسان ثريا لحرش باللجوء إلى كل الأساليب لمنع تقديم مشاريع القوانين المتعلقة بإصلاح التقاعد، حيث قالت لحرش مخاطبة وزيري الميزانية والوظيفة العمومية: «إن نقابتي أخبرتني أن مشاريع القوانين ينبغي ألا تمر، ونحن مصممون على «التنقاز وغادي نوضوها هذه الليلة»، ولو أدى ذلك إلى العودة إلى أساليب الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، وإلى المراهقة السياسية لأن التوجيه الذي لدينا هو ألا تقدم العروض، وإذا حدث أي شيء فلتتحملوا مسؤوليتكم». بدوره، هدد عبد الحق حسان، عضو فريق الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، الحكومة قائلا إن «مشاريع القوانين لن تمر ولو على أجسادنا». واتهم الحكومة بتدمير الأجيال القادمة، وبسنها مشاريع قوانين تشكل خطرا على الموظفين. ونفس الاتجاه سارت عليه خديجة الزومي، عضو الفريق الاستقلالي، والقيادية في الاتحاد العام للشغالين بالمغرب، التي هددت بتقديم استقالتها في حالة ما قدمت الحكومة مشاريع القوانين باللجنة. وقالت: «إذا قدمتم هذه المشاريع سنذهب لحال سبيلنا ويجب أن نقدم استقالاتنا. أعتقد أننا نحتاج لشفاعة قريش لإقناعكم بإكراهاتنا، فلا يمكن أنه في الوقت الذي كانت هناك احتجاجات للنقابات نسمح بتقديم مشاريع قوانين». وأضافت الزومي: «احفظوا ماء وجوهنا، أقولها بأدب كبير، ارحمونا من فضلكم، فكل شيء تشرذم. لمصلحة من تقومون بهذا؟». ولم تخرج نقابة «البيجيدي» عن الإجماع فيما يخص طريقة تدبير ملف التقاعد، حيث قال عبد الإله الحلوطي، مستشار برلماني والكاتب العام للاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، إن «الحكومة تتحمل مسؤوليتها في الطريقة التي دبر بها ملف التقاعد. لم نجد بعد البدائل الحقيقية والواقعية للإصلاحات المقدمة»، غير أنه اقترح أن يكون هناك تعديل لهذه المشاريع، سواء عبر تنسيق وتوافق مع الحكومة أو عبر التصويت، رغم عدم وضوح الأغلبية في الغرفة الثانية. واقترح الحلوطي أن يكون هناك نقاش مواز لمناقشة مشاريع القوانين، عبر فتح الحوار الاجتماعي، مؤكدا أنه لم يتم الوصول إلى أي صورة توافقية في إصلاح هذه الأنظمة بين الحكومة والفاعلين النقابيين.