ما جرى في طنجة قبل أيام حين أقدم سائق أرعن على قتل شرطي مرور وسحله، يؤشر على تغلغل خطير للفساد في كل شيء، بدءا بالقطاعات الاقتصادية الكبرى، وانتهاء بالقطاعات الاقتصادية الطفيلية مثل النقل السري. أن يوقف شرطي مرور سيارة ويطلب من سائقها وثائق السيارة أو ينجز مخالفة للسائق المخالف، فهذا ما جرت به الأعراف في العالم كله، أما أن يقوم سائق سيارة كبيرة للنقل السري بدهس الشرطي وسحله، أمام أنظار المئات من الناس، وعدد منهم كانوا يصورون ما يجري، فهذا شيء لا يحدث سوى في أفلام الرعب. في طنجة يردد الناس حكايات كثيرة عن مقتل الشرطي، من بينها وجود شبكة قوية للنقل السري، والتي تحظى بحماية وازنة من أطراف أمنية أيضا، وهذا كلام لا يطلق على عواهنه، خصوصا وأن الفرقة الوطنية للشرطة القضائية هي التي تكلفت بالتحقيق في هذه الحادثة الخطيرة. ما جرى في طنجة توجد له أمثلة في مدن مغربية كثيرة، حيث أباطرة النقل السري يتصرفون كأنهم أباطرة حشيش، ويفعلون في الطرقات ما شاؤوا، وكثير من حوادث السير الخطيرة التي تركبها مافيا النقل السري، بما فيها حوادث قتل، تتم لملمتها. اليوم يجد الأمن نفسه في قلب معضلة ساهمت بعض أطرافه الفاسدة في التغاضي عنها، لذلك فإن ما سيسفر عنه التحقيق في حادثة طنجة يجب أن يكون درسا للجميع، لأن ذلك السائق الأرعن لم يكن ليتصرف بتلك الطريقة لو لم يكن يعلم بأنه محمي، لذلك يجب أن تكون الرسالة واضحة: لا أحد فوق القانون في هذه البلاد، من أكبر مقاول أو سياسي فاسد إلى أصغر سائق سيارة للنقل السري.