الناس قلقون من إمكانية وصول مارين لوبين، زعيمة اليمين المتطرف، إلى السلطة في فرنسا؛ فبعد الأحداث الدامية في باريس، حققت هذه المرأة إنجازا كبيرا وتربعت على عرش استقصاءات الرأي التي تمنح حزبها إنجازا غير مسبوق في الانتخابات الفرنسية المقبلة. الناس يقلقون لأسباب غير مفهومة، مع أن زعيمة اليمين الفرنسي المتطرف تقول بصوت عال ما يقوله سياسيون فرنسيون كثيرون بصوت خفيض.. فهناك سياسيون فرنسيون كثيرون، من اليمين ومن اليسار، يشاطرون مارين لوبين آراءها وأفكارها ومشاعرها لكنهم لا يفصحون عنها؛ بل إن اليسار الفرنسي قام من قبل بإجراءات قاسية ضد المهاجرين ولم يعتبر أحد ذلك عنصرية. لنتصور أن مارين لوبين قالت من قبل إنها لو وصلت إلى السلطة فستمنع ارتداء التلميذات المسلمات الحجاب في المدارس، أكيد أن الدنيا كانت ستقوم ولا تقعد والجميع كان سيعتبر لوبين مجرد زعيمة عنصرية مريضة؛ لكن حجاب التلميذات تم منعه فعلا من قبل من طرف حزب سياسي عادي، وتم تطبيق المنع فورا ولم يولول أحد أو يعتبر ذلك القرار عنصريا، بل إن مفتي مصر نفسه هلل للقرار واعتبره حقا شرعيا من حقوق الدولة الفرنسية التي يمكنها أن تسن القوانين التي تشاء في حق من تشاء. وقبل أن يظهر اليمين المتطرف، فعلت فرنسا ما لا يجرؤ اليمين المتطرف الحالي على مجرد التفكير فيه.. لقد استعمرت فرنسا بلدانا كثيرة وطوعت شعوبها بالحديد والنار وقتلت الملايين في إفريقيا وآسيا وأجرت تجارب نووية خطيرة قرب أنوف شعوب مقهورة، واقترفت أشياء كثيرة أخرى؛ فهل سيفعل اليمين الفرنسي المتطرف، بزعامة تلك المرأة الساذجة، أسوأ مما فعلته مختلف الحكومات الفرنسية، بيمينها ويسارها، منذ عشرات السنين؟ هناك أشياء خطيرة جدا قامت بها الحكومات الغربية في العقود الأخيرة لم يكن بإمكان النازيين الألمان فعلها، ومع ذلك يبلع الناس المقلب ويتوقعون أن الأسوأ سيكون فقط مع اليمين المتطرف، مع أن متطرفي فرنسا لن يكونوا، لو وصلوا إلى الحكم، أكثر سوءا من أحزاب أخرى، وأكيد أن مارين لوبين لن تكون أكثر شرا من ساركوزي، هذا الرجل الذي نعتبره صديقا لنا في المغرب بينما نعتبر لوبين عدوتنا. في الولاياتالمتحدةالأمريكية يحدث شيء مشابه، فهناك يطلق المرشح الجمهوري دونالد ترامب تصريحات ترعب الكثيرين، لكن الرجل يفكر فقط بصوت مرتفع ويقول بالجهر ما يقوله مسؤولون أمريكيون كثيرون في السر. قبل أن يدعو ترامب إلى منع المسلمين من دخول أمريكا، فإنه أثار ضجة كبيرة حين دعا إلى بناء سور عازل بين أمريكا والمكسيك لمنع تدفق مهاجري أمريكا اللاتينية نحو جارتهم الشمالية الغنية. كل ما فعله ترامب هو أنه دعا إلى تحقيق حلم قديم لأمريكا بعزل نفسها عن جيرانها الفقراء؛ كما أن ترامب لم يدع إلى شيء غير مسبوق، فهناك أسوار كثيرة في هذا العالم تفصل بين الغنى والبؤس، بين الثروة والقحط، بين الظالم والمظلوم. وحين أقامت إسرائيل جدارها العنصري ضد الفلسطينيين فإن حكومة واشنطن كانت من الداعمين الأساسيين لذلك القرار؛ كما أن أمريكا كانت حليفا أساسيا لنظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ولولا الدعم الأمريكي لما عاشت العنصرية في تلك البلاد كل ذلك العمر المديد. لنتصور أن المرشح ترامب صرح يوما بأنه يجب إلقاء قنابل ذرية على خصوم أمريكا، أكيد أن الجميع سيعتقد أن الرجل فقد عقله، لكن لماذا يجب دائما أن نتناسى أن أمريكا ألقت بالفعل قنابل ذرية على خصومها عندما ذبحت مئات الآلاف من اليابانيين نهاية الحرب العالمية الثانية، مع أن الحكومة اليابانية كانت قد أعلنت قبل ذلك استسلامها الرسمي. ولنتصور أن ترامب قال يوما إنه يجب خوض حملة صليبية ضد بلد عربي أو إسلامي، أكيد أن الناس سيرون أنه لا بد من إعادة فتح «بويا عمر» من أجله؛ لكن في سنة 2003 استخدم الرئيس الأمريكي جورج بوش عبارة «الحرب الصليبية» في نفس الليلة التي قرر فيها غزو العراق، ولا أحد اعتبره أحمق أو مجنونا مثلما يفعلون مع دونالد ترامب هذه الأيام. نعتقد دائما أن اليمين المتطرف أخطر من غيره، مع أن المسألة متعلقة بالتسميات والمظاهر لا أقل ولا أكثر. وهناك قادة غربيون يقولون في اجتماعاتهم الخاصة ما هو أسوأ بكثير من التصريحات العلنية لقادة اليمين المتطرف، فالمجتمعات الغربية التي أنتجت لوبين وترامب وموسوليني وهتلر وغيرهم ستظل تنتج هذه النماذج باستمرار لأنها في حاجة دائمة إليهم لتطويع الشعوب الأخرى، كل ما هنالك أن الظروف الحالية اقتضت أن السياسيين الذين يسمَّون معتدلين يفون بالغرض، لكن عندما تصبح مصالح الغرب مهددة فكل الزعماء يتحولون إلى «لوبينات» و«ترامبات» و«هتلرات» و«موسولينات»…