رغم أن مساحتها أصغر من مساحة مدينة الدارالبيضاء (620 كلم مربعا)، فقد استطاعت البحرين أن تتحول، في ظرف وجيز، إلى قبلة لعدد من الأبناك العالمية والمؤسسات الاستثمارية التي وجدت في هذا الأرخبيل، المكون من 33 جزيرة، أرضا خصبة لتنفيذ مشاريعها. ففي الوقت الذي توقف فيه قلب العقار عن النبض في عدد من الدول الخليجية، وعلى رأسها إمارة دبي، لازال مئات العمال الآسيويين يواصلون، ليلا ونهارا، تشييد عشرات الأبراج الشاهقة بتصاميم تقترب كثيرا من الخيال العلمي، وعلى رأسها تصميم مركز التجارة الذي تتوسطه ثلاث مراوح عملاقة ستزوده بالطاقة الكهربائية من خلال استغلال الرياح التي تهب، بين الفينة والأخرى، على الجزيرة. بمطار البحرين، عشرات الطائرات تصطف مثل سيارات الأجرة لتنتظر دورها في الإقلاع بعد أن تحول البلد إلى وجهة مفضلة لعدد كبير من السياح، خاصة من بريطانيا وأمريكا، وكذا لآلاف المهاجرين، خاصة من الهند والباكستان والفلبين، حيث يشكل المهاجرون أزيد من 200 ألف نسمة، في حين لا يتجاوز عدد سكان البحرين 650 ألفا يتوزعون بين السنة والشيعة. البحرين تحدّت ظلم الجغرافيا التي جعلتها عبارة عن جزيرة صغيرة تجاور دولا غنية بموارد الغاز والنفط، مثل السعودية وقطر، لتعمد إلى مواجهة البحر وتحويله إلى أحياء شاسعة تضم فنادق ومبانيَ سكنية ومقرات إدارية ،إذ إن البلد تزداد مساحته يوما بعد آخر من خلال ردم مساحات شاسعة من البحر خاصة في المناطق الضحلة. وبهذه الطريقة، استطاعت البحرين التي تملك موارد طاقية محدودة جدا أن تتوسع على حساب مياهها الإقليمية وتوفر أرضا يتعطش لها مئات المستثمرين. المهاجرون المغاربة في البحرين يؤكدون أن هذا البلد يوفر لهم امتيازا لا يوجد في باقي البلدان الخليجية، فهناك لا فرق بين ابن البلد والمهاجر، أو بين ما يسمونه المواطن والوافد، فالبحرين بلد الجميع، لذا لا غرابة أن تجد مواطنين بحرينيين يعملون كحمالين في الفنادق أو كسائقين لسيارات أجرة إلى جانب آخرين من جنسيات أخرى. البحرين ينتظرها مشروع عملاق.. يتعلق الأمر بأطول جسر في العالم يخترق البحر بكلفة مالية فلكية.. سيربط بينها وبين قطر، بعد الجسر الذي تم إنشاؤه للربط مع السعودية على مسافة 25 كليومترا وسط البحر، واستغرق إنجازه أربع سنوات، بكلفة ناهزت 3 ملايير ريال سعودي. المغاربة بالبحرين، ورغم السمعة السيئة التي ألصقت بهم بسبب عشرات الفنانات المشبوهات اللواتي يحولن أجسادهن إلى دمى معروضة للمشاهدة في المراقص الليلية، فإن عددا مهما من المهاجرين استطاعوا أن يفرضوا أنفسهم ويحتلوا مواقع متميزة مثل «لينا»، وهي شابة من الدارالبيضاء، تشغل منصب نائب مدير تنفيذي بإحدى الشركات المتخصصة في الخدمات، بعد أن أمضت فترة في العمل كمضيفة للطيران، وتلقت تكوينا ساعدها على الترقي المهني. إلى جانب لينا، هناك عشرات من المغاربة، بعضهم يشغل مناصب استشارية في كبريات الشركات الاستثمارية، وآخرون لم يشفع لهم مستواهم التعليمي في الحصول على مناصب مهمة فعملوا في قطاع الفندقة أو الحراسة. البحرين -التي كانت، حتى وقت قريب، تصنف ضمن دول الخليج الفقيرة- استطاعت أن تكسب التحدي بشكل سيحولها، عما قريب، إلى مركز مالي لا يعترف بالمشاريع على الورق، بل بالسيولة التي سمحت بتقليص نسبة البطالة إلى حدود 4 في المائة ومنح تعويضات للعاطلين وتوفير التغطية الصحية لجميع المواطنين. البحرينيون شعب متواضع بعقلية تجارية محضة مكنتهم من تحويل مياه مالحة إلى ذهب يوزع ريعه على المواطنين، وكذا آلاف الأجانب الذين وجدوا ضالتهم في حي كبير وسط مياه الخليج، اسمه البحرين.