يستمر يونس الشيخ علي، ابن طنجة المولع بتاريخها، في العمل بعصامية لتقريب سكانها من فترات مهمة من ماضيها، بعضها غير معروف لدى الغالبية الساحقة منهم، ولا توثقه إلا الصور والوثائق والمقتنيات التي يملكها، والتي عرضها خلال الأيام الماضية بقاعة العروض «سيرفانتيس»، في معرض هو الثاني من نوعه. واستمتع عدد كبير من سكان طنجة وزوارها، طيلة أيام المعرض، بالتعرف عن قرب على حقب من تاريخ طنجة التي مكنها طابعها الدولي من لم شمل حضارات وثقافات مختلفة، فما ضمه المعرض في نسخته الثانية لم يوثق للوجود الأوروبي، بمختلف جنسياته، صاحب البصمة الأبرز في تاريخ مدينة البوغاز، ولكن أيضا للوجود العبري والهندي والبرازيلي. وضم معرض الشيخ علي صورا توثق لزيارة السلطان محمد بن يوسف التاريخية إلى طنجة، وزيارة إمبراطور ألمانيا غيوم الثاني، وصحفا كانت تصدر في المدينة بمختلف اللغات، في مقدمتها العربية والفرنسية والإسبانية، وكذا الإيطالية، إلى جانب مقتنيات ووثائق تعود في الأصل لعديد من الشخصيات الأجنبية التي أغرمت بطنجة، وأيضا صورا ونسخا أصلية لعائلات معروفة في المدينة، نظرا لتاريخها العلمي أو السياسي أو الثقافي. ومن أبرز ما ضمه المعرض، الذي احتوى معروضات ترجع لمنتصف القرن التاسع عشر، وثيقة مهمة وقعها عدد من الهنود المسلمين والهندوس للمطالبة باستقلال الهند، والذين اجتمعوا في طنجة، ووثائق ومراسلات وصورا تعود لعائلات برازيلية استقرت بطنجة، ومقتنيات لأثرياء المدينة من البريطانيين والأمريكيين، وملصقات أفلام عالمية كانت طنجة فضاء أحداثها، إضافة إلى أحكام صادرة عن المحكمة اليهودية بطنجة. المعرض ضم، أيضا، مقتنيات طريفة، أبرزها إعلانات رحلات الحج عبر البواخر التي كانت تنطلق من طنجة، والتي تعود لحقبة الثلاثينيات والأربعينيات، إضافة إلى ملصقات خاصة بفرق كوميدية وغنائية محلية، إلى جانب نسخ فريدة ووحيدة من منسوجات ومواد غذائية كانت تصنع في طنجة. ويواصل يونس الشيخ علي، الذي صار مرجعا في تاريخ طنجة، والمولع حد الهوس باقتناء كل الوثائق والصور والتحف المتعلقة بطنجة، محاولاته لتقريب تاريخها لسكانها والكشف عن فترات غير معروفة منه، في ظل غياب تام للدعم من الجهات الرسمية. وحسب تصريحات الشيخ علي ل»المساء»، فإنه يحلم بتأسيس متحف يعرض فيه كل المقتنيات التي يملكها، ويكون مفتوحا في وجه السكان والزوار جميعا، وقد عرض بالفعل الفكرة على عدة جهات، قصد تمكينه من فضاء لتطبيق فكرته لكن دون جدوى، مشددا على أنه سيستمر في تنظيم معارضه بمجهوداته الذاتية، في انتظار تحقيق حلم المتحف. وحسب الشيخ علي، فإن معرضه الأخير لقي تجاوبا كبيرا من لدن المواطنين، وكذا اهتماما من طرف وسائل الإعلام، لكن الغريب أن الاهتمام من طرف الجهات الرسمية، بما فيه المعنوي، ظل ضعيفا، متعهدا بتنظيم معرض آخر خلال الأشهر القليلة المقبلة، حتى في ظل غياب الدعم.