منذ ما يزيد عن سنتين ونصف، و«عبد الله.خ» الملقب ب «السكوليط» داخل حيه الشعبي، يقف أمام مركز تحاقن الدم من أجل عرض دمه للبيع، مرتديا قميصا أحمر كتب عليه باللغة الفرنسة «تبرع بدمك». عبد الله البالغ من العمر 33 سنة، والحاصل على الإجازة في شعبة قانون خاص بكلية الحقوق التابعة لجامعة القاضي عياض، سيلجأ إلى عرض دمه في المزاد العلني، عندما فقد الأمل في إمكانية الحصول على فرصة شغل، وبعد موت والديه في حادثة سير في 21 يونيو سنة 2007. لم تنفع «السكوليط» دراسته القانونية ودرايته بالقوانين التي تعاقب على مثل هذه الأعمال، ولكن حاجته للمال ومحاولة تلبية حاجياته الضرورية في بداية الأمر دفعته إلى اللجوء إلى بيع دمه بعدما فشل في بيع السجائر بالتقسيط بعد يومين من فقدان والديه. عاش «عبد الله.خ» في أسرة جل أبنائها إناث، الأمر الذي صعب من وضعه في الحياة، حسب ما قاله في لقاء مع «المساء» في منزله الصغير في حي صفيحي. «كل أخواتي تزوجن، واكتفين بالاهتمام بأولادهن وأزواجهن»، لدرجة أنهن لا يعرف إن كان «عبد الله» حيا أم ميتا، جائعا أم شبعان. لم تفارق الدموع عيني عبد الله، وهو يسرد حكايات طفولته التي قضاها وسط أسرته الفقيرة، وبين أحضان والديه ودفء إخوته، ليصبح في آخر المطاف بائعا لمصدر حياته و وجوده (الدم). لم يكن يتوقع «السكوليط»، وهو اللقب الذي يطلقه أهل الحي الصفيحي بمراكش على عبد الله، بسبب بنيته الجسمية النحيفة، التي زاد من نحافتها بيع دمه للمرضى وأسرهم الذين يتوافدون عليه تارة أمام مركز تحاقن الدم بالقرب من مستشفى ابن طفيل بالمدينة الحمراء، وتارة يتصلون به عبر الهاتف، وتارة أخرى «يسافرون» إليه صوب منزله الخارج عن المدار الحضري للمدينة، أن يكون مصيره هكذا هو الحاصل على الإجادة في القانون. تعود حكاية لجوء عبد الله إلى هذه الوسيلة من أجل توفير واجب الكراء المحدد في 150 درهما للشهر الواحد، ومتطلبات «بلية» المخدرات التي أصابت ابن المدينة الحمراء بعد أيام من وفاة والديه، لمَا ترك منزل أسرته بعد طرده منه من قبل مالك المنزل بعد شهور قليلة من وفاة والديه وزواج «آخر أخواته. في تلك الفترة أصبح يعيش في الحي الصفيحي لدى أسرة عمدت إلى إيوائه وحمايته من البرد القارس لمنطقة أوكايمدن وأوريكا، وهناك تعرف «السكوليط» على صديقه «خالد» الذي يشتغل ممرضا بمستشفى ابن طفيل، الذي توطدت علاقته به إلى درجة «أننا كنا لا نفترق إلا عند ذهابه إلى العمل، أو عندما نخلد إلى النوم»، يوضح «السكوليط» في حديثه مع «المساء». في يوم من أيام الصيف الحار طلب «السكوليط» من صديقه «خالد» إيجاد عمل له يوفر من خلاله واجب الكراء والقوت اليومي وحصة «البلية» من المخدرات، بعد أن افترق عن الأسرة التي كانت تؤويه، فاقترح الممرض «خالد» على صديقه «عبد الله» الاشتغال في مهنة ليست كالمهن، أو كما يسميها «السكوليط» نفسه «مهنة من لا مهنة له». لم يكن «عبد الله» يتوقع أن يقدم له صديقه العزيز هذا العمل الخطير. يقول: «صدمت للوهلة الأولى، لدرجة أنني بدأت أشك في أن صديقي «خالد» يريد أن يلقيني إلى التهلكة ويحاول أن يجد طريقة يتخلص بها مني»، لكن استعمال «خالد» لخبرته ومعلوماته الطبية والصحية، ومحاولة إزالة أي خطورة عن العمل الذي سيقوم به «السكوليط»، سواء من الناحية الصحية أو من الناحية القانونية، ستقنع «عبد الله» على أن يكون أحد «باعة الدماء» بدل أن يكون متبرعا بالدماء. شرح «خالد» ل «السكوليط» طريقة العمل مع الزبائن والخصوم في المهنة، ووضح له أثمان اللتر الواحد من الدم وثمن نصف اللتر، وكل الحصص الأخرى المتعامل بها. بدأ «السكوليط» العمل في هذا الميدان، في صيف 2008، أي بعد حوالي سنة وشهرين من فقدانه والديه، لكن بمساعدة وتوجيهات صديقة الممرض خالد لم يجد «عبد الله» صعوبة في الاندماج بشكل سهل في هذا المجال الخطير، إذ منذ اليومين الأولين بدأ «السكوليط» يوفر قوت يومه وحصة صديقه بشكل أضحى فيه «عبد الله» مرتاحا، إذ يبيع كيسا يحتوي على 250 سنتلترا، بمبلغ يتراوح ما بين 150 و170 درهما، لكن مع مرور الأيام بدأ ثمن الدم لدى «عبد الله» يرتفع شيئا فشيئا، لدرجة أصبح ثمن الكمية المذكورة لا يقل عن 250 درهما. اليوم وبالقرب من مركز تحاقن الدم ومنزله بالحي الصفيحي يحصل «السكوليط» على مبلغ 600 درهم في اليوم الواحد، بعد تسديد حصة الممرض المساعد وباقي الالتزامات الأخرى. وفي الوقت الذي كان «عبد الله» يقدر المبالغ المالية التي يحصل عليها كل شهر من بيع دمه، رن هاتف رنة مفزعة، ،كان المتكلم هو أحد سماسرة العقار، له علاقات كبيرة وممتدة مع أهل القرى المجاورة للحي الصفيحي. سبب اتصال السمسار هو توفير كمية من الدم ستعرف عندما يتوجه «السكوليط» إلى المكان المتفق عليه مع السمسار والزبناء. أضحى ل«عبد الله» زبناء وعملاء وسماسرة يتعاملون معه في «تجارة الدم». وحول طبيعة الزبناء الذين يوفر لهم «السكوليط» الدم، يوضح المتحدث أن أغلبهم من سكان البوادي والقرى المجاورة لمدينة مراكش، إضافة إلى بعد المواطنين القادمين من مدن أخرى كمدينة قلعة السراغنة واليوسفية والصويرة وآسفي... إضافة إلى البوادي التابعة لهذه المدن. وحول الأخطار الصحية التي تحدق به جراء بيعه كميات كبيرة يوميا تقريبا، قال عبد الله إنه يتبع توجيهات الممرض خالد، الذي نصحه بتناول بعض الأعشاب الطبية التي توفر كمية كبيرة من الدم وتحمي الجسم من أي أخطار تهدد الجسم في حالة فقدانه كمية كبيرة من الدم، إضافة إلى تناوله بعض المقويات والخضروات والفواكه، التي تضخ دماء كثيرة في جسمه، حسب ما يؤكده عبد الله. أما الفصيلة الدموية التي يقدمها «السكوليط» لزبنائه، فقال البائع ل «المساء» إنه أجرى قبل شروعه في عملية البيع لأول مرة تحليلات مختبرية حول طبيعة دمه، الذي يخول له منح جميع الفصائل الأخرى كمية من دمه ناهيك عن سلامته من كل الأمراض الدموية والبكتيرية، يؤكد «السكوليط».