نجحت ألعاب القوى المغربية في التواجد اليوم ضمن الفريق الدولي الذي يشرف على رياضة أم الألعاب. لقد فهمت جامعة اللعبة أن تطوير ألعاب القوى المغربية لا بد أن يمر عبر التواجد أولا في مواقع القرار القاري والدولي. وعبر منح أبطالنا فرصة الدفاع عن هذه الرياضة. لذلك يحسب للسيد عبد السلام أحيزون، رئيس الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى أنه اقتنع بضرورة مساندة الثلاثي نوال المتوكل وخالد السكاح وعزيز داودة للتواجد في الاتحاد الدولي لألعاب القوى. وهو تواجد صفق له الكثير من الرياضيين المغاربة، حيث أذاب بعض الجليد الذي كان جاثما على العلاقة بين رئاسة الجامعة والأبطال المغاربة، وفي مقدمتهم نوال المتوكل، التي لا تزال تحافظ على حضورها في مؤسسة اللجنة الأولمبية الدولية كنائب للرئيس. حدث هذا على هامش مؤتمر الاتحاد الدولي لألعاب القوى الذي احتضنته بيكين الصينية، والذي عرف انتخاب البريطاني «سيباستيان كو» رئيسا للاتحاد، متجاوزا خصمه الأوكراني «سيرجي بوبكا»، وخلفا للسينغالي «لامين دياك». وقبل هذا الموعد الذي احتضنته الصين أخيرا، كانت نوال المتوكل قد حظيت بتكريم خاص من قبل الرئيس الفرنسي. ولم يكن اختيار البطلة الأولمبية نوال المتوكل من قبل فرانسوا هولاند لتنعم بوسام الجوقة الشرفية للجمهورية الفرنسية، مفاجئا. فنوال، التي تحمل اليوم على كاهلها مسؤولية دعم الرياضة في إفريقيا والعالم، هي البطلة نفسها التي رفعت العلم المغربي عاليا في أولمبياد لوس أنجلوس الأمريكية سنة 1984 ليس فقط لأن ميدالية ذهبية في واحد من أكبر المحافل الرياضية، تساوي الكثير. ولكن لأن الفوز تحقق لأول امرأة عربية مسلمة تصل إلى هذا المستوى من الإنجاز. بابتسامة لا تفارق محياها، ظلت نوال محبوبة كل الرياضيين سواء تعلق الأمر بزملائها وزميلاتها في مدمار الجري، حيث كانت متخصصة في مسابقة الأربعة مائة متر حواجز، أو مع بقية الممارسين الرياضيين. كما تحتفظ نوال بعلاقاتها الخاصة مع رجال ونساء الإعلام الذين يجدون فيها مرجعا للكثير من الأحداث والتظاهرات. في لوس أنجلوس، بكت نوال المتوكل وهي ترفع العلم المغربي مرفرفا أمام أنظار العالم. وحينما كان النشيد الوطني يعزف وهي تضع على صدرها تلك الميدالية الذهبية التي شرفت كل العرب والمسلمين، كان كل المغاربة قد انتبهوا إلى أن بإمكان الرياضة أن تنوب عن السياسة في التعريف بالبلد. وانتبهوا إلى أن نوال المتوكل، إلى جانب سعيد عويطة وقتها، حققا للبلد ما لم تحققه الدبلوماسية، كما قال ذلك الحسن الثاني وهو يستقبلهما رفقة منتخب الكرة لسنة 1986، في حشد كبير يليق بمقام رياضيين صنعوا المجد. لم يتوقف قطار نوال المتوكل عند محطة لوس أنجلوس. فقد واصلت إنجازاتها الرياضية عربيا وإفريقيا. واختارت بعد ذلك أن تركز كل الاهتمام على تطوير معارفها ومداركها في التدبير الرياضي. وأضحت بعد ذلك مرجعا كبيرا في الرياضة العالمية، وهو الذي بوأها اليوم منصب النائب الأول للجنة الأولمبية الدولية. يتذكر المغاربة ومعهم العالم كله يوم الثامن غشت من سنة 1984، حينما كانت نوال تبكي من شدة الفرح حائرة لأنها لم تستوعب بعد قيمة الإنجاز الذي حققته. إنجاز الفوز بالميدالية الذهبية لسباق مسافة 400 متر حواجز. وهو إنجاز غير مسبوق في تاريخ ألعاب القوى المغربية والقارية والعربية. ظلت نوال وقتها تتذكر حلمها في إهداء الذهب لوالدها الذي كان قد فارق الحياة. لذلك حكت نوال بعد ذلك كيف عاشت ذلك الصراع مع الحلبة والحواجز التي كانت تبدو جد عالية وصعبة التخطي. مسار بطلة بدأت البطلة نوال المتوكل، المزدادة في 15 أبريل بالدارالبيضاء سنة 1962، مشوارها الرياضي سنة 1978 تحت مسؤولية مدربها الفرنسي «فرانسوا كوكان»، الذي وبعد افتحاص دقيق في مؤهلاتها التقنية والبدنية، سيقنعها بالتحول إلى سباق مسافة 400 متر حواجز، حيث ظهرت النتائج خلال دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي أقيمت بالدارالبيضاء صيف سنة 1983. وهي المنافسة التي عرفت مشاركة بطلات من أوربا ودول لها وزنها في هذا التخصص وتنتمي إلى دول حوض البحر الأبيض المتوسط، كفرنسا وإيطاليا وإسبانيا. إنجاز الدارالبيضاء منح ألعاب القوى المغربية بطلة من عيار ثقيل. وفرض عليها التطلع للآتي، والذي لم يكن غير الألعاب الأولمبية التي كانت لوس أنجلوس الأمريكية تستعد لاحتضانها. لذلك كان لا بد من توفير شرط مشاركة نوال في أمريكا، حيث ستحصل البطلة المغربية على دعم خاص هيأ لها الظروف المادية للسفر إلى الولاياتالمتحدة، حيث حصلت على منحة لمتابعة دراستها في مجال التربية البدنية والرياضة، وفي الوقت نفسه التخصص في علم التدليك. وهي الفرصة التي خولت لها فرصة الاحتكاك بأبطال وبطلات الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبالخصوص الأطر الأمريكية التي سهرت على تدريبها وفتحت أمامها حلبات في النوع الجيد والمنافسة التي مكنتها من تحسين مردودها الرياضي ورقمها الخاص. وفي لوس أنجلس، تحقق أكبر إنجاز لأنه جاء من سيقان فتاة مغربية مغمورة، وفي مسافة كانت قصرا على بطلات أوربا الشرقية والولاياتالمتحدةالأمريكية. لذلك شكلت أكبر مفاجأة للإعلام المتخصص، على اعتبار أن الاتجاز تحقق في مسافة جد صعبة. كما أن المسافة لم تكن إرثا وطنيا ولا قاريا ولا عربيا، وبالتالي فالسيادة أصبحت مغربية عربية إفريقية. بالإضافة إلى أن نوال المتوكل حطمت الرقم القياسي الإفريقي، وكذا رقمها الشخصي المغربي. زد على ذلك فوزها على بطلة من عيار الرومانية كريستينا كوجوكاري، والأمريكية جيدي براون. نوال تقتحم المؤسسات الرياضية كان لا بد أن تتوقف مسيرة نوال المتوكل البطلة الأولمبية في 1989. لكن بعد مواكبة مثالية لكل ما يهم المجال التقني والتأطيري، دخلت نوال ميدان التدريب من بوابة الشهادة التي حصلت عليها من الجامعة الأمريكية لمقاطعة «أوهليو» وهي العملية التي أفرزت ميلاد الخلف في شخص البطلة العالمية نزهة بيدوان التي تتلمذت على يد نوال، قبل أن يتحمل المسؤولية نفسها الإطار عزيز داودة الذي أكمل المشوار. غير أن طموح نوال المتوكل لم يقف عند حدود التأطير والتدريب. لقد اقتحمت مجال الرياضة من أعلى مستوياته، حيث انتخبت سنة 1995 عضوا بالمكتب التنفيذي للاتحاد الدولي لألعاب القوى، ثم نائبة لرئيس هذا المتنظم إلى جانب السينغالي لمين دياك. وزاد الطموح سنة 1998، والذي شكل بالنسبة لها قفزة كبيرة في إطار دخول التجربة الأولمبية، حيث اختيرت كأول إفريقية وعربية ومغربية عضو اللجنة الأولمبية الدولية. وعينت في سنة 1999 عضوا باللجنة الأولمبية، حيث أنيطت بها مسؤولية إعداد المقترحات الرامية إلى تعديل القوانين والتنظيمات. لتتواصل المهام حيث تم تعيينها في 2005 عضوا باللجنة المكلفة بالتنسيق الخاصة بالألعاب الأولمبية2012. ثم في يناير 2007 نائبة لرئيس الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى. وفي سنة 2008 عضوا باللجنة المنفذة للجنة الدولية الأولمبية. قبل هذا وفي سنة 2004 كانت قد عينت رئيسة للجنة التقييم التابعة للجنة الأولمبية الدولية والألعاب الأولمبية التي شهدت اختيار مدينة لندن لتنظيم واحتضان دورة 2012. أما في يناير من سنة 2010، فقد تسلمت نوال المتوكل رئاسة اللجنة التنسيقية للألعاب الأولمبية في دورة 2016. وفي 26 من يوليوز من سنة 2012، تم إعادة انتخابها نائبة لرئيس اللجنة الأولمبية الدولية بعد أن اكتسحت التصويت ب 81 صوتا ضد 3 و3 ملغاة. وقبل ذلك، خاضت نوال المتوكل تجربتين كوزيرة للشباب والرياضة في 1997 ككاتبة للدولة مكلفة بالشؤون الاجتماعية المكلفة بالشباب والرياضة. ثم في 2007 كوزيرة على قطاع الشباب والرياضة على عهد حكومة عباس الفاسي، حيث كانت لها فيهما الشجاعة الأدبية للاعتراف أن الرياضة المغربية تعاني كثيرا، وأنها في حاجة لوقفة تأمل. هي التي جعلتها تنظم في 2008 المناظرة الوطنية حول الرياضة المغربية. تلك المناظرة التي كشفت خلالها رسالة الملك عن الكثير من بؤر الفساد حينما تحدثت عن سوء التدبير والتبدير، والجري وراء المصالح الخاصة. لم تكن هذه الفقرات النارية التي تضمنتها رسالة الملك لكي تثني نوال المتوكل عن سعيها لتقدم ما تراه مناسبا للرياضة المغربية. لذلك راحت تشتغل رفقة عدد من زميلاتها في جمعيتها الخاصة التي تعنى بالرياضة النسوية. ومن خلال ذلك لم تتوقف عن تقديم الدعم للجانب الاجتماعي في عدد من مناطق المغرب غير النافع. يفخر المغاربة اليوم أن تكون نوال المتوكل هي من يشرف على ملفات عدد من العواصم العالمية التي ترغب في تنظيم منافسات دورات الألعاب الأولمبية. ويفخرون أن تستقبل نوال استقبال الملوك والرؤساء باعتبارها المسؤولة الأولى عن ملفات الترشيح. كما يفخرون اليوم أنها ستكون مسؤولة عن تنظيم أولمبياد ريو ديجانيرو البرازيلية في 2016. وقبل ذلك يفخرون أنها وقفت أمام الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند لتحظى بوسام جمهوري يليق بقيمتها وبحجمها. سيرة نوال المتوكل البطلة والمسؤولة، هي عنوان على المثابرة والجد الذي ميز بنت الدارالبيضاء التي ظلت تجد وتجتهد وهي تقتحم رياضة ألعاب القوى لأول مرة، بمدار الجري بملعب لاكازابلانكيز بقلب مدينة الداررالبيضاء. ويشهد لنوال أنها عرفت كيف تتجاوز الكثير من المحن والإكراهات باعتبارها فتاة اقتحمت عالم الرجال، واختارت أن تمارس رياضتها المفضلة في الجري واجتياز الحواجز. نجحت نوال. وصعدت منصات التتويج. فازت بالذهب والفضة. لكنها لم تكتف، بعد أن أنهت مسار الجري والقفز، بما تحقق لها هنا. بل سارت لتطور معارفها وتقتحم بعزم الكبار، عالم التسيير حيث وصل بها طموحها إلى السياسة. ومنها إلى التدبير الرياضي على المستوى العالمي باعتبارها تشغل اليوم منصب النائب الأول لرئيس اللجنة الأولمبية الدولية. هنيئا لنوال. ومن خلالها لكل نساء المغرب اللواتي رفعن العلم الوطني عاليا، ولا زلن. أما مثولها أمام رئيس الجمهورية الفرنسية فكان دليلا على أن المرأة المغربية في شخص نوال المتوكل قادرة على العطاء في أكثر من مجال.