أمراض الليزوزوم (أو ما يسمى بداء الاختزان في الجسيمات الحالة)، هي أمراض وراثية نادرة متنوعة، ضمنها مرض ال «إيغليغ»، ومرض «كوشي» فضلا عن أنواع أخرى، لكن جل هذه الأمراض، تلتقي في نقطة واحدة، ألا وهي نقص أو عدم وجود مادة «الأنزيم» في الذات، وتكلفة علاجه تختلف من مريض لآخر، لأنها ترتبط بالأنزيم غير الموجود في جسم المريض. الأطفال المصابون بالمرض يعانون في صمت من أعراض لا تزال مجهولة بالنسبة إلى الأطباء، ويحرمون من عيش حياة طبيعية والاستمتاع بطفولتهم، بينما ينحصر همّ أسرهم في تأمين مصاريف أدوية باهظة الثمن للتخفيف من آلامهم، حالات كثيرة لم يتم اكتشاف إصابتها بأحد الأمراض النادرة إلا بعد معاناة طويلة، لتبدأ رحلة العلاج اللامنتهية التي تتكبد فيها بعض الأسر عناء تأمين الأدوية، حتى وإن تطلب الأمر السفر خارج أرض الوطن، بينما تطرق أسر أخرى باب جمعيات مهتمة بدعم الأطفال الذين يعانون من الأمراض النادرة، في سبيل أن يتلقى أبناؤها العلاج، على أمل أن يسبق الوصول إلى الدواء الناجع الأجل المحتوم. مرض نادر..لكنه قاتل نعمة (3 سنوات) وأيمن ( سنتين)، أخوان وافتهما المنية بعد إصابتهما بمرض «الليزوزوم»، وبالضبط ما يعرف بأنزيم «كوشي»، مأساة حقيقية تعيشها عائشة، أم تحول حلم رؤية فلذات أكبادها يكبرون أمام أعينها إلى كابوس بعد أن صار الموت ملازما لها طيلة سنوات، لذا قررت الاستسلام وعدم خوض مغامرة الإنجاب مرة أخرى، لأنها لم تعد تقوى على فقدان صغارها تباعا. هي مأساة حقيقية لأمهات ألم المرض بصغارهن، وبالرغم من كل المجهودات المادية التي تكبدنها من أجل إنقاذ فلذات أكبادهن، إلا أن قصر ذات اليد مع تكاليف العلاج الباهظة، حالت دون بقائهم على قيد الحياة. تحكي عائشة تفاصيل المعاناة الشديدة التي قضتها، من أجل تشخيص نوع المرض الذي ألم بطفليها قائلة: « بعدما تبين لي أن أيمن ونعمة ليسا طبيعيين، ويعانيان من صعوبة في التنفس، وانتفاخ على مستوى القلب، بالإضافة إلى عدم نموهما، قررت أخذهما إلى الطبيب من أجل إجراء كشوفات طبية وتحاليل لمعرفة نوعية المرض، غير أن عدة أطباء لم يفلحوا في تشخيص هذا الداء، إلا بعد حين»، وتضيف عائشة بصوت ينم عنه حزن وأسى بالغين: « عندما اكتشفت أن نعمة وأيمن يعانيان من مرض «الليزوزوم»، كنت مستعدة لبذل الغالي والنفيس كي يتلقيا العلاج اللازم وينجوا من هذا الداء، إلا أنني صدمت بعدما اكتشفت أنه سيلزمني مبلغ 300 مليون سنتيم، من أجل حقن الأنزيم الذي يعوض الخلل الذي يعانيان منه، مما أدى إلى وفاتهما». صعوبة التشخيص حالات كثيرة لم تُكشَف إصابتها بأحد الأمراض النادرة إلا بعد سنوات من المعاناة، ومع ذلك، تُصرّ أسر مغربية تحدّت النظرة الشعبية، التي «لا تنظر بعين الرضا» إلى الطفل المُشوَّه، أيا كان السبب، على بذل الغالي والنفيس كي يتلقى أبناؤها العلاجات، على أمل أن يسبق التوصل بالدواء الناجع الأجل المحتوم. هنا تكشف حفيظة، أم دعاء طفلة أخرى مصابة بمرض «الليزوزم»، عن رحلة المعاناة مع مرض لم يكن يوما في حسبانها، فقد تجرعت مرارة الألم بعد مضي عام على ولادتها، منذ ذلك الحين وهي تائهة من مستشفى لآخر بحثا عن تشخيص صحيح لحالة ابنتها، قائلة «كانت تظهر على ابنتي أعراض حين كانت في السنة الأولى من عمرها، لكن سرعان ما بدأت تتعرض لتقيحات على مستوى الأذنين وانتفاخ في البطن، تقول والدة دعاء متحدثة بنبرة يعتصرها الألم والدموع تكاد تنهمر من عينيها وهي تستحضر تلك المحطات الأليمة من حياتها وحياة طفلتها التي طبعتها المعاناة بسب المرض النادر الذي تعاني منه». كانت الأم في ذلك الوقت تكتفي باصطحاب طفلتها لزيارة طبيب مختص في أمراض أخرى، اعتقادا منها بأن علاج طفلتها من تلك الأعراض لن يكون بالأمر الصعب، لكنها سرعان ما ستدرك عكس ذلك. تكاليف العلاج الباهظة المعاناة لا تتوقف عند تشخيص المرض وتحديد طبيعته، فبعد تجاوز هذه المرحلة، يبدأ فصل جديد من المعاناة، يتمثل عنوانه الرئيس في البحث عن الأدوية الناجعة، مهما كلّفت من ثمن، فأغلبية الأمراض النادرة لا دواء لها، والمتوفر من الأدواء لا يواجه جوهر المرض، وإنما يهاجم بعضا من أعراضه ويعجز عن القضاء على أعراض أخرى، كما أن اهتمام البحث العلمي بها لا يرقى إلى مستوى تطلعات الجمعيات الناشطة في هذا المجال. هذه نماذج من معاناة الأطفال الذين يعانون من مرض «الليزوزوم»، وإلى حدود الساعة، لا يتوفر المغرب على قاعدة معطيات خاصة ولا وجود لإحصائيات رسمية عن حالات الإصابة بهذا المرض الذي يصنف ضمن الأمراض التي يعجز الأطباء أنفسهم عن تشخيصها في المغرب، حيث يضطر أغلبية المصابين بهذا المرض إلى جلب الدواء الخاص بهم من الخارج. ورغم أن جمعية التغلب على أمراض «الليزوزم» تعمل جاهدة على مساعدة المصابين بهذا المرض، بمدهم بالأدوية التي لا يستطيعون اقتناءها، أو بكراسي متحركة أو آلات تساعدهم على التحرك، إلا أن أغلب المصابين يتوفون واحدا تلوى الآخر لأنهم لا يتوفرون على العلاج. بديعة: هناك 300 حالة في المغرب تم تشخيص إصابتها بالليزوزوم – ما هو تعريفكم لمرض «الليزوزوم» ؟ اكتشاف «الليزوزومات» تم سنة 1955 من طرف دوف، الحائز على جائزة نوبل في الفيزيولوجيا والطب سنة 1974، و»الليزوزوم» هو البنى المستديرة الموجودة في معظم الخلايا ويحتوي على أنزيمات تقطع البروتينات والسكريات والدهون والجزيئات الأخرى التي تنقل إليه. ويصل عدد الأنزيمات إلى عدة مئات في كل خلية، ولها أشكال مختلفة، ولكن على الرغم من هذا التنوع البنيوي فإن وظيفتها الكيميائية الحيوية واحدة: إنها مواضع الهضم، وحينما تكون الأنزيمات «الليزوزومية» غائبة أو غير ناشطة، فإن وظيفة التنظيف لا تؤمن، مما يؤدي إلى تراكم الجزيئات، الشيء الذي يسبب اضطرابا في الاستقبال الخلوي. إن أمراض «الليزوزوم»، أو ما يسمى بداء الاختزان في الجسيمات، هي أمراض وراثية نادرة، فعند الإصابة بهذه الأمراض يتم تخزين مادة معينة في «الليزوزومات» أو عدة مواد ذات صفات كيميائية مشابهة، وغالبا ما يأتي اختزان المواد المعقدة عقب خلل في آلية تحليلها في «اللزوزومات»، ونتيجة لهذا الخلل تمتلئ الجسيمات بالمواد التي لا يمكن تحليلها، ولذلك لا يمكن إخراجها من الجسيمات، وفي هذه الحالة يمتلئ محتوى الخلية بالجسيمات الكبيرة المتضخمة، مما يؤثر على جميع أعضاء الجسم كالقلب، الطحال، العظام، انتفاخ البطن بشكل ملفت للنظر، وبالتالي الإعاقة المستديمة. – هل هناك علاج لأمراض «الليزوزوم»، وكم تبلغ كلفته؟ هناك على الأقل 50 مرضا من أمراض «الليزوزوم»، لكن 7 منها فقط تتوفر على علاج، أما في المغرب فالأمراض التالية هي التي تتوفر على علاج: – مرض « fabry « – مرض « gaucher « – مرض « muccopolysacharidose « – مرض « pompe « ومنذ سنة 2010، أصبح المغرب يتوفر على علاج للأمراض الأربعة السالفة الذكر، فالعلاج يتم عن طريق حقن للأنزيم البديل والذي يجب أن يأخذ مدى الحياة، وعلاج مرض «الليزوزوم» مكلف جدا فهو يعطى حسب وزن الطفل، فمثلا طفل مصاب بمرض «هيرلر» ويزن 18 كلغ يكلف علاجه 387648.00 درهم لثلاثة أشه – هل من إحصائيات بخصوص هذا المرض؟ ليس هناك إحصاءات دقيقة لمرضى «الليزوزوم»، وكل ما يتداول هو 300 حالة تقريبا قد شخصت، زيادة على المرضى الذين يصعب تشخيص مرضهم بالمدن الصغرى. – بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للأمراض النادرة الذي صادف 29 من فبراير المنصرم، ما هي أهم مطالبكم؟ مرة أخرى بإدراج أمراض «الليزوزوم» ضمن لائحة الأمراض طويلة الأمد، كما أكدنا على ذلك في رسالتنا التي وجهناها لوزير الصحة ولكن لم نتوصل بأي جواب، وفي هذا السياق، نطلب من وزير الصحة الاهتمام بهذه الأمراض، لأن عدد المرضى في ارتفاع مستمر. – ما هي المساعدات التي تقدمها الجمعية للمصابين؟ تتدخل الجمعية لمساعدة الأسر التي لديها من طفل إلى 4 أطفال مصابين بهذه الأمراض، لأنه كما سبق الذكر، فهذه الأمراض وراثية وقلة الوعي بهذا الأمر يؤدي بالأسر إلى التمادي في الإنجاب، مما يجعلها تعاني المر مع أطفالها الذين في غياب توفرهم على الدواء يصابون بإعاقات مستديمة، فهذه المساعدات تتجلى في: توعية الأسر وتحسيسهم بخطورة هذه الأمراض. وإرشادهم لزيارة الأطباء المهتمين بهذه الأمراض ومساعدتهم في تكوين الملفات الطبية للولوج إلى العلاج بالنسبة للأسر التي تتوفر على تغطية صحية. وإجراء التحاليل اللازمة للتأكد من المرض وذلك للأطفال الذين لا تتوفر أسرهم على تغطية صحية. وشراء بعض المعدات الطبية مثل corsets-poussette-semelle-etc للأسر المعوزة، خاصة أن هذه الأمراض تصيب جميع أعضاء الجسم بما فيها العظام. وإقامة أيام ترفيهية لهذه الفئة من الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة والمحرومة من اللعب كباقي الأطفال الآخرين. ومصاحبة الأمهات اللواتي تعانين المر مع العلم أن هناك أسرا تتوفر على 2 إلى 3 أطفال أصابتهم الإعاقة من جراء هذه الأمراض. بالإضافة إلى توزيع الأدوية على بعض الأطفال من الأسر المعوزة والتي يتبرع بها بعض المحسنين. فالحالات التي تفد على الجمعية هي حالات معوزة لا تتوفر على التغطية الصحية ولا تتوفر حتى على مصاريف إجراء التحاليل الأولية للتأكد من المرض، هناك عائلات أخرى لا تقوى على أداء مصاريف الدواء المخفف من الألم وأخرى تحتاج إلى كراسي متحركة، ونستقبل كذالك الأسر التي تتوفر على التغطية الصحية والتي ترفض هذه الأخيرة استرجاع الدواء المخصص لهذه الأمراض رغم أن دستور مملكتنا ينص على المساواة في الولوج للعلاج. – ما هي الصعوبات التي تعترض الجمعية عن مساعدة المصابين بمرض «الليزوزوم»؟ أول الصعوبات تتعلق بقلة الموارد المالية، حيث يصعب علينا تلبية جميع حاجيات المرضى من معدات طبية، تحاليل، كراسي متحركة، عدم المساواة في الولوج للعلاج، مما يجعل الأسر تلجأ إلينا للمطالبة بالعلاج كباقي الأسر الأخرى، بالإضافة إلى أن الجمعية لا تتوفر على مؤسسة لإيواء العائلات القادمة من المدن البعيدة.