سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
حازم: تدبير أموال «راميد» وضع وزارة الصحة في حالة تنافي و13 مليارا ظلت مجمدة بسبب القانون قال إن القانون منح الخواص حق فتح المصحات ولا يمكن منع التعاضديات من إنشائها
لازال نظام المساعدة الطبية «راميد» يطرح عددا من الإشكالات بسبب ضعف العرض الصحي، والاختلالات القانونية والمالية التي رافقت تنزيل هذا الورش الاجتماعي. الجيلالي حازم، مدير الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، التي تعتبر بمثابة «دركي» القطاع، فكك بمناسبة استضافته في برنامج «مناظرات المساء»، الاختلالات التي تعتري نظام «راميد» وحال المستشفيات التي شهدت تدفق آلاف المواطنين الذين اكتسبوا حق العلاج بقوة الدستور والبطاقة التي يحصلون عليها. وتوقف حازم عند التجاوزات التي يشهدها القطاع الصحي، ومنها ما يرتبط بلجوء المصحات إلى فرض «النوار» والحصول على شيك ضمان خارج القانون. – كثير من المغاربة لا يعرفون مهام الوكالة الوطنية للتأمين الصحي. هل نحن إزاء مؤسسة تشتغل على الملفات أكثر مما تتواصل؟ الوكالة الوطنية للتأمين الصحي حديثة النشأة، حيث تم خلقها سنة 2005، وبدأت عملها في 2006. إحداث الوكالة جاء في إطار الإصلاح الذي اعتمدته بلادنا لأول مرة، والمتعلق بالتغطية الصحية الأساسية، حيث تم خلق نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض بالنسبة للنشطاء والمتقاعدين ونظام المساعدة الطبية المعروف ب»راميد»، والذي يتعلق بفئة لا يمكنها الانخراط في التأمين الأساسي وليست لديها الإمكانيات الكافية للولوج إلى العلاج. وخلال الخمس سنوات الأولى لإنشاء الوكالة، تم التركيز بشكل أكبر على وضع الهياكل وآليات الاشتغال وأولى الاتفاقيات الخاصة بالتعريفة، وبالتالي فقد كانت الوكالة مشغولة أكثر بتحقيق أهدافها ووضع آليات العمل. – المغرب يستلهم تجارب مجموعة من عدد من الدول في مجالات مختلفة، فهل هذا الأمر ينطبق أيضا على الوكالة الوطنية للتأمين الصحي؟ هذه الوكالة ميزة مغربية، إذ أننا لم نستورد أي نموذج أجنبي. فنحن من الأوائل الذين وضعوا مؤسسة مراقبة ومؤطرة وساهرة على تنفيذ القانون فيما يخص التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، حيث يمكن اعتبار الوكالة بمثابة «دركي» يسهر على تطبيق القانون، كما هو الحال بالنسبة للهيئة الوطنية لتقنين المواصلات أو الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري. وبالتالي، فهذه هيئة للتقنين والضبط في قطاع التأمين والتغطية الصحية الأساسية، فالتأمين الصحي هو جزء من المنظومة ككل، والذي يمكن اعتباره بمثابة ممول لهذا القطاع. بالعودة إلى إشكالية التواصل، أؤكد أنه لم يتم القيام بمجهود كبير، حيث لم تكن لدينا مصلحة للتواصل وعندما جئت منذ سنتين اشتغلت على هذا الموضوع، فوضعنا رئيسة مصلحة إلى جانب أربعة أطر متخصصة تشتغل من خلال استراتيجية تواصلية. الآن يتم التحضير لفيلم مؤسساتي واتفاقية تم إبرامها مع وزارة الصحة و»الكنوبس» فيما يخص الوقاية، إلى جانب التواصل الخاص بالتغطية الصحية الخاصة بالطلبة. كما أننا خلقنا خلية للاستقبال داخل الوكالة بدأت عملها منذ حوالي 6 أشهر، ففي السابق لم نكن نستقبل أي مواطن واليوم نستقبل بين 50 إلى 60 شخصا في اليوم. فنحن لدينا مهمة في إطار تأطير التأمين ومهمة التحكيم، في حال وجود نزاع بين مؤمن ومصحة أو مؤمن والصندوق أو بين مصحة والصندوق وغيرهم، إذ يمكن اللجوء إلى الوكالة التي تقوم بالتحكيم، علما أن قراراتها ملزمة. الوكالة تقوم أيضا بمهام وضع التعريفة الوطنية في إطار الاتفاقيات الوطنية، حيث يلجأ لنا منتجو الخدمات في هذا المجال، ونضع لائحة الأدوية المعوض عنها والمسترجعة نفقاتها. كما أن الوكالة هي التي تحدد نوعية الأمراض المكلفة والمزمنة التي يتم إدراجها في اللائحة المستفيدة من آلية الباقي تحمله، ناهيك عن أننا نمنح رمزا استدلاليا إجباريا للموقعين على الاتفاقيات، والذي يتم وضعه فوق ملفات التعويض عن المرض. – هل تسهرون أيضا على احترام ما قد نسميه بدفتر التحملات بين المؤمن ومقدمي العلاجات؟ نعم، وهنا أشير إلى أننا نتدخل في البروتوكولات العلاجية التي نتكلف بوضعها. فالطبيب أو المصحة المنخرطين في الاتفاقيات العلاجية يتوجب عليهم العمل بالبرتوكولات التي نحددها لمعالجة الأمراض، علما أن الطبيب يرفض أن يكون هناك توجيه طبي، بل يفضل أن يبقى حرا في هذا المجال. غير أنه في إطار الاتفاقيات الوطنية، إذا كان الطبيب متعاقدا مع الصناديق وقامت الوكالة بإخراج بروتوكول بشأن كيفية علاج مرض معين، فإنه يكون ملزما بتطبيقه، وإلا فإنه سيتم رفض التحمل. وهنا أؤكد أننا لدينا مهمة ردع في شكل إخراج مصحة أو مستشفى أو طبيب أو مختبر من الاتفاقية لمدة سنة إذا لم يحترم بنودها، وهذه مهمة زجرية بيد الوكالة. وهناك مهمة أخرى أساسية للوكالة تتعلق بتدبير الموارد المرصودة لنظام المساعدة الطبية «راميد»، فنحن من يصدر بطائق الاستفادة ونتكلف بجمع الأموال التي تأتي من المساهمين. وكان يتوجب، حسب القانون، أن نجمع التمويلات التي تقدمها الجماعات والدولة ونقدمها للمستشفيات في إطار التعاقد، غير أن هذه الأمور لا تطبق الآن وسنتحدث عنها لاحقا. – كيف يتم تشكيل رأس الوكالة؟ هل يتم ذلك بالانتخاب أم التعيين؟ المجلس الإداري للوكالة يرأسه، حسب القانون، رئيس الحكومة. وأذكر أن أول مجلس إداري ترأسه الوزير الأول الأسبق إدريس جطو. بيد أنه يمكن لرئيس الحكومة أن يفوض وزير الصحة هذه المهمة بناء على مرسوم. أما فيما يخص مدير المؤسسة فهو معين طبقا لقانون التعيين في المناصب العليا، ففي السابق كان يعين بظهير واليوم يدخل تعيين مدير الوكالة ضمن صلاحيات رئيس الحكومة. بالنسبة لنا فهناك مجلسين إداريين بتشكيلتين مختلفتين، لأننا نقوم بمهمتين أساسيتين. فهناك مجلس إداري خاص بحكامة وتأطير التأمين الإجباري عن المرض، والذي يضم النقابات والباطرونا والغرف المهنية والوزارات المعنية. وهناك أيضا مجلس إداري خاص بنظام المساعدة الطبية «راميد»، يضم الداخلية والوظيفة العمومية والصحة ومدراء المستشفيات الجامعية. بطبيعة الحال فالوكالة الوطنية للتأمين الصحي هي مؤسسة مستقلة لديها استقلالية مادية ومعنوية، فالمدير هو الآمر بالصرف ولدينا نفس الوضع الموجود في باقي المؤسسات العمومية، ونخضع للمراقبة. – مادام أن لديكم ارتباط كبير بقطاع التأمين، فنود أن نطرح معك النقاش الدائر حول مشروع مدونة التعاضد والجدل المثار حول منح التعاضديات وحق فتح وتدبير المؤسسات الصحية. ما رأي الوكالة في هذا الملف؟ بمجرد أن وضعت قدماي في المؤسسة، كان مشروع المدونة مطروحا على المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للإدلاء رأيه بشأنه، وقد كان مبرمجا أن يتم الاستماع إلى رأي الوكالة. فبعد يومين من مجيئي، قدمت عرضا في الموضوع أمام المجلس الاقتصادي. الإشكال الحاصل هو أن هناك طرفا يعتبر أن التعاضديات مدبر للتأمين الإجباري عن المرض، وبالتالي فحسب الفصل 44 الذي يميز بين من يدبر التأمين ومن يسير المؤسسات الصحية، فهذا الأمر يشكل تنافيا. طبعا مشروع مدونة التعاضد جاء ليكرس هذا الحق، على اعتبار أن التعاضديات لم تأت فقط لتدبير التأمين الأساسي، بل لتدبير التأمين الإضافي للموظفين وكانت أيضا تدبر عددا من مراكز علاجات الأسنان ومؤسسات صحية. عندما عرض الملف على المجلس الاقتصادي والبيئي، أعطى الأخير رأيا لصالح التعاضديات لكي تستمر في هذه المهام، لأن القانون منح تدبير التأمين الأساسي ل»كنوبس» والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في حين أن التعاضديات تم منحها فقط مهمة محددة في إطار تفويض. بعد ذلك تبلور الموقف، وتم تغيير المشروع حيث تم الأخذ ببعض ملاحظات المجلس الاقتصادي. في هذا الخضم جاء تحرير رأسمال المصحات وأعطى للخواص الحق في فتح هذه المؤسسات الصحية، وبالتالي وقعت تطورات مختلفة. كما أن الدستور كرس الحق في التغطية الصحية الأساسية والحماية الاجتماعية، وأثار مسألة التعاضديات أيضا، ناهيك عن أن القانون 65-00 نص على حماية المكتسبات، والتعاضديات تعتبر هذه المهام من المكتسبات. فالتعاضديات تقدم خدمة للمواطنين بسعر في المتناول، ويعتبرون بأنه داخل فئة الموظفين والأجراء توجد فئة في وضعية هشة، وهذه التعاضديات جاءت لترفع شيئا من الضغط عنها. – ما الموقف الذي خرجت به الوكالة بخصوص هذا الملف؟ نحن تقدمنا بموقف من الفصل 44 بكامله. الوكالة ترى أن المغرب يتجه نحو توسيع التغطية الصحية لتشمل جميع الفئات، بيد أن الوتيرة التي نسير بها في هذا المستوى لا توازي تطور العرض الصحي في بلادنا. فرغم المجهودات التي قامت بها الدولة، إلا أننا لا نتمكن من توفير إلا سكانير واحد خلال سنتين وحوالي 100 سرير في السنة على مستوى القطاعين العام والخاص. هذا يعني أن وتيرة تطور العرض الصحي تسير بشكل أقل مقارنة مع التوجه نحو توسيع التغطية الصحية. عندما سيصبح جميع المغاربة مؤمنين فلن يجدوا العرض الصحي الذي سيستوعبهم، وبالتالي ستضطر الصناديق للبحث عن مكان ما قصد علاجهم. لذلك أكدنا أن الفصل 44 يصلح لبلد يتوفر على عرض صحي كبير، كما هو الحال بالنسبة لفرنسا، أما في المغرب فالقطاع قادر على استيعاب كل هذه الفئات، وعلينا أن نجد طريقة ذكية لتعديل الفصل 44 حتى نفسح المجال لكل من يمكنه أن يساعدنا في تطوير القطاع الصحي، على أن ينخرط في إطار خريطة صحية حتى لا نكرس مركزية الاستثمارات الصحية في الرباطوالبيضاء. بطبيعة الحال فالصناديق لا يمكن أن تتوفر على مصحات تابعة لها، لكن بالنسبة للتعاضديات فيمكن أن ندخل تعديلا يجعلها تستثمر في هذا المجال. فلا معنى لنمنح للخواص الحق في فتح المصحات ويتم في المقابل منع التعاضديات من ذلك، بل يجب فقط أن نعتمد تعديلا ذكيا. فالمنخرط الذي سيؤدي نسبة معينة من الاشتراكات لا يجب أن يقطع مئات الكيلومترات للوصول إلى مستشفى ابن سينا، لأنه سينفق على تنقله أكثر من تلك المساهمة وهو ما سيشكل حيفا في حقه. لهذا يجب توفير المصحات قرب المواطنين في إطار خريطة صحية، من أجل الوصول إلى ديمقراطية صحية. – فتح رأسمال المصحات يثير تخوفا لدى المواطنين من إمكانية تخلي الدولة عن القطاع العام، وترك المغاربة في مواجهة مباشرة مع هذه المؤسسات الصحية الخاصة… المواطن يجب أن يقرأ النص القانوني، لأنه ليس من السهل أن يقوم كل شخص لديه مال بالاستثمار في مصحة خاصة، بل تم وضع شروط صارمة. والحال أنه في السابق كان يتم أحيانا فتح مصحات دون التوفر على الطاقم الطبي، بل يتم إفراغ المستشفيات العمومية لتشتغل تلك الأطر في المصحات، فهناك بعض المصحات لا تتوفر على متخصصين في المستعجلات وغيرها من التخصصات. – كيف تعاملتم مع فتح رأسمال المصحات خارج فئة الأطباء؟ نحن نقول إن العرض الصحي في بلادنا ضعيف وغير متوازن وغير منصف، والمستشفيات الجامعية لا توجد في كل المناطق، وهو الإشكال نفسه الذي نجده على مستوى المصحات، ناهيك عن كون عدد الأطباء ضعيف. لا يمكن غدا أن نطلب من المستقلين، تجارا وفلاحين وسائقين وغيرهم، أن يؤدوا مساهمة كاملة وينتقلوا في المقابل إلى الرباط قصد العلاج. الحل هو فتح رأسمال المصحات مع وضع عدد من الشروط لاحترام معايير الجودة والتوفر على حد أدنى من مهنيي الصحة، ناهيك عن إعطاء وزارة الصحة صلاحية منح الرخص وليس الأمانة العامة للحكومة. أضف إلى ذلك أنه يجب تعزيز دور الوكالة الوطنية للتأمين الصحي في مراقبة التعريفة الوطنية لأن هؤلاء سيدخلون معنا في الاتفاقات الوطنية. – هناك من سيرغب في الاستثمار في المناطق الجاذبة على مستوى الرباط والدار البيضاء، فهل الخريطة الصحية ملزمة؟ نعم الخريطة الصحية ملزمة. موقفي هو أن الترخيص يجب الحصول عليه من وزارة الصحة استنادا إلى خريطة صحية توضح الخصاص والحاجيات. وفي إطار الاتفاقيات الوطنية فسندخل هذه الأمور في عملنا، على اعتبار أن المؤَمنين يوجدون في مختلف أنحاء المغرب. بالنسبة لنا فمهام الضبط والتأطير نقوم بها فيما يخص الاتفاقيات، إلى جانب المراقبة الشاملة التي تقوم بها وزارة الصحة للنظام بشموليته. – ما هي آليات اشتغال الوكالة في المناطق البعيدة؟ تنحصر مهامنا في المرحلة الحالية في مدينة الرباط فقط، على اعتبار أننا لا نقوم بالتدبير حتى نكون قريبين من المواطنين بل ننتج المعايير والقوانين وآليات الضبط ونتدخل ولنا وظيفة التحكيم. طبعا إذا كانت هناك شكايات كثيرة وعدد كبير من عمليات التحكيم، فيمكن أن نلجأ إلى تقريب هذه الخدمات في المناطق المعنية. والحال أنه في المرحلة الحالية لا يوجد داع لذلك، في حين أن «كنوبس» والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي سيدبر أيضا التغطية الخاصة بالمستقلين والطلبة، فيتوجب عليهما التوفر على مراكز قريبة من المواطن لأنهم يدبرون الخدمة. – أغلب مصحات القطاع الخاص، باستثناء قلة قليلة، تلجأ إلى «النوار» وضرورة وضع شيك ضمان. ألا تتوصلون بشكايات في هذا الشأن؟ الوضعية التي وصلنا إليها الآن يتحمل مسؤوليتها طرفان أولهما الوكالة، إذ كان عليها أن تحين الاتفاقيات الوطنية على رأس كل ثلاث سنوات. فمنذ 2006، حيث بدأت الوكالة عملها، تم توقيع هذه الاتفاقيات إلا أنها لم تخضع لأي تحيين، سواء في اتجاه رفع بعض التعريفات أو خفض بعضها. مثلا بالنسبة لطبيب عام، ففي سنة 2006 تم تحديد الاستشارة ب80 درهم، والحال أنه لو تم رفعها إلى 100 أو 120 درهما وتم وضع إجراءات مواكبة لعالجنا الأمر، ومن لا يحترم هذه الاتفاقية يتم إخراجه منها. الأمر نفسه بالنسبة للطبيب المختص فلو أصبحت التعريفة حوالي 200 درهم لعالجنا الأمر، ونقوم في المقابل بإجراءات مواكبة من خلال إشهار التعريفة والتواصل مع المواطنين، على اعتبار أن من بين مهام الوكالة هو التواصل مع المواطنين لندلهم على منتجي الخدمات الذين تم إخراجهم من الاتفاقيات بسبب عدم احترامهم لها. المسؤولية الثانية يتحملها منتجو الخدمات الذين لم ينخرطوا ولم يصدقوا هذه الثورة في مجال التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، فعدد من الناس كانوا يستهزئون بالأمر ولم يتوقعوا أن نصل إلى ما نحن بصدده اليوم. طبعا هناك مصحات أكدت استعدادها لتلتزم معنا وتمتنع عن الحصول على الشيك و»النوار» لكنها لم تتمكن من ذلك بسبب التعريفة الحالة. فالمصحة لا يمكن أن تقارن مع المستشفى العمومي لأنها تؤدي الضرائب، ناهيك عن كون هذه الإشكاليات ترتبط أساسا بالطبيب. الاتفاقيات الوطنية تسري على المصحة والطبيب، فمثلا التعريفة الخاصة بالإنعاش تصل إلى 1500 درهم يوميا وتشمل مصاريف الدواء والطبيب والإقامة، والحال أنها تبقى منخفضة إذا كان الأمر يتعلق بدواء مرتفع التكلفة، وعليه فإن المصحة تؤدي للطبيب جزءا من مصاريفه ويقوم الأخير بالحصول على الجزء الآخر من المواطن وهو ما يسمى ب»النوار». هذا يعني أن المصحة لا تحصل على «النوار» بل الطبيب هو الذي يقبضه، في حين أن المصحة يمكن أن تحسن أجواء الراحة أو شيئا من هذا القبيل. – كيف يمكن مواجهة هذه التجاوزات؟ هذه الإشكالية أصبحت عامة ولا يمكن مواجهتها إلا من خلال إجراءات جديدة تتأسس على وضع اتفاقيات جديدة وملاءمة التعريفات مع الكلفة الحقيقية للعلاجات، وأن نفرق بين الاتفاقيات الخاصة بالمصحات والأخرى الخاصة بالطبيب، وهو الأمر الذي تم تكريسه في قانون المصحات الخاصة حيث ستكون مجبرة على نشر التعريفة للمؤمنين وتوضح إن كانت تشتغل معنا في إطار الاتفاقيات الوطنية، وآنذاك سنخبر المؤمنين ويمكن للمصحة غير المنخرطة معنا أن تطبق التعريفة التي تشاء. ما وقع هو أنه لم يتم تحيين الاتفاقيات، فعمد أطباء القطاع الخاص إلى مراسلة الوكالة ليعلنوا أنهم لا يعترفون بتلك الاتفاقيات فوقع جدل كبير، وبقي الوضع على ما هو عليه. – في إطار مهام التحكيم، هل تدخلتم في الصراع القائم بين التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية و«الكنوبس»؟ نحن تدخلنا في إطار النقط التي تندرج ضمن اختصاصاتنا. القانون ينص على أنه إذا كان هناك نزاع بين الفاعلين في التأمين الإجباري عن المرض فيمكن للوكالة أن تتدخل. عندما راسلتنا التعاضدية العامة وجدنا أن هناك عددا من النقط التي تدخل في صلاحياتنا لأنها مرتبطة بالتأمين، وبحكم أن التعاضدية لديها تفويض لتدبير هذا الأمر من طرف «كنوبس»، فقد اعتبرنا بأنه يمكن أن نقوم بجلسة تحكيم. بيد أن هذه الجلسة لم تكتمل، رغم أننا دعونا فقط إلى جلسة تحكيم ليس لإصدار حكم معين بل للقيام بوساطة والاستماع إلى الطرفين، غير أن الصندوق لم يحضر. آنذاك حررنا محضرا في الموضوع، وتوقف الأمر عند هذا الحد فإذا لم يحضر الطرف الآخر فلا يمكن أن نصدر حكما لأنه لابد أن نمكنه من حق الرد. – هذا يعني أنه لا يمكن أن تتدخلوا لحسم الموضوع إذا لم يحضر الطرف الآخر… في حقيقة الأمر وضعت تقريرا وجهته إلى رئيس الحكومة حول الإشكاليات المطروحة، والتي تدخل ضمن مهامنا. غير أنني أنوه في هذا السياق إلى أن هذا الطرف (كنوبس) لم يتغيب فقط عن جلسة التحكيم مع التعاضدية، بل أصبح يتغيب عن عدد من الجلسات ومنها المتعلقة بالاتفاقيات الوطنية، وكأنه أصبح يقاطع الوكالة لأنه ربما اعتبر أننا ذهبنا مع طرف آخر عندما حاولنا الوساطة والتحكيم. لهذا وضعت تقريرا بين يدي رئيس الحكومة، وقد كانت هناك اجتماعات على مستوى رئاسة الحكومة حاولنا فيها معالجة بعض المشاكل في حين لازالت بعض المشاكل الأخرى مطروحة. لكن حتى لو أكملنا جهود التحكيم وأصدرنا حكما في غياب الطرف الآخر، فهل سيطبقه؟ – لديكم قوة الإلزام، أليس كذلك؟ نعم لقد وجهنا إليه مراسلة رسمية ندعوه فيها إلى تطبيق عدد من الأمور، غير أنه لم يفعل أي شيء. وبالتالي فهذا الأمر فيه تجاوز للقانون والمؤسسات، وبالنسبة لنا فنحن مؤسسة للوساطة والطرف الآخر يمكنه الذهاب إلى القضاء.
– نصل الآن إلى النقطة المتعلقة بنظام المساعدة الطبية «راميد». هناك من يقول بأن هذا النظام لم يحمل أي جديد باستثناء تغيير وثيقة شهادة الاحتجاج ببطاقة «راميد». أي أفق لهذا الورش الصحي؟ قبل سنة 2008، أي السنة التي بدأت فيها التجربة النموذجية، كان المواطن المعوز أو غير المعوز يلجأ إلى المقدم والشيخ للحصول على شهادة الاحتياج من أجل الاستشفاء. هذه الشهادة كان يمنحها عون السلطة دون أن تستند على معايير أو تكون مرتبطة بعمل لجنة معينة، ناهيك عن أن صلاحيتها تنتهي بالحصول على العلاج. غير أن الدراسات التي تم إنجازها أوضحت أن 20 في المائة من الطبقة المعوزة فقط هي التي كانت تستفيد من هذه الآلية، في حين أن 80 في المائة المتبقية تشمل الفئات الميسورة. هذه المعطى يؤكد أن هناك مشكلا يرتبط بالفئة التي تستفيد من هذه الآلية، إلى جانب إشكال آخر يتعلق بمدى تمكين وثيقة الاحتياج للفئات المعوزة من الولوج إلى الخدمات الصحية، والتي كشفت قبل قليل أنها لا تتجاوز نسبة 20 في المائة. فمواطنون كانوا يفارقون الحياة لعدم قدرتهم على إجراء عملية تصفية الدم «دياليز»، وكان مواطنون يحملون أمراض السرطان وغيره إلا أنهم لا يستطيعون الولوج إلى العلاج، خاصة أن شهادة الاحتياج تمكن فقط من الاستفادة مرة واحدة من التحاليل أو غيرها، حيث يظل المريض في رحلة ذهاب وإياب إلى عون السلطة للحصول على شهادة الاحتياج في كل مرة، رغم أنه يحمل مرضا مزمنا. المشرع وجد آلية لتأمين هذه الفئة صحيا، ففي إطار التضامن الذي اتفقنا عليه فيما يخص هذا الإصلاح فإن فئة غير النشيطين التي تنتمي للفئات المعوزة يمكنها أن تتوجه لنظام المساعدة الطبية على أساس قواعد مضبوطة، وينبني على استهداف دقيق ولا يتم منح البطاقة من طرف شخص بل من طرف لجنة، وأن يكون هناك ضبط لهذه الآلية وذلك لمدة معينة، على اعتبار أن الوضعية الاجتماعية يمكن أن تتغير ويخرج الإنسان من فئة المعوزين. هذه الآلية اشتغلنا عليها في وزارة الصحة لمدة 10 سنوات ولم يكن سهلا أن نصل إلى هذا النظام المسمى بالمساعدة الطبية. الاستفادة من هذا النظام تتأسس على شرطين، أولهما عدم وجود إمكانية للانخراط في التأمين الإجباري وعدم التوفر على إمكانيات مادية ومداخيل تجعلك في غنى عن ذلك. آنذاك طُلب بشكل قبلي من المستشفيات أن تهيئ نفسها، على اعتبار أن المستفيد من «راميد» سيتوجه نحو المستشفى العمومي فقط، حيث تم إخبار المستشفيات بأنه ستكون هناك إمكانيات مالية إضافية للقطاع الصحي حتى تحسن من خدماتها سواء على مستوى الجودة أو القدرة على استيعاب الفئة المستفيدة من النظام. – كم كانت التقديرات المالية آنذاك؟ آنذاك حددنا 3 ملايير درهم يجب رصدها لهذا النظام عندما نصل إلى 8 ملايين ونصف من المستفيدين، وهو الرقم الذي وصلنا إليه. بعد ذلك انطلقت التجربة النموذجية في منطقة أزيلال، وبعد تقييمنا لها وجدنا أنها نجحت، وقد كانت مسبوقة بعدد من الخطوات منها تشييد مراكز لتصفية الكلي ورفع ميزانية الأدوية والموارد البشرية. التقييم كان إيجابيا جدا وقدم أمام صاحب الجلالة الذي قام في مارس 2012 بتعميم المساعدة الطبية بناء على هذا التقييم، وذلك من خلال دعم المستشفيات العمومية ومواردها البشرية والميزانية والأدوية وتدبيرها وعصرنتها للاعتماد على الفوترة. حقيقة كان هناك مجهود كبير على مستوى الاستهداف، إذ لا يحصل اليوم الشخص على البطاقة إلا إذا كان يستجيب لمعايير دقيقة، وإن كانت هناك بعض الحالات المعزولة التي لا تستحق، لكن في السابق كان عدد الأشخاص الذين لا يستحقون شهادة الاحتياج حوالي 80 في المائة. بيد أنه اليوم يتم الإعلان عن الأسماء المستفيدة من البطاقة، ولا أعتقد أن شخصا من الأعيان سيلجأ للحصول على بطاقة «راميد». أظن أن عملية الاستهداف والمقاييس التي وضعناها، والتي قمنا بتقييمها من خلال حذف بعض المستفيدين من البطاقة وإضافة آخرين، جعلتنا نعالج هذه الإشكاليات بنسبة 90 في المائة. المشكل الذي وقع هو أن المستشفى العمومي وقع عليه ضغط، لأن الخطأ الذي ارتكب هو أن الإمكانيات التي أعطيت لجهة تادلة- أزيلال في إطار التجربة النموذجية لم يتم تعميمها. – ماذا عن التدبير المالي الذي يؤكد القانون أنه من اختصاص الوكالة؟ القانون لم يطبق، والحال أن الوكالة هي من يجب أن تدبر المساهمات المالية المخصصة للنظام وتقوم بتوجيهها للمستشفيات العمومية في إطار تعاقدي من أجل علاج المواطنين. القانون أعطى الوكالة المهام نفسها التي أعطاها المشرع ل»الكنوبس» والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. بالنسبة لمساهمة الدولة والجماعات المحلية فيتم توجيهها لميزانية وزارة الصحة، غير أن الجماعات المحلية تبرمج مساهماتها ولا تتمكن من تحويلها، بسبب وجود إشكال تشريعي. فالقانون يؤكد أن جميع المساهمات يجب أن تحول إلى الوكالة، والحال أن الجماعات المحلية تؤدي 40 درهما عن كل شخص في وضعية فقر ولا تتمكن من تحويلها. بالنسبة لمساهمات الأشخاص المقدرة ب120 درهما فإنها تحول إلى حساب مفتوح باسم الوكالة، غير أن هذا الأمر يطرح مشكلا أيضا. فهذه الأموال لا يمكن لي أن أوجهها لوزارة الصحة، لأن القانون يؤكد بأن الوكالة هي التي يجب أن تجمع المساهمات، وفي المقابل هناك مرسوم ينص على ضرورة تحويلها إلى الوزارة فيما يعتبر المراقب المالي أن هذا الأمر غير قانوني. – بكم تقدر الأموال المجمدة في حساب الوكالة؟ هذه الأموال موجودة لكن لم نقم بتحويلها إلى المستشفيات بسبب إشكال مسطري قانوني، وتقدر اليوم قيمتها ب130 مليون درهم. غير أننا أصدرنا أخيرا قرارا عن طريق المجلس الإداري لندخل في إطار تعاقدي مع بعض المستشفيات العمومية للتكفل ببعض الأمراض المزمنة والعمليات الجراحية الكبرى التي تجريها هذه الفئات المعوزة. غير أنه بالنسبة لتوزيع التمويلات التي تتوصل بها وزارة الصحة والمقاييس الموضوعة لها فالمستشفيات تشتكي وتقول بأن الوضعية لا زالت هي نفسها كما كانت عليه قبل 2008. خلاصة الأمر أن هناك مشكلا قانونيا وإشكال تمويل وحكامة، وأيضا مشكل العرض الصحي وقدرة المستشفى ماليا وإداريا وتدبيريا للتكفل بحاملي بطاقة «راميد»، فهذه الفئة أصبح لها حق كرسه الدستور، وأيضا البطاقة التي نصدرها. – هل تؤدي الدولة مساهماتها بشكل عاد؟ القانون جاء بنظام متكامل ونص على ضرورة تدبيره بطريقة معينة. غير أن القانون غير مطبق، ولا نعرف الآن كلفة علاج 9 ملايين شخص المستفيدين من بطاقة راميد، ولا نعرف إن كانت 3 ملايير درهم التي توقعناها في 2007 كافية أم أننا في حاجة إلى أكثر منها. ففي غياب تطبيق القانون ومعرفة الكلفة الحقيقية، فلا يمكن أن نقول إن الدولة أدت نصيبها كاملا أم لا، لأنها ستقول بأنها أدت لوزارة الصحة. وبالتالي يجب أن يكون هناك طرف ثالث الذي هو حسب القانون الوكالة الوطنية للتأمين الصحي لإسداء هذه الخدمة ومعرفة حقيقة التمويلات. – ألا يسير نظام «راميد» نحو الفشل؟ أبدا، ليس هناك أي فشل. ما وصلنا إليه اليوم إيجابي جدا مقارنة مع ما كان في السابق، فالإنسان المغربي أصبحت لديه كرامة وبطاقة تؤمنه عبر تمويلات تؤديها الدولة والجماعات المحلية، وإن كان المواطن قد يجد هذه الخدمات في مستوى غير مُرضي أو أن يقف في طابور لينتظر الموعد. فالمستشفيات صحيح تعاني من مشاكل، لكن هناك إيجابيات كثيرة مقارنة مع الفترة السابقة. اليوم يمكن للمرضى أن يخضعوا لعمليات تصفية الدم من خلال البطاقة، والشيء نفسه بالنسبة للسكانير وعدد من التحاليل والاستفادة من العلاج، في حين يمكن أن يتكلف هذا المريض بشراء الأدوية، إلا أننا لا يمكن أن نحاسب المستشفيات التي تعاني بدورها من مشاكل. أعتقد أن هناك إيجابيات كثيرة في نظام «راميد»، وما يجب أن نقوم به هو أن نذهب في اتجاه أن تصبح الوكالة هيأة مقننة ومؤطرة للنظامين الإجباري و«راميد»، حتى نضع للأخير آليات احترازية أيضا. كما يتوجب خلق مؤسسة مستقلة عن الوكالة ووزارة الصحة ونمنحها هذه التمويلات لتدبيرها مع المستشفيات، لأن «راميد» يهم فقط المستشفى العمومي. وهنا أشيرا إلى أن وزارة الصحة منتج لهذه الخدمة، وبالتالي فالفصل 44 يطبق عليها. – هذا يعني أنها في حالة تنافي… نحن انطلقنا من هذا الأساس وأقنعنا وزير الصحة. فوزارة الصحة هي أيضا في حالة تنافي، ويجب أن تبتعد عن التمويل وأن يسند إلى طرف مستقل. فوزارة الصحة هي منتج الخدمة والمقنن الأول للمنظومة الصحية وتراقب المصحات، في حين يمكن لطرف ثالث أن يتكلف بأمور التمويل ويضع اتفاقيات مع المستشفيات. الطلبة استفادوا من امتيازات أكثر من الموظفين المنخرطين في «الكنوبس» – الحكومة خرجت أخيرا بمشروع خاص بالطلبة، في حين لازال نظام «راميد» يعاني من مجموعة من الاختلالات. كيف تقيم هذا التوجه؟ القانون وُضع على أساس أن يشمل التأمين الإجباري الأساسي عن المرض بشكل تدريجي أجراء القطاع الخاص وذوي معاشاتهم، وموظفي القطاع العام وذوي معاشاتهم، إلى جانب الطلبة وأصحاب المهن الحرة والمستقلون والأصول، بالإضافة إلى «راميد». فقد كان هناك قرار سياسي آنذاك بتخصيص عناية للمستقلين يعطى تدبيرها للقطاع الخاص، إلا أن ذلك لم ينجح. هذا يعني أن هناك إرادة سياسية لبلادنا ونموذج للحماية الاجتماعية وضد أخطار المرض. بالنسبة للطلبة فكان يجب تفعيل تأمينهم منذ خمس سنوات، غير أن الملف بقي يدور بين مجموعة من الفاعلين في غياب دراسة اكتوارية مدققة، إذ لا يمكن للسياسي أن يتخذ القرار في الموضوع على اعتبار أنه لا يوجد صندوق يمكن أن يتحمل فئة معينة إذا لم يكن متأكدا من كون تلك المساهمة ستخلق له التوازن، من خلال معرفة طبيعة الفئة والأمراض المعرضة لها. بعدما أنجزت الوكالة الدراسة الاكتوارية واتضحت الأمور، تبين أن فئة الطلبة تدخل في إطار ذوي الحقوق إلى حدود 26 سنة في حال استمرارهم في متابعة الدراسة، غير أن هناك فئة من الطلبة تسقط في إشكالية غياب التغطية الصحية بعد تجاوزها لهذا السن، رغم أنها لازالت تتابع دراستها. بعد القيام بالدراسة تبين لنا أن هناك حوالي 288 ألف طالب في هذه الوضعية، فتم إدماجهم في النظام الحالي. التخوف الذي كان لدينا في السابق هو إدماجهم في شركة للتأمينات، في حين أنه تم اليوم إدخالهم في النظام الحالي وهو الأمر الذي لا يطرح مشكلا. هذا المعطى يعني أنهم سيستفيدون من نفس سلة العلاجات التي يستفيد منها المنخرطون في «كنوبس»، بل أكثر من ذلك فالنظام منحهم امتيازات أخرى. فنظرا لطبيعة هذه الفئة، باعتبارها شابة لا تحمل أخطارا كبيرة، فقد تم منحهم إمكانية التحمل على جميع المستويات، وهو ما يجعلهم يستفيدون من امتيازات كبيرة على هذا المستوى.