اعتاد المغرب على أن تكون تحركاته الدبلوماسية في عدد من الملفات بمثابة ردود أفعال، كما هو الشأن في ملف الصحراء المغربية، حيث بينت المواقف المتخذة على خلفية التصريحات الأخيرة لبان كيمون، الأمين العام للأمم المتحدة، أن الحكومة اتخذت قراراتها بناء على ما صدر عنه من تصرفات أجملتها وزارة الشؤون الخارجية والتعاون في «استخدامه لمصطلح احتلال»، ثم زيارته لمنطقة عازلة، وحديثه عن الاستفتاء وتلويحه ب»شارة النصر»، حينما كان يتجول مع بعض من يسمى قيادة «البوليساريو» ودعوته إلى عقد مؤتمر للمانحين، ثم التطاول على الملك حينما أخبر بغيابه في شهر مارس حيث كان ينوي المسؤول الأممي القدوم إلى المغرب فكان رده «يمكنني أن أرى أي شخص آخر». وفي قراءته لمواقف الدبلوماسية المغربية تجاه الموضوع، قال تاج الدين الحسيني، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الخامس بالرباط، «إن هذه التحركات تأتي كرد فعل وهو ما يخلق نوعا من التوازن مع الأفعال المرتكبة، والتي تكمن في الأخطاء الجسيمة للموظف الدولي الذي وصف وضعية المغرب في صحرائه ب»الاحتلال»، ثم زيارته لمنطقة عازلة والتي لم يسبق لأي مسؤول أممي أن قام بها، ثم انحناؤه لعلم البوليساريو ورفع شارة النصر، كل هذه التصرفات تعتبر خطرا على مسار التسوية، وهو ما أدى إلى خروج المغاربة في مسيرات احتجاجية، وفي الوقت الذي كان المغرب ينتظر أن يصدر اعتذار من كيمون، وضع نفسه في صورة الضحية وأخذ يكيل الاتهامات للمغرب وحكومته ويؤاخذ على الوزراء خروجهم للمسيرة، والتي شاركوا فيها بصفتهم مناضلين في أحزاب سياسية وليس بصفتهم أعضاء في الحكومة». وأكد الحسيني أن القرارات التي اتخذها المغرب، في إطار رد فعل على ما صدر من بان كيمون، والتي تتمثل في تخفيض أعضاء بعثة الأممالمتحدة «المينورسو» وسحب المكون المدني في شقه السياسي والذي لم يعد مبرر لوجوده لكونه مرتبطا بالاستفتاء، إضافة إلى أن المغرب هدد بإمكانية سحب التجريدة المغربية من قوات حفظ السلام، وهو الأمر الذي قد يتم التراجع عنه، لأن الإقدام على هذه الخطوة سيحول النزاع بين المغرب وشخص الأمين العام للأمم المتحدة إلى النزاع مع منظمة دولية. وتعتبر المرحلة الراهنة بالنسبة للمغرب دقيقة وخطيرة جدا، فكل قرار صادر له آلياته وانعكاساته التي يجب أن يحسب لها ألف حساب، وهو ما يتطلب من الدبلوماسية الرسمية أن تعمل في تلاؤم مع الدبلوماسية الموازية وتنسيق تام حتى تكون الرسالة المراد إيصالها إلى الخارج موحدة، يقول الخبير في العلاقات الدولية، والذي أشار إلى أن التصريحات الصادرة عن المسؤول الأممي بينت أن لديه قصورا في المعلومات، وذلك عندما أشار إلى أن سكان تندوف لم يتمكنوا من العودة إلى بلدهم، كما أن المغرب بذل جهودا كبيرة في مجال البنية التحتية في الأقاليم الجنوبية ورغم ذلك يقال إن الساكنة لا تستفيد من ثرواتها، فهذا مجانب للصواب، لأن السكان هناك يعيشون ظروف حياة جيدة أحسن بكثير من الأوضاع المزرية التي يعيشها اللاجئون بمخيمات تندوف. ما يحدث حاليا يستوجب على المغرب أن يتقدم بطلب رسمي إلى الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن من أجل إنشاء مسالك إنسانية آمنة، تؤمن عودة اللاجئين إلى التراب الوطني مع تقديم كافة الضمانات من لدن المغرب بأن يتم توفير كل وسائل العيش الكريم من سكن وتطبيب وشغل وغيرها من شروط الحياة، ويكون بذلك المغرب قد رمى بالكرة في ملعب الأممالمتحدةوالجزائر، من أجل إنهاء الغموض الذي يلف هذا الموضوع ويتم وضع الأمور على المحك بكيفية قوية. ولعل المغرب في حاجة ماسة الآن إلى تطوير أدوات ووسائل الدبلوماسية، وذلك من خلال إصدار كتاب أبيض حول موضوع الصحراء يكون معززا بالقانون الدولي ويتطرق إلى عدد من المفاهيم من قبيل «احتلال» و»تقرير المصير» وغيرها من المصطلحات، كما يتضمن واقع الأقاليم الجنوبية، وجهود المغرب وإمكانياته في مجال التعاون الدولي، لاسيما أنه أصبح حارسا مركزيا لاستقرار منطقة البحر الأبيض المتوسط، خاصة في مكافحة الإرهاب والهجرة السرية. هذا الكتاب الأبيض الذي يقترحه الحسيني، يعتبره بمثابة وثيقة أساسية تضاف إلى كل الوثائق التي يتقدم بها المغرب لدى الجهات المختصة، والذي ينبغي أن يكون بكل اللغات الحية، ويوزع على أوسع نطاق ممكن، سواء لدى جمعيات المجتمع المدني في كل البلدان التي لها علاقة بالموضوع، وكذا برلمانات الدول وغيرها من الهيئات المعنية بهذا الملف. احزرير: خلفيات تصريحات بان كيمون غير بريئة وهناك بصمات لطرف في مجلس الأمن أكد أن إدارة الصراعات والعلاقات الدولية لا تتحكم فيها الأخلاق بل المصالح الإستراتيجية فشلت التبريرات، التي اجتهد الأمين العام للأمم المتحدة في تقديمها بعد تصريحاته الخطيرة خلال زيارته لمخيمات المحتجزين بتندوف، في إخفاء النوايا والأيادي الحقيقية التي حركت الرجل، والتي جعلته يتحول من مجرد أداة تنفيذية لقرارات مجلس الأمن إلى مسؤول منحاز يوزع شارات النصر. عدد من المتتبعين يؤكدون أن ما أقدم عليه بان كيمون هو ترجمة فعلية لتحركات عدد من الأطراف، سواء الإقليمية أو الدولية، خاصة بعض الدول داخل مجلس الأمن التي تعد مهد البراغماتية، والتي تؤمن بقوة أن العلاقات الدولية لا تتحكم فيها الأخلاق بل المصالح الاستراتيجية. هذا المعطى حسب الأستاذ احزرير، أستاذ العلوم السياسية بجامعة المولى إسماعيل بمكناس، كان محركا أساسيا تحكم في إدارة وتوجيه مسار عدد من الملفات والصراعات، وهو ما يفسر وجود بصمات دول لها وزن وتأثير في العلاقات الدولية في المتغيرات الأخيرة المرتبطة بملف الصحراء بشكل يتماشى مع الطرح الجزائري، علما أن شركة «سوناطراك» التي تحتكر تدبير ثروات الشعب الجزائري تعد «وزارة الخارجية الفعلية»، وتوظف أموالا طائلة من عائدات البترول والغاز لعرقلة مصالح المغرب». وقال احزرير إن هذه العوامل مجتمعة تفتح المجال للحديث عن ضغوطات أو بداية إرهاصات لانطلاق خارطة طريق جديدة في المنطقة، وأضاف «في الوقت الذي نحاول على امتداد 40 سنة استكمال وحدتنا الترابية نجد الآن وفي ظل عدد من التطورات أن أطرافا إما إقليمية أو دولية قد شرعت فعليا في بعثرة الأوراق بالتزامن مع تصاعد الحديث عن سيناريو الفيدراليات بعدد من الدول». ونبه احزرير إلى أن الخرجة المفاجئة لبان كيمون والانقلاب الذي قاده، سواء على دور الأممالمتحدة في الملف، أو على مستوى المهام الوظيفية المنوطة به، تم تعبيد الطريق لها منذ مدة، من خلال التقارير المنحازة لمبعوثه، وهو ما جعل بان كيمون يضيف اجتهادات لما أوعز إليه بالقيام به خلال زيارته لمخيمات المحتجزين بتندوف، من خلال تصريف ردود فعل أساءت إلى صورة الأممالمتحدة. وعلاقة بذلك قال احزرير إن الأمين العام بتكوينه وتجربته لا يمكن أن يفرط في الخطأ بهذا الشكل، وبالتالي فإن تصريحاته الأخيرة غير بريئة، بل تحمل في طياتها رهانات مرتبطة ربما ببعد إقليمي، وهو «ما يفسر تصريحاته المنحازة التي لا أستبعد أن تكون قد صيغت من قبل طرف مؤثر داخل مجلس الأمن، طرف أصبح يتبنى طمعا في مصالح معنية وجهة مغايرة ومناقضة للطرح الفرنسي، الذي يعتبر أن حل مشكل الصحراء يمر عبر الحكم الذاتي باعتباره مشروعا وطرحا له مصداقية وواقعية». ولم يستبعد احرزير بشكل صريح أن تكون هناك أياد أمريكية وراء التحركات الأخيرة للأمين العام للأمم المتحدة، وقال: «نعلم جميعا أن هناك نوعا من النفاق يطبع تعامل الأمريكيين في علاقتهم الدولية»، وهو ما يفسر تأكيد عدد من المحللين الاستراتيجيين لحقيقة أن الولاياتالمتحدةالأمريكية لا تسعى لحل المشاكل والأزمات الدولية، بل تعمل على الاستثمار فيها لأقصى مدى، من أجل تحقيق مصالحها بما يخدم سياساتها الخارجية وخططها المرتبطة بالتوازنات الدولية. وقال احزرير إن الأسابيع والشهور المقبلة ستكشف بشكل لا لبس فيه الدوافع التي حركت بان كيمون، رغم أن الجزء الظاهر حاليا مرتبط بمناورات الجزائر وبعض الدول الانجلوساكسونية المعادية للمغرب، وأضاف بأن صفة ووظائف الأمين العام للأمم المتحدة لا تمنحه الصلاحية والقوة القانونية لحسم الصراعات والملفات، من خلال ترجيح كفة على أخرى انطلاقا من تصريحات أو مواقف، وأن الأمين العام في المنظومة الأممية هو مجرد أداة تنفيذية لمجلس الأمن في حين يبقى الأعضاء الدائمون في هذا الأخير هم أصحاب الحل والعقد. هذا الواقع هو ما يفسر أن قرارات المجلس غير قابلة للطعن، وبالتالي فإن عصب الأممالمتحدة يتمثل، حسب احزرير، في مجلس الأمن وليس الأمين العام للأمم المتحدة، الذي تبقى له جوانب تنظيمية وإدارية إضافة إلى أدواره في المساعي الحميدة، وبالتالي فإن تصريحاته الأخيرة يتعين وضعها في سياقها المرتبط بمصالح بعض الدول. ونبه أستاذ العلوم السياسية إلى أن المغرب لم يساير إيقاع العلاقات الدولية حين تم التوقيع بين غورباتشوف وريغان على اتفاق إنهاء الحرب البادرة ولم يدفع في اتجاه حل ملف الصحراء باعتباره أحد النزاعات المرتبطة بهاته الحرب، وأضاف أنه يتعين تغير الاستراتيجية القائمة حاليا من خلال الرهان على الدعم الفرنسي فقط، علما أن الثقافة الموجود لدى الحكام في فرنسا تجعلهم في موقف صعب من خلال سعيهم لإرضاء الجزائر والمغرب معا، وهو ما يفسر الدرجة الصفر الموجودة في الدبلوماسية الفرنسية إزاء الطرفين. وقال المتحدث ذاته إن على المغرب أن يستثمر بكل الطرق المتاحة اتفاقيات الشراكة والتبادل التجاري التي تجمعه بعدد من الأطراف المؤثرة داخل مجلس الأمن من أجل الضغط بما يخدم مصالحه، وأضاف «هناك أوراق يتعين توظيفها ولا يمكن الاستمرار في الرهان على الدعم الفرنسي فقط». شيات: كيمون زرع الشك في القيم النبيلة للأمم المتحدة ورأيه لا قيمة له في العالم قال إن تدبيره جعل مبعوتيه مصدر تشاؤم مفرط في إمكانية إيجاد حلول سلمية في هذا الحوار، يتحدث خالد شيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، عن التوتر الذي تفجر بين الرباط والأمين العام للأمم المتحدة، إثر خروج الأخير عن واجب الحياد واتخاذه لموقف سياسي وصل حد وصف الصحراء المغربية ب»المحتلة». وسجل شيات أن الأمين العام حاول من خلال تصريحاته الأخيرة أن يوجه الرأي العام الدولي نحو قناعاته الشخصية، ومشيرا إلى عدد من مواقفه التي أضحت تهدد السلم العالمي، ومنها أنه أصر على تفتيت وحدة السودان بدون داع قانوني. – إلى أين تسير الأزمة القائمة بين الأمين العام للأمم المتحدةوالرباط، خاصة بعد تقليص موظفي «المينورسو» وسحب مساهمة المغرب؟ تسير في الطريق الذي يضمن الكرامة والحفاظ على المصالح الثابتة للمغرب والمغاربة. يجب أن نعرف أن المغرب لا يمكن أن يتصرف بطريقة أخرى، ولا يمكن أن تتعامل مع اللص باحترام. بان كي مون يحاول أن يوهم العالم بأن هناك احتلالا وحالة لا يمكن السكوت عليها، وأوضاعا إنسانية مزرية بمخيمات تندوف ويوحي بأن المغرب هو المسؤول عن ذلك، ويوحي أن الحل هو أن يعمل العالم على دعم ما يراه شعبا مشردا في فيافي الصحراء جائعا وبعيدا عن الحضارة وغاضبا. إنه لأمر مخز أن يتحدث أمين عام للأمم المتحدة بهذا التبسيط المذل، نعم كل ما يقوله صحيح، الصحراويون يعانون فعلا لكن أولا إن كان يريد أن يرى فعلا هل هناك احتلال كان عليه أن يقول ذلك عندما يزور العيون أو الداخلة أو السمارة أو غيرها من الحواضر الصحراوية، وليس من مخيمات العار التي تتحمل فيها البوليساريو المسؤولية التاريخية وليس فقط المسؤولية القانونية. كان عليه أن لا يكون لعبة في يد من اعتبروا أن الدولة لا يمكن أن تقوم إلا بوجود هذه الكتل البشرية المسماة قهرا شعبا، والتي تعطي الشرعية لوجود الدولة التي أعلنوها في فبراير 1976 ويتحدثون في شكل هزلي عن تقرير المصير. كيف يستقيم أن تعلن دولة وتدعي أنك ديمقراطي تقبل الاستفتاء ونتائج الاستفتاء؟ أمر لا يستقيم، هناك مسؤول عن الألم فعلا لكن الأمين العام كان حانقا على المغرب يحمل غلا لوحدته واستقراره، كان مثاليا في فهمه للمشكلة بالشكل الذي جعله مستغرقا في القانونية العمياء للسلام الدولي الذي تسهر عليه الأممالمتحدة. وأعتقد من خلال كل ذلك أن الأزمة ستستمر مادام أن مقاربة الأمين العام للأمم المتحدة مقاربة قاصرة ومادام أن الخيوط التي تحرك المشكل لازالت قائمة وتسهر على ألا يستقر الوضع من أجل بناء سياسي ديمقراطي ومسار اقتصادي إقليمي اندماجي، إلى ذلك الحين الذي سيرى فيه المتنطعون أنهم يملكون أسبابا للاستمرار، ستستمر الأزمة وتستمر المعاناة التي يدعي الأمين العام أنه جاء لوقفها. – مجلس الأمن الدولي خرج الخميس الماضي بقرار يهم اتخاذ خطوات دبلوماسية لنزع فتيل التوتر مع الرباط، فهل في ذلك تحميل ضمني للأمين العام مسؤولية إثارة هذه الأزمة بخروجه عن واجب الحياد، خاصة أن المغرب أكد أن صراعه مع الأمين العام وليس مع الأممالمتحدة؟ مجلس الأمن هو المعني بهذا الصراع والأمين العام حاول أن يوجه أخلاقيا العالم أجمع. إننا متيقنون أنه لا خوف على قضيتنا العادلة، لكن لا يمكن أن نجابه العالم من أجل رأي شخصي لرجل لا يستطيع أن يفهم ضوابط عمله. إن ما قاله الأمين العام الأممي خطير، كما سبق أن قلت سابقا، لأنه يحاول أن يوجه الرأي العام الدولي نحو قناعاته الشخصية، ولا يمكن توقع ردود الفعل من الأطراف غير العقلانية كما هو الحال عندما تهدد البوليساريو بالحرب. ولا أمل سوى أن العالم يعرف أنه لا قيمة لرأي مون لأنه فقد كل التعاطف تقريبا من كل من كان له بصيص أمل في أن تكون الأممالمتحدة قاطرة للسلم الدولي. لم يكن مون محتاجا لدرس في كيفية عمل أجهزة الأممالمتحدة وهو أمينها العام، لكن التعليم ليس له حدود يمكنه أن يتعلم ما معنى أن تكون أمينا عاما للأمم المتحدة من طرف الأمم التي هي أعضاء في هذه المنظمة، حيث يمكن أن تعتبروا هذا الأمر مبالغة لكن بصدق فهذه لحظة كاريكاتورية في مسار الأممالمتحدة. – كيف تقيم التحركات الدبلوماسية للمغرب التي تزامنت مع بروز هذا التوتر، وقبيل تقديم التقرير السنوي نهاية أبريل؟ أعتقد أن الإبداع ليس شرطا للهدم، والهدم عملية سهلة يمكن أن تأخذ أبعادا متعددة. لذلك أنا أعتقد أن الانفصاليين هدامون بالطبيعة، وسيجدون متعة كما سيجدون سهولة في وضع خطط لإحراج المغرب لأن المغرب ببساطة يقوم بعملية بناء. لذلك ذهب الانفصاليون لرأس الأفعى واستعانوا بها، وهم يعتقدون أنهم يمكنهم أن يحققوا خرقا دبلوماسيا، وأعتقد فعلا أنهم فعلوا ذلك، لكنه ثقب صغير في جبل. هذا من جهة، والمسألة الثانية هي أنهم سيحتاجون لهذا الذكاء عندما سيكونون أمام امتحان الحقيقة غدا عندما سيضطرون للتعامل مع حصائد أعمالهم ثانيا، لأن الأمر ليس عملية قانونية، بل أعقد من ذلك بكثير لأنهم كتل سياسية بدون ذاكرة وقياس النجاح لديهم آني ومستعجل. وأنا سأقول إن أي حل كان لن يكون بالطريقة التي يتصورون ولا في صالحهم، لأن لدى المغرب القدرة على التكيف وهو الشيء الذي لا يتقنونه. هم يتحدثون، ولا زال الوقت أمامهم لمزيد من الحديث، عن معطى ثابت في القانون الدولي تحقق بإجماع في منظومة سابقة، ولا زال قابلا للتطبيق لكنهم لا ينتبهون للتغيير الكبير الذي يحدث تحت أقدامهم. اليوم ستبقى اللعبة هي نفسها ولا يمكن أن تتغير المعطيات لمجرد أن هناك شخصا نافذا في الأممالمتحدة يقول إن هناك شعبا صحراويا محتلا، والحقيقة أن ذلك عامل لتعزيز التوازن الذي تقول المعطيات الواقعية إنه غير قابل للتحول، ليس لأننا محبوبون بل لكون القوى المؤثرة تخاف من التحول الذي ستكون له تبعات كبيرة عليها، وهي كلها تبعات سلبية حتى لو سلمنا بأنها أصبحت أخلاقية لدرجة تقديم مبادئ القانون الدولي. – ألا ترى أن مواقف الأمين العام تدفع بالمنطقة نحو المجهول؟ وكيف تقرأ ردود الفعل الدولية في هذا الجانب (مواقف روسياوفرنساوالولاياتالمتحدة)؟ هو مجهول معلوم؛ لأن المجهول بالنسبة للأمين العام للأمم المتحدة معلوم لدى المغرب، والجاهل الوحيد في هذه المعادلة كان هذا الرجل الذي يفترض فيه أن يعرف، لكن للأسف جهله مركب، وهذا ليس تقليلا من قدره فقط كما قال محتجا على وزير الخارجية المغربي، بل هو تسفيه له لأن درجة العمالة التي أبان عنها لا حد لها لدرجة أنه أول أمين عام بدأ في زرع الشك حول القيم النبيلة التي جاءت من أجلها الأممالمتحدة. فهو من أصر على تفتيت وحدة السودان بدون داع قانوني، وهنا يظهر ولعه باللجوء إلى الأسس المتحركة على عكس القناعات الثابتة التي يدعيها في قضية الصحراء، وهو من كان يتصرف في البعثات المرتبطة بحفظ السلم لدرجة أن أيا منها لا يحفظ حتى على أمن نفسه منها. بان كيمون هو الذي جعل الشك يدخل إلى أذهاننا عن طريق طبيعة التعامل مع المبعوثين الأممين الذين صاروا بحق في مرحلة تدبيره مبعوثين للتشاؤم المفرط في إمكانية إيجاد حل سلمي، لأنه لا يسمح أو لا يعرف كيف يمكن أن يدبر أي صراع بعيدا عن قناعاته التي يعتقد أنها الحقيقة الثابتة غير القابلة للنقاش، في حين أنها مجرد ترهات أدت عمليا إلى الوصول إلى أخطر درجات التنازع حول طبيعة منظومة السلم العالمي، الذي تحقق بصعوبة عقب الحرب العالمية الثانية وعقب الحرب الباردة. – في خضم هذه التطورات، تعود البوليساريو في كل مرة إلى التلويح بالعودة لحمل السلاح. فهل في ذلك محاولة للتغطية على الصراع القوي وحدة الاحتقان داخل المخيمات؟ مؤسف فعلا أن تكون ذاكرة البوليساريو بهذا القصر، لأني لا أجد التعابير المناسبة للذين كانوا وراء هذه المأساة من الجانبين طيلة الحرب التي راح ضحيتها المئات بالصحراء باسم الدفاع عن قيم الاشتراكية ومنها إلى حق تقرير المصير وغيرها. تخونني الكلمات فعلا للتعبير عن درجة الضحالة التي لا زالت قائمة لدى البعض، والسادية السياسية التي ينتقمون من خلالها من أمة وشعب حافظ على رسالته منذ قرون. لكن في الأخير سأقول إنه خيار وعليهم أن يتحملوا مسؤولية اختياراتهم، لأنهم إذا كانوا يعتبرون أنفسهم ناجحين دبلوماسيا كما يزعمون فلماذا سيلجؤون إلى الحرب؟ ودعوني أقول لكم السبب الذي للأسف لا يعرفه بعض الصحراويين أنفسهم، لأنه ببساطة مسألة الحرب قرار جزائري، وهو موضوع على الطاولة بحدة لأنهم يريدون أن يؤدوا أدوارهم بإتقان، دور العمالة لتجزيء المجزأ وتفتيت المفتت، هذا هو الشيء الوحيد الذي يمكن أن يبقيهم في كراسيهم، طبعا مع شيء من الدعاية القائمة على المبادئ وبهارات من البهرجة الإعلامية. غير أن النتيجة كارثية على الجميع وأنا أتحدث هنا على الشعوب. والحكمة تقتضي ألا تناقش الأحمق الذي يأتي حاملا سلاحا بيده مهددا إياك، للأسف الشيء الوحيد الذي يمكنك فعله هو أن ترديه قبل أن يفعل ذلك بك، وهذا لا يحتاج للتفكير، لأن البوليساريو التي تهددنا بالحرب لا تفترض أننا سنهديها ورودا بالمقابل.