انتصار تاريخي حققه سكان طنجة الثائرون ضد شركة «أمانديس» التي ألهبت جيوبهم بعدما مررت في غفلة من الجميع زيادات قياسية في فواتير الكهرباء. مشهد سائق المدرعة، التي ظلت لأزيد من ساعة من الزمن ترش الماء على المتظاهرين، وهو يشير بيديه إلى الجموع الضخمة في ساحة الأمم بأن التدخل انتهى وأنه يستعد للانسحاب، لم يكن عاديا، فبالنسبة إلى عشرات الآلاف من الطنجيين، الذين شاركوا في أكبر احتجاج ضد شركات التدبير المفوض في تاريخ المغرب، كان الأمر يتعلق بانتصار حقيقي على «أمانديس» المدعومة من السلطة والأمن. الحديث عن الانتصار، هنا، لا يخضع بتاتا لمنطق الربح والخسارة، لأن السكان لن يربحوا أي شيء من احتجاجهم سوى عودة الأمور إلى طبيعتها؛ كما أن شركة «أمانديس» لن تخسر شيئا سوى كونها ستضطر إلى العدول عن محاولتها الاستحواذ دون وجه حق على أموال زبنائها الطنجيين من خلال اللجوء إلى النفخ في فواتير الاستهلاك. لكن الانتصار الذي نتحدث عنه هو ثورة الطنجيين نفسها، التي تمت بشكل حضاري وأسلوب راقٍ جدا ينم عن وعي وتطور غير مسبوق في نمط الاحتجاج. صحيح أن انتفاضة طنجة خلفت بعض الإصابات في صفوف المواطنين والأمن، لكن ذلك طبيعي بالنظر إلى وجود تدخل أمني لتفريق المتظاهرين، فَهِمَ المسؤولون أنه لن يؤدي سوى إلى توتر الوضع، فأعطوا إشارة لوقفه. الآن، يجني الطنجيون ثمار ثورتهم، فقد بعثت وزارة محمد حصاد لجنة لفحص شكايات السكان وفواتير شهريْ يوليوز وغشت، في محاولة لإيجاد حل يطفئ غضب الشارع الذي يستعد لإطلاق موجة تصعيد جديدة، في وقت يطرق فيه سؤال ملح أذهان باقي المغاربة: هل ستنتظر الداخلية وقوع ثورات أخرى كي تتحرك لإيقاف مهازل شركات التدبير المفوض في المدن الأخرى؟